الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرحيل ..وحزن اوتار العود

رحمن خضير عباس

2013 / 5 / 17
الادب والفن


الرحيل .. وحزن اوتار العود
رحمن خضير عباس
هذه الروح المتمردة والمبدعة , هل استراحت في هدأتها الأبدية وهي ترخي اناملها عن الوتر الذي رافقها طويلا ..اي عشق بوهيمي بين طالب وبين اوتاره ؟ تلك الأوتار التي ذبلت لحظة موته . وكأن العود كان يشارك فناننا الراحل طالب القرة غلي لحظات الأحتضار , وكأني اشعر انه قال لمن حضر نزعه الأخير كما قال سيد النغم بتهوفن في لحظة مشابهة لأستقبال الموت " صفقوا .. لقد انتهت المهزلة ." مهزلة بحجم الحياة بجدها ولهوها وحزنها وفاقتها , مهزلة ان ينهار هذا الكيان الأنساني بابداعاته , بقدرته على البوح , واشاعة روح متوثبة خلاقة لجيله .لقد كانت ردهة في زاوية معتمة من مستشفى الناصرية كافية لأسدال الستار عن حياة عريضة متوثبة مبدعة عاشها هذا الفنان .
ولد طالب القرة غلي في مدينة سويج غازية التي سميت بناحية النصر . عام 1939 , والتي تقع على مرمى عصا من مدينة الشطرة . ويبدو ان هذه المحيط القروي لم يستوعب قدرته على العطاء فانتقل الى الناصرية التي بدورها لم تلب كل طموحاته ولكنها عطّرت رؤاه , وقومت موهبته اللحنية والغنائية , لينتقل الى بغداد , التي كانت قبلة عشاق الفن والأدب والموسيقى . ومن هناك تبدأ رحلته الفنية المتوهجة , والتي منحت الجيل السبعيني والأجيال اللاحقة اجمل الأغاني واعذب الألحان . هذا الشجو الذي انصهر في وجدان العراقيين , وطفا على سطح الأحزان العراقية ليغسلها بامطاره الربيعية . هذا الشاب الفاحم العينين والمتوقد الأحساس دخل الى بغداد فاتحا , ليقتحم روحها الغنائية , ويؤكد قدرته على مزاحمة كبار الملحنين من امثال عباس جميل ومحمد جواد اموري وحسين السعدي رضا علي وغيرهم , و ليؤكد لونه المتميز وذالك بانتاج اجمل الألحان, التي غناها مطربون كبار امثال فاضل عواد وياس خضر وسعدون جابر وغيرهم . كانت هذه الأغاني علامة بارزة في تقدم الأغنية العراقي ومنها (حاسبينك وكذّاب وتكبر فرحتي وانتة انت وروحي وعزاز ووداعا ياحزن .. وغيرها ) .
لقد تميزت الحان الفقيد بالمقدمات الموسيقية الطويلة , وكأنه يريد ان يمهد الطريق امام الكلمات بقصيدة من النغم الراقص وكأنه يتحدى اجواء الكلمات وحزنها . كما تميزت الحانه بانها منحت الكلمات والقصائد المغناة روحها , فيجعل المستمع منشيا ما بين جمال الكلمة وشفافية لحنها وهذا ينمُّ عن ذائقته الشعرية والموسيقية واصالته الفنية . ومن خلال الحانه تسربت الأغنية العراقية الى الدول العربية حتى النائية منها , وامتلكت الأغنية العراقية بجهوده ملامح فاتنة ومؤثرة ليس لدى المستمع العراقي فحسب وانما تجاوز ذالك الى المستمع غير العراقي .
لكن هذا العطاء الفني المتميز لم يحصّن فناننا طالب من قسوة النظام الصدامي وسطوته , فحمل عوده ورحل كسلفه زرياب , ولكنه لم يتوجه الى الأندلس وانما استقر في السويد . ومن هناك استطاع ان يبدع في الغناء وينقله الى ربوع منفاه , وليقدمه الى المتذوق السويدي والعربي . لقد اصبح سفيرنا في المهجر الأسكندنافي . وقد قدم الكثير من الحفلات لألحانه الخالدة والتي قدمها برخامة صوته وعذوبة عوده .
ومع ان الحياة في السويد احلى واجمل , ولكنه ابى الا العودة الى الوطن . وكأنه يردد ماقاله الشاعر بدر شاكر السياب " الشمش اجمل في بلادي من سواها.. حتى الظلام هناك أجمل ..." وقد عاش بين عشاق فنه من العراقيين الذين رحبوا به , والتصقوا به , واقاموا له الندوات التكريمية . بعكس الحكومة العراقية التي تجاهلته كعادتها مع المبدعين .
لقد كان طالب القرةغلي علامة بارزة في مسيرة الأغنية العراقية . فقد روّض حروف القصيدة للجملة الموسيقية , ومنح الشعر بهاءا وروعة , فقد جعل الكثير من القصائد تتدلى على صدور العذراوات كالقلائد . فقد كان ينحت الكلمات لحنا , ويعطرها بالموسيقى " ليالي الشوك ليلة بليلة عشناها .." . كما تسللت اغانيه بين اسوار السجون والبيوت المغلقة , وانتشرت في المقاهي والنوادي والحدائق العامة وغرف العشاق وهي تفوح بالحزن والأمل والمحبة .
عندما علمت بموته . لجأت الى اغانيه حيث أجد فيهما طقوس تأبينه .. لقد شعرت بالحزن العميق وانا اغرق في الحانه التي حملتني الى افق سبعينات القرن المنصرم . كانت تشعّ كالشمس في ليالينا الدامسة .
وها نحن نتذكر ما ابقاه لنا من ذكريات تتمرغ بالأمل , وتمتلك القدرة الهائلة لمواجهة الألم والعنف والظلم " ياليل .. صدك ما اطخ لك راس , واشكيلك حزن .. ياليل .."
اوتاوة /كندا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا