الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بابا مرزوق المدفع العثماني الأسطورة

خليل البدوي

2013 / 5 / 16
مواضيع وابحاث سياسية




في القرن ألـ15، كانت الجزائر العاصمة عبارة عن قلعة منيعة أطلق عليها سكانها اسم "المحروسة. وخلال تلك الحقبة التي تميزت بتحولات سياسية وعسكرية في منطقة المتوسط، كان مدفع (بابا مرزوق)، يلعب بالنسبة لمدينة الجزائر العاصمة دور "الحامي" القوي بحيث أنه كان الوحيد الكفيل بالتصدي لكل الهجومات التي تستهدف مدينة الجزائر العاصمة، مدينة الرياس حسان وقورصو. فقبل قرنين من الآن كانت الجزائر في العهد العثماني قوة ضاربة في البحر الأبيض المتوسط، بفضل أسطولها البحري الذي وقف في وجه الأعداء، كما كان نصيراً للضعفاء وسيفاً قاطعاً يربك قراصنة البحر. وعلى مدار سنين طويلة استخدم في عدة معارك ضارية واجهت فيها الجزائر أعداءها المتربصين. ولعل أهمها المعارك التي دافع فيها الجزائريون عن بلادهم خلال حملة لويس الرابع عشر تحت قيادة الأميرال أبراهام دوكيسن سنة 1671، وكذلك حملة الأميرال إيستري سنة 1688.
ففي الربع الأخير من القرن السابع عشر هاجم الأميرال الفرنسي فرانسوا دوكان مدينة الجزائر دون جدوى، وبعد عدة محاولات في سنوات متتالية عاد إلى الانتقام بأسطول كبير فدمر جزءا من المدينة، وعندما فشل حاكم الجزائر العثماني في إقناع الأميرال بوقف العدوان أحضر أعضاء السلك الدبلوماسي الفرنسي في الجزائر حينها وعددهم 13 وقذفهم من فوهة المدفع بابا مرزوق الواحد تلو الآخر، وتكررت مأساة الدبلوماسيين الفرنسيين مع هذا المدفع الذي أطلقوا عليه اسم "القنصلي" ربما انطلاقاً من تلك الذكريات السيئة. وعام 1688 ذهب الماريشال الفرنسي "ديستري" إلى الجزائر انتقاما لذكرى الدبلوماسيين، وقيل بأنه تمكن من تدمير جزء معتبر من المدينة بمدافعه، ولما عجز حاكم الجزائر مرة أخرى عن وقف العدوان أعاد حكاية الدبلوماسيين فوضع 40 فرنسيا من بينهم قنصل فرنسا "الأب فاشر" الذي تحدثنا عنه سابقاً، ومن ساعتها دخل هذا المدفع الذاكرة الفرنسية السوداء.
لقد اهتم العثمانيون منذ بداية دولتهم وتوسيع حدود إمبراطوريتهم بسلاح المدفعية حتى انه لم يكن لهم منافس في بدايات القرن الرابع عشر والقرن الخامس عشر وامتد هذا الاهتمام حتى نهاية وسقوط هذه الخلافة.فبعد تمكن "عروج بربروس" من طرد الأسبان سنة 1529، أصبح حتمياً تحصين مدينة الجزائر من خطر اعتداءات الصليبيين المفاجئة، فقام "حسن باشا" بتنفيذ مخطط عسكري دقيق لحمياتها يشتمل على العديد من الإنجازات منها بناء الحصون والقلاع في زوايا الجزائر العاصمة، ولعل أهمها إشرافه على صناعة مدفع عملاق تحول بمرور الوقت إلى أسطورة، نظرا للوظائف العسكرية الكثيرة التي برهن فيها على قوته.
كان للقوات البرية العثمانية خلال الربع الأول من القرن العشرين سلاح لعب دوراً كبيراً في حروبها التي خاضتها طوال قرابة الخمس قرون، ومنها مدفع بابا مرزوق....هذا المدفع العملاق"يبلغ طوله 7 أمتار وبإمكانه إيصال قذيفته إلى حوالي 4872 م، أي حوالي5 كيلومتر، وقدر ثقله بـ12 طن، ويشرف عليه أربعة من رجال المدفعية الأقوياء. وهذا المدفع هو مدفع تاريخي أرتبط اسمه بالتاريخ الجهادي البحري الجزائري في عصر الدولة العثمانية.
لقد صنع المدفع من قبل سباك من البندقية بطلب من الباشا حسان الذي جاء خلفا لخير الدين.
مدفع بابا مرزوق هو قطعة من المدفعية فريدة من نوعها تدافع عن الجزائر العاصمة استحدث عند انتهاء أشغال تعزيز مدينة الجزائر العاصمة سنة 1542. كان هذا المدفع الذي يعد فخر الصناعة الحربية الجزائرية يحمي خليج الجزائر لغاية الرايس حميدو حاليا (بوانت بيسكاد). ويروي بعض المؤرخين أن أحد دايات الجزائر الذين جاؤوا بعد وفاة حسن باشا غضب من القنصل الفرنسي وهو "الأب فاشر" سفير الملك لويس الرابع عشر بالجزائر الذي ساعد بتقاريره الاستخبارية الأميرال أبراهام دوكاسن في حملته الفاشلة لغزو الجزائر فوضعه أمام فوهة مدفع بابا مرزوق وقصف به السفينة التي تقل قائد الحملة، ومن هنا أصبح الفرنسيون يسمون مدفع بابا مرزوق "لاكونسيلار".وللمدفع تاريخ كبير ويسميه الفرنسيون بالمدفع القنصلي بعد أن قام حاكم الجزائر أواخر القرن السابع عشر الباشا حسن بقذف الطاقم الدبلوماسي الفرنسي الواحد تلوى الآخر في عرض البحر باستخدامه.
ونعود للتاريخ فبعد حادثة المروحة الشهيرة سنة 1827 وتحديداً في مايو 1830 جهز "شارل العاشر" أسطولاً مشكلاً من 675 باخرة حربية على متنها 37000 عسكري وشن حملة عسكرية على الجزائر سماها بالعقابية، حيث نزل الغزاة بساحل سيدي فرج وتمكنوا من احتلال مدينة الجزائر بعد فترة طويلة من المقاومة، وبهمجية حاقدة قام المحتل بمصادرة أملاك الجزائريين وكان من بينها المدفع الأسطورة "بابا مرزوق" الذي قام الأميرال فيكتور غي دوبيري بنقله خلال شهر أوت من نفس السنة إلى فرنسا وقدمه هدية لوزير البحرية الذي أهداه بدوره إلى الملك كرمز للنصر، وأمر هذا الأخير بوضعه كنصب تذكاري في إحدى ساحات مدينة "بيرست"، ووضعوه مقلوباً رأساً على عقب في إحدى الساحات العمومية الفرنسية على فوهته تمثال الديك الذي يرمز للقوة الفرنسية وبقي على هاته الحال إلى وقتنا الحاضر بالرغم من مطالبة الدولة الجزائرية باسترجاعه مراراً باعتباره رمزا من رموز تاريخنا المجيد.
لقد احتفظ الفرنسيون بـ "بابا مرزوق" المدفع العملاق النادر، كغنيمة حرب سنة 1830، ولأنه لو أعيد إلى الجزائر فسيجلب فضول الباحثين الذين سيكتبون قصصاً حقيقية عن ذكريات سيئة سببها لهم "بابا مرزوق". فاستيلاؤهم عليه كان بمثابة انتصار نفسي ومحاولة محو عار التصق بهم.وقد قام قدماء محاربي شمال إفريقيا سنة 1912 بتحرير عريضة طالبوا فيها فرنسا بإعادة المدفع إلى مكانه الطبيعي بالجزائر لكونه يمثل جزءا هاما من تاريخ الجزائر المشع، لكن لم تتحقق لهم تلك الأمنية بسبب تعنت وتجاهل السلطات الفرنسية بحجة أن هذه القطعة الحربية لا يمكن للبحرية الفرنسية الاستغناء عنها، لأنها تمثل لها الكثير، وهذا نوع من التلاعب المعروف على فرنسا التي ما زالت تصر على عدم الاعتراف بجرائمها البشعة التي اقترفتها في حق الجزائريين طيلة فترة احتلالها الغاشم.
قبل فترة ليست بالطويلة أصدر الشاعر الشعبي أحمد بوزيان ديوانا شعريا وسمه ب "بابا مرزوق سيد مدافع المحروسة" في 99 صفحة بدعم من الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة ونشر الوكالة الإفريقية للإنتاج الثقافي والسينمائي. وقد أبدع الشاعر في إماطة اللثام عن ملاحم هذا المدفع الأسطوري الأسير، حيث نقل من خلال حوار طويل بينه وبين المدفع وبطريقة درامية فريدة وأسلوب شعري غاية في الجمال، نقتطع منها:
فارس وحديثه مرصع
ختم فوق القلب وطبع
وحكى لي قصة تروع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل