الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الراعي الكذاب..تراجيديا السياسة العربية

سامي العباس

2005 / 4 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


نتذ كر من طفو لتنا تلك الحكاية الجميلة التي سمعناها مرارا من الجدات والأمهات ,حتى احتلت ركنا في ذاكرتنا التربوية ..حكاية الراعي الكذاب:
,وملخصها - لمن فاتته طفلا –أن أهل قرية بعد أن ملّوا من الاستغاثات الكاذبة لراعي قطيعهم طّنشوه عندما استغاث بهم صادقا , فأكل الذئب الراعي الكذاب , وخسرت القرية معظم قطيعها..
أتذكر هذه الحكاية كلما وجدت هذا الزعيم أو ذاك, هذا الحزب أو هذه الحركة, تلك الطائفة أم هذه السلطة أو تلك المعارضة..عندما تنسحب من لسانها كما انسحب من لسانه ذاك الراعي المسكين ..
تختصر هذه التراجيديا مسلسل مكسيكي ينجزه في العالم العربي القادة السياسيون والروحيون, الأحزاب ببرامجها المتورمة, وبعض ((محرز)) من صناع الرأي العام من قادة الفكر والإعلام. ذلك أن محنة الراعي الكذاب تصنعها لكل هؤلاء حركة الواقع بجدلياته المركبة : العمودية – الأفقية عندما يطرح ممكناً هنا أو هناك , ولا يستطيع الرعاة الكذبة أن يسّوقوه لأن أحداً لن يصدقهم .
أتذكر محنة الراحل عبد الناصر عشية حرب حزيران, وهي محنة رفع عنها الغطاء بقليل من التفكر الموضوعي الراحل أيضاً ياسين الحافظ, في كتابه: الهزيمة و الأيديولوجية المهزومة.
و أتذكر المحنة الممد د لها حتى الآن لمنظمة التحرير الفلسطينية بخطابها السياسي وبرامج الحد الأدنى و الحد الأقصى , وتوهانها في الزواريب الأيديولوجية و السياسية , و الحرتقات الطائفية و المذهبية لمجتمعات الطوق العربية بنخبها الحاكمة و المحكومة , الإنحباسات و المخارج الممكنة , المستحيل و الفرص الضائعة . و أخيراً الواقعية المتدرجة التي تبطن ذعراً من قول الحقيقة كاملةً كي لا تنقطع الخيوط مع الشارع المهيج دوماً بالوعود الكاذبة, و المتروك لأحلام اليقظة, و لكل أنواع المهرجين الفكريين و السياسيين. لكل أنواع النستالوجيا و الاستلاب : للماضي التلبيد او لأيديولوجيات حديثة عسيرة الهضم .
إذا كان الجميع في الصف الفلسطيني متفقين على أن شارون قد خاض الانتخابات الأخيرة و نجح فيها تحت شعار إسقاط أوسلو. و أنه عندما وافق على مضض على خارطة الطريق فلتأكده من أن الفلسطينيين سيتولون بأنفسهم إسقاطها فلماذا تتبرع حماس و الجهاد الإسلامي بتقديم المساعدة لشارون في هذا الإطار ؟
الجواب بسيط . إنها حكاية الراعي الكذاب ثانية . فالأصولية الإسلامية الفلسطينية التي زايدت على منظمة التحرير , و رفعت اليافطات التي طوتها المنظمة في إطار واقعيتها المتدرجة , فلكي تسرق من منظمة التحرير شارعها السياسي الفلسطيني . و هي الآن في مواجهة محنة - تصنعها حاجة الولايات المتحدة لبناء مصداقيةٍ ( على المسرح الفلسطيني - الإسرائيلي ) تسند مشروعهالدقرطة المنطقة – تعرق و تحمر خجلاً من جماهيرها .
يالحبل الكذب ما أقصره ! ولكن لو كانت المسألة تندرج تحت بند الأخلاق, لهانت علينا نحن أهل الدنيا.
ذلك أننا سنترك المسألة للسماء تحلها بطريقتها. لكن الكذب السياسي ليس كما هو الحال في حكايتنا البسيطة معطى أخلاقياً بحتاً, الكذب هنا معطى عقليٌّ بامتياز. إنه أحد تجليات الفكر المفارق , الفكر الذي لا يسائل ا لواقع , لا يتلمس جدلياته . الفكر الذي يدور حول نفسه تجذبه نحو المركز نرجسيةٌ تتلبس يقيناً ما. يخاف أن يفلت من اليقين, فيفلت خارج الجاذبية و يضيع . الكذب هنا أحد العلامات الفارقة للاجتماع السياسي العربي , بتحوله مع الوقت و الممارسة إلى تكاذب , أي كذب الجميع على الجميع .
و لا أظن أن في هذا الكلام جلداً للذات أو انسياقاً وراء اللغة . إنه محاولة متواضعة للتعرف على الجدلية التي تعيد أنتاج الفشل بالرغم من أرتال المناضلين الذين انخرطوا منذ قرنين في مغامرة الحداثة و العراك مع معوقاتها . أتذكر في هذا المجال الكتاب المثير بعنوانه ( لجم العوام عن معرفة علم الكلام ) للإمام الأكبر أبي حامد الغزالي . إنه عنوان للمأزق الذي أفضت إليه النزعات العقلانية للنخب الفكرية الإسلامية في نهاية القرن الخامس الهجري. إنه تعبير عن الاكراهات السسيولوجية التي كانت في خلفية ميل النخب إلى حجب الحقائق العقلية عن الجمهور العريض !!
هل نذهب أكثر في تقليب الأغطية لكشف الجدليات التي أفضت إلى هذا المأزق العقلي ؟
لا يتسع مثل هذا المقال لمثل هذه المهمة , ولكن لا بأس من الإشارة بإيجاز إلى جدلية الحاضرة البادية التي ولدت تاريخاً من الإجتياحات الرعوية . الجدلية التي ظلت تعيد إنتاج نمط الإنتاج الخراجي حتى مشارف انقلاب الرأسمالية في أوربا إلى إمبريالية .
لقد احتل الكذب كل هذه المساحة في العمل الثقافي – السياسي لأن قدميه تنغرسان في قاع المأزق الذي أفضى إليه النقاش المفتتح من قبل المعتزلة على نحو مبكر حيال ضرورة توسيع تخوم(المفكر فيه ) التي حبست ظاهرة الوحي الإسلامي العقل داخل تخومه..
من هنا فإن العقلانيات التي فشلت في معظم معاركها الثقافية تحت ضغط سسيولوجيا ذات طبيعة استنقاعية قلصت مساحة المفكر فيه إلى مستوى يحبس الأنفاس, شدّت الرحال نحو الغرب ( هجرة الرشدية إلى أوروبا )
ومن هنا أيضاً فإن الطلقات التي دشنت بدء عصر النهضة العربية كانت باتجاه الجدران التي تفصل بين ( المسموح التفكير فيه ) و بين ( اللا مفكر فيه و المستحيل التفكير فيه )
كانت محولة طه حسين ( كتابه في الشعر الجاهلي ) أشبه بمن يطلق نيران مسدسه على جدران قلعة , رغم ذلك فإن ردّة فعل حراس القلعة كانت من الشراسة بحيث دفعته لتبديل حشوة مسدسه بالقطن و تنقيح كتابه ليصبح ( في الأدب الجاهلي )
*******

عندما يتحول الكذب إلى ظاهرة يصبح الميل إلى دراسته مقدمة للخروج منه . ذلك هو دور الوعي . إنه في الظواهر بمثابة الطبيب الذي يتحرى المرض مبتدئاً بمظاهره السرير ية فإن لم يتوصل إلى نتيجة حاسمة يستخدم ما تتيحه له تجهيزاته الطبية للغوص تحت السطح .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تسارع وتيرة الترشح للرئاسة في إيران، انتظار لترشح الرئيس الا


.. نبض أوروبا: ما أسباب صعود اليمين المتشدد وما حظوظه في الانتخ




.. سبعة عشر مرشحا لانتخابات الرئاسة في إيران والحسم لمجلس الصيا


.. المغرب.. مظاهرة في مدينة الدار البيضاء دعما لغزة




.. مظاهرات في تل أبيب ومدن أخرى تطالب بالإطاحة بنتنياهو