الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تمردوا يرحمكم الله.

مختار سعد شحاته

2013 / 5 / 17
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


بشارة الخير بين السينما والثورة:
يعاند قدري في أمر قد يراه البعض شديد التفاهة له، لكنه –أبدًا- يبقى لي مُلحًا كلما حدث، ولا أعرف سببًا لذلك، فنحن البشر تختلف تقديراتنا للأمور قدر ما تمثله لنا، أو تعكسه على دواخلنا فتتكشف لنا إلى حد الفضيحة أمام النفس، منا من يستدعيه الكون بكل طاقاته أن يتحرك ويتغير؛ لكنه يأبى ويرفض، ومنا من يتغير أو يسعى إلى التغير ولو "بشق تمرة"، هكذا دومًا نختلف، ونتفق فيما نراه أو نتعرض له.
ربما هي بشارة خير، ففي كل مرة ترميني الظروف في مطلع يوم جديد –فجرًا- وأتناوب التنقل السريع بين قنوات التلفاز، ومرورًا على قنوات الأخبار، بل قفزًا إن شئت؛ فما عُدت أثق في كثيرها، حتى تنتهي إلى قناة تعرض أفلامًا -نعتبرها من كلاسيكيات السينما المصرية. نفس الفيلم بطولة "الجان" رشدي أباظة، وفاتن حمامة –اللافتة- وجمع كلهم من ممثلين رحلوا، أو سقطوا من الذاكرة سهوًا. أبدًا لم أفلح في معرفة الفيلم، ولا عناء البحث عنه، لكن دومًا أرتعش مع مشهده الأخير، بعدما تهيأت لتك الرعشة بمشهد سابق لها بقليل، حين تبكي فاتن حمامة لاتهامها بالخيانة، وكونها "مندسة" من البوليس السياسي على خلية "المقاومة الشعبية"، وكيف أحاول –عبثًا- أن أمنع دمعة تتحدر تعاطفًا معها، وتغلبني رعشة كلما رأيت في نهاية الفيلم شارع كامل في مدينة السويس يغني تنبيهًا للبطل –رشدي أباظة- حتى لا يتم قنصه من قبل جنود الاحتلال، وأستسلم تماما لدموعي –بطفولية عجيبة- وهو يهرب، ورغم أني أعرف النهاية فقد شاهدت الفيلم مرات عديدة، لكن كل مرة يمارس عقلي لعبة عجيبة، فأضع نهايات مختلفة للبطل، وأدعي الفرح بنجاته، ويغمرني فرح طفولي غير مبرر إذ نجح "الكتكوت" أن يفهم الرسالة التي غناها الحي بأثره، وتبقى جملتهم تلك عالقة في ذهني "بينا وبينهم دم وتار". أعترف أن المرة الأولى التى رأيت فيها هذا الفيلم كانت بعد عودتي من برلين في نوفمبر 2010، وتكررت بقدرها العجيب لمرتين في مارس 2011، ثم نوفمبر 2011، وفي كل مرة تعلق الجملة، وأغني مع الحي لرشدي أباظة، "بينا وبينهم دم وتار".

هل يُعيد التاريخ نفسه سريعًا هكذا؟!
وحين تكرر الحدث في 2012 ؛ تعلمت أن أتصالح مع قدرية حدوثه، وأن أتعلم منه البشارة، ففي المرة الأولى وبعدها بشهرين؛ كان الفرج العظيم بثور يناير العبقرية، والتي يخرج علينا كل يوم أحدهم ينظر لها، ويدعي ويتهم ويسوق أدلة ومؤامرات كونية، لكنها في النهاية تبقى أعلى وأسمي من كل تنظيرهم صح أو أخطا، فقد فاقت في عبقرية الآداء على المستوى الشعبي الوصف، فغالبا ما كانت تأتي أفعال الثوار على أرض الشارع عفوية، بلا ترتيب مسبق، حتى وإن تم الترتيب لها؛ فتأتي النتائج مبهرة لمن خطط فيزيد حيرة والتباسًا، وهو ما يحدث في المشهد الآن من كل هذا الالتباس في من تصدر الحكم، أو من يعارضه، ويبقى وحدهم الثوار من يؤمن بما أنتج، ويعرف مدى قربه أو بعده عما حلم به لبلد بأكمله. في 2011 كانت المؤشرات كلها تدعو لتوقع الانفجار، وهو ما دعا سريعا البعض للالتفاف حول الثورة –فيما بعد- لتحجيم هذا الانفجار العظيم، والذي بشرت مؤشراتها أنه لن يُبقى فاسدًا أو خائنًا، وهو ما جعل فصيل مثل الإخوان المسلمين يُسارع بعقد الصفقات طوال مراحل الثورة، ومنذ اندلاعها، ولا يرى حرجًا من ذلك والاتجار به باعتباره حنكة وبطولة سياسية، حتى صدقوا أنفسهم وأرادوا وصفها بالبطولة الثورية عقب التنحي، وهو ما انفضح سريعا وتكشفه الثوار الذين مازالوا في شارع الثورة حتى اليوم، فما تعاطوا السياسة مثل النُخب المعارضة، والتى مارست بلا وعي -هي الأخرى- لعبة الانزلاق في مهاترات إخوانية، ناتجة عن صفقاتهم التي بدأت بأمريكاـ عمر سليمان، ثم مجلس العسكر، ومازالت تتوالى، ويدعمها جهاز شرطة لا تستثنيه من كل تلك التعاطيات القذرة والصفقات ضد مقدرات شعب خرج مطالبا بحريته لأجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

أنا أتمرد؛ أنا موجود:
اليوم حين ترتبك مشاهد الشارع السياسي في مصر، وتتوالى الصراعات فيما بين جمهورية الإرشاد وبين المعارضة المدفوعة –دون وعي منها- بزخم تستمده من نقاء الثوار الحقيقين في الشارع، ولا تنجح في توظيفه، بل تخدم به دون ان تدرى خطة الهيمنة والاحكام على مفاصل الدولة، وحين تُشاهد الشباب الثائر يتمرد بعبقرية جديدة فيما أسماه "حملة تمرد"، والتى تتوسع يومًا بعد آخر، وتنتشر كما الحبر في الماء، فتعيد تلوين الشارع المصري الحقيقي بلون الثورة ورائحتها، بعيدا عن لون مقاومة النخب السياسية التى عقمت عن فهم حلم الثائرين في الشارع، فانجرفت إلى لعبة السياسة، تعرف أن البشارة حلت، وأن ثورة على الأبواب تدق من جديد، وبنفس المدد الهوينى تتحرك وتكبر في الصدور، وحتما ستتخير لحظتها لتضرب شاطيء السياسة المصري بحكامه ومعارضيه، وتعلن أن تمردها دليل وجودها الحي.

التالتة تابتة:
لعل اللافت في الوضع هو انتباه البعض لهذه الحملة، والتي تعيد إلى الذهن مشاهد درجت في أدبيات التاريخ المصري، فتستدعي مشهدين أولهما بعيد، والآخر قريب جدا، وكلاهما مهدا بشكل أو بآخر لثورة حقيقية في التاريخ المصري، فالمشهد الأول هو مشهد التوقيعات التي أقر بها الشعب المصري لتفويض سعد زغلول ورفاقه للحديث في مؤتمر الصلح عقب الحرب العالمية الأولى، والمشهد الآخر هو حملة توقيعات الجمعية الوطنية للتغير لأجل تفويض الدكتور محمد البردعي، وكلاهما متى تعقبته ينتهي إلى ثورة شعبية جارفة، تُبهر القاصي والداني، فكل يحدث للمرة الثالثة ويتكرر سيناريو حملة التوقيعات المصرية؟ ويكون كما يستخدم المصريون في لغتهم الدارجة "التالة تابتة"؟!
فقط فجر اليوم شاهدت الفيلم، واعرف أني لن أبحث عن اسمه –كعادتي معه- وأتمنى أن تكون دمعتي التى تحدرت تعاطفصا مع فاتن حمامة، وارتعاشتي حين غنى الحي كله لتحذير رشدي أباظة "يا كتكوت أجري وفوت.. بينا وبينهم دم وتار"، هل يتكرر السيناريو كما حدث في نوفمبر 2010، ومع ما حدث من محطات الثورة طوال عام 2011؟! أتمنى ذلك، وأعرف انها هذه المرة ستكون امنية مغموسة باعتقالات واسعة، وربما اغتيالات عديدة، فحين تقرا المشهد من بعيد ببعض الوعي، تعرف أن برجماتية هذه الجماعة تخلص بك إلى حقيقة عشقها الطاغي للدم المصري الهين عليها، وان بلدًا بحجم مصر لا تكفى نهمها ولا شراهتها المقيتة في السيطرة، وانها لن تلتفت إلى حجم الغضب المتصاعد في الشارع ضدها، لكونها تعتمد تاريخها الأسود في التصفيات الرخيصة لأغلى واثمن ما تملكه مصر وهم ثوارها الحقيقيين، وهنا لن أحيلك إلى تاريخهم قدر ما أحيل إلى حوادثنا وفواجعنا التى لم يندمل جرحها بعد في جيكا وأبي ضيف والجندي، وهم بين قوسين من اغتيال جنود مصرية في رمضان الماضي، وآخرين منذ أيام قد خُطفوا وتتناثر حولهم الإشاعات، والكثير الكثير من حملات المداهمة وطوفات التلفيق لقضايا وهمية أسس لها وحاول تقنينها نائب عام سيظل عاره يطارده هذا المنصب، وسيبقى بكل سوابقه التاريخية نقطة سوداء في هيكل النيابة العامة في مصر.

تمردوا يرحمكم الله:
في نهاية الأمر يبقى أن أكرر، ومن واقع ما عودتني الأحداث مع هذا الفيلم وما يتبعه من سيناريو المشهد المصري؛ "أما لهذا الليل من آخر"، والتى ترقت معي إلى "الشعب يريد إسقاط النظام"، وتعاظمت في نوفمبر 2011 فكانت "يسقط يسقط حكم العسكر"، وها هي الآن تعود بزخمها وتملأ قلبي، وثقة ما لا أعلم من أين تاتي، ولا أرى لهذا النور الذي أشعته في صدري سوى مشهد رشدي أباظة وهو يقول "لابد أن يعرفوا إن المقاومة ممتتش في الشعب المصري"، وربما استلهمت طاقتها من تلك الحملة العبقرية –رغم الجدل القانوني حولها- حملة تمرد، فأعلنها صريحة عالية اليوم أعلن أني تمردت، وليعلو صوتي اليوم "يسقط يسقط حكم المرشد"، "المجد للثورة والثوار"، "الثورة مستمرة"، "بكرة الثورة تشيل ما تخلي".
يا شعب مصر من أحرارها الذين هتفوا وخرجوا لأجل "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية"؛ تمردوا يرحمكم الله.

مختار سعد شحاته.
"Bo Mima"
روائي.
مصر- الإسكندرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لاتتمردوا وفكروا
عبد الله اغونان ( 2013 / 5 / 18 - 03:13 )
التمرد من غير تفكير في من يحب لك الخير ممن يدفعك الى الهاوية والفتنة حمق وضلال وبغي

وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم

اخر الافلام

.. الشيوعيون الروس يحيون ذكرى ضحايا -انقلاب أكتوبر 1993-


.. نشرة إيجاز - حزب الله يطلق صواريخ باتجاه مدينة قيساريا حيث م




.. نشرة إيجاز - حزب الله يطلق صواريخ باتجاه مدينة قيساريا حيث م


.. يديعوت أحرونوت: تحقيق إسرائيلي في الصواريخ التي أطلقت باتجاه




.. موقع واللا الإسرائيلي: صفارات الإنذار دوت في قيساريا أثناء و