الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شخصيات لا تنسى : عكَلة الحاج حيدر

واصف شنون

2013 / 5 / 18
كتابات ساخرة


كنتُ أقلّ من السادسة من العمر حينما قام الحاج عكَلة الحاج حيدر بقطع جزء من جسدي ،كان الحاج عكَلة شخصية هادئة جداً ومسالماً حنيناً ومحبوباً لا يتحدث إلا نادراً ،وهو من أقدم حلاقي مدينة سوق الشيوخ فمحلّه يقع في سوق الصاغّة أو سوق الصابئة ، وهو الحلاّق الوحيد (المطهرجي ) في المدينة الجنوبية العتيدة التي تنام مع الفرات ، ولاأشك مطلقاً أنه قد نفذ مئات من عمليات الختان في محل حلاقته أو منازل (المختنيين ) بفتح التاء أو منزله اللصيق لمنزلنا فهو قريب جداً لعائلتي ، وكنت أشاهد أبناء العشائر يتجمهرون أمام بيته الصغير وأيضاً داخل حوش البيت في إنتظار (طهورهم - ختانهم) وقد تجاوزوا من العمر ( عتيا) ، فهم في العشرين ويودون التطوع في الجيش ولابد لهم من ( الطهور ) وبعضهم في الثلاثين ولابد من الطهور قبل الزواج ناهيك عن الصغار الذين كنت ُ أنا واحد ٌ منهم ، ففي صباح صيفي تموزي كما أتذكر ،أيقظوني فجراً ،وحين شاهدت نساء العائلة ورجالها مع (صواني ) القيمر الطازج من المعيدية الراقية (أمّ شروف ) وصواني (الكاهي ) من فرن الحاج كاظم،عرفت ُ أنّ هناك مؤامرة كونية ضد ( بلبولي ) الرقيق المهدّد بالقطع بلا سبب واضح ، ثم مع كل التدلّيل والترقيق والمزاح لم أهدأ ، ،وحين وصل الحاج عكلَة (آنذاك لم يكن حاجاً بعد) مع حقيبته القهوائية الجلدية العتيقة ، عرفت ُ أنّ لابد من الدفاع عن ( البلبول ) حتى آخر أمل يرجى من هؤلاء البشر المُحبين بطريقة غير مُحبة ، فإنهزمت مختفياً في ( الخرابّة ) وهي مخزن العائلة حيث يتم تربية بعض دجاجات إضافة الى التنور والسكراب والأحذية القديمة والأثاث غير المرغوب به ، لكنهم إكتشفوني سريعاً ، ثم لم أترك المحاولة في الإنقاذ فقد طلّ الصباح وبات الأمر قريباً مثل صباح عاشوراء ، تسللّت لأختفي في غرفة عمتي تحت سريرها والتي لايجرؤ أحد على دخولها ..!! ، لكنه تم قنصي بسهولة وإستدراجي هكذا مستسلماً للعذاب الذي لا أرى فيه الأن أي نفع ، مجرد تقاليد وأعراف وتبعية دينية دون تحكيم عقل ولا إجتهاد إنساني ولا عناية بالطفولة ،ولا إحترام لقدر الكائن البشري، الطفل المسكين ، كان الحاج عكَلة حلاقاً ومطهرجي ، يعني (جراح فطري ) ورث المهنة من أبيه ، هكذا ، زوجته الفارسية (خانمي) أمّ ليلى وعلي وكريم ورباب وحيدر وعباس...،جيراننا لحد الأن في سوق الشيوخ ، الحاج عكَلة توفى منذ زمان ولا أعرف بزوجته المسكينة ، كان إبنه الكبير علي عكَلة من أنبل أبناء المدينة وأفضل لاعب كرة قدم فيها ، وكذلك كانا كريم الذي هوصديقي وحيدر موهوبين في كرة القدم ، كريم وحيدر عكلَة رجعوا للحاج عكَلَة في توابيت قتلى في حرب إيران أو القادسية الثانية ، حضرت فاتحة حيدر ، ثم في عام 1987 شاهدت الحاج عكَلة آخر مرة وهو حزين جداً في جلسة حزينة أشبه بمجلس عزاء وفاتحة لشقيقي (حازم) الذي أفتقدته الى الأبد..كمفقود بلا شاهدة قبر ..!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحاج عگلة
جمشيد ابراهيم ( 2013 / 5 / 18 - 20:55 )
قصة جميلة عن عادات و تقاليد رغم عدم موافقتا عليها و لكنها جميلة بكلماتها و الگيمر و الكاهي لا يجب ان يطغي عليها مسألة الختان
تحياتي

اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي