الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حملة مناهضة الفساد في العراق

صادق إطيمش

2013 / 5 / 18
مواضيع وابحاث سياسية



إنطلقت في الفترة الأخيرة حملة شعبية تحت هذا العنوان وضعت لها شعارات مثيرة للجدل والنقاش ، إلا انها في الوقت ذاته شعارات تنطلق من الواقع المرير الذي تعيشه الطبقات العراقية الفقيرة والتي تجاوزت الحدود بكثير في بلد غني كالعراق إلا ان الكثير من سكانه يعيشون حالات فقر شديد مدقع او فقر بالمعنى المعروف في مستوى الفقر او على مستوى خط الفقر او فوقه بقليل .فإذا ما أجرينا الإحصائيات العلمية الواقعية لهذه المراحل التي تتواجد فعلاً في المجتمع العراقي والتي قد تشكل نسبة عالية من السكان في بلد يُفترض فيه وبخيراته وبحكوماته التي تعاقبت خاصة بعد سقوط دكتاتورية البعثفاشية المقيتة ، فإن تبرير إنطلاق هذه الحملة وشعاراتها يصبح أمراً واقعاً ، لا بل ضرورياً ولا جدال فيه .
لنناقش هذه الشعارات ونحلل محتواها لنتبين مدى أهميتها اولاً وإمكانيات تحقيقها ثانياً كي لا تتصاعد الأصوات المتشككة إما بجدية هذه الشعارات او بوسائل تحقيقها .
الشعار الأول الذي تضمنته هذه الحملة الوطنية يتعلق بالرواتب التي يتقاضاها الرؤساء الثلاثة ( الجمهورية ، النواب والوزراء) . وبالرواتب التي يتقاضاها نواب الشعب في مجلس النواب .وبالرواتب التي يتقاضاها اعضاء مجالس المحافظات . واخيراً بالرواتب التي يتقاضاها اعضاء المجالس المحلية .
لا نريد هنا ان ندخل بالحسابات والأرقام التي تتضمنها هذه الرواتب بالنسبة لكل فئة من هذه الفئات ، فقد سبقنا إلى ذلك الكثيرون واثبتوا بما لا يقبل التساؤل بأن الرواتب التي يتقاضاها كل مَن إحتل موقعاً من هذه المواقع وما يلحق بها من مخصصات جانبية ، سَمِها ما شئت ، إضافة إلى مخصصات الحماية والسفر ومن ثم بعض المِنح والقروض التي تتحول إلى مِنح في المستقبل وكل ما خفي غير ذلك لا يتناسب والمقاييس العالمية ، حتى مع تلك التي تتعامل بها الدول الغنية اساساً . وقد اثبتت كافة الأبحاث التي جرت في هذا المجال بأن مَن تبوأوا هذه المناصب برزت عند الأغلبية الساحقة منهم وبشكل فجائي ظاهرة الغنى الفاحش والذي لم يتمثل بضخامة الحسابات المصرفية الداخلية والخارجية فقط ، بل وفي إمتلاك العمارات الشاهقة والأراضي الواسعة ايضاً ، وكذلك داخل وخارج العراق .إن كل ذلك يدعو الضمير الإنساني سواءً عند المواطن العادي او لدى المسؤولين ان يتقصوا عن اسباب هذه الظاهرة التي تتعلق بها ظواهر اخرى مرتبطة بها إرتباطاً شديداً وتشمل المقاولات التي يشارك بها او يمنحها هؤلاء المتنفذون لمن يرجون منهم المشاركة بما قسم الله من مردود هذه المقاولات إن وجدت هذه المقاولات فعلاً ، وإلا فإن المقسوم مضمون في كل الأحوال من المشاريع الوهمية التي أصبحت ظاهرة ملازمة للأحزاب الحاكمة والتي جعلت الدين ومبادءه أساساً لشعاراتها التي تنشرها بين الناس ، مسكين هذا الدين ...
فماذا يضير هذه الأحزاب لو إلتزمت ببعض شعارات هذا الدين وطبقتها على المفسدين في الأرض والذين يستغلون مواقعهم الرسمية هذه للإثراء الفاحش على حساب قوت الناس ؟ فالدعوة إذن لتقليص رواتب هؤلاء اللصوص دعوة قائمة ولها ما يبررها وتنطلق من الواقع الجديد الذي يعيشه هؤلاء المتنفذون حيث ان رواتبهم هذه لا تشكل بالنسبة لمواردهم التي يحصلون عليها من خلال مناصبهم إلا بما يشبه مصرف الجيب الذي يمكن إستغناءهم عنه ببساطة وسهولة . ولكننا لمن نوجه هذه الدعوة ؟ إننا في الواقع نوجهها لمسؤولي الدولة العراقية لمحاسبة هؤلاء عما جنت ايديهم وما يملكون . إلا ان هؤلاء انفسهم هم مسؤولو الدولة العراقية ، اي اننا نطالب اللص ان يحاكم نفسه او يحاكم غيره من اللصوص . وهنا تتجلى طبيعة المشاركة والمحاصصة وغيرها من المسميات التي اطلقتها الأحزاب الحاكمة على سرقات منتسبيها من المبسملين المحوقلين حَديثاً والقائمين الليل والنهار صَلاةً والقاصدين بيت الله الحرام في كل عام حَجاً ، من ذوي الجباه المكوية والمحابس الفضية . وهنا يكمن سر هذه الحملة التي لا يرجوا مطلقوها من المسؤولين اللصوص ان يكافحوا انفسهم بأنفسهم ، بل يدعون الجماهير المنكوبة والفقيرة والجائعة والتي لا تملك غير إفتراش الأرض والتحاف السماء ان تهب للمطالبة بحقوقها والإستعانة بالقضاء العراقي الذي لا نزال نرجوا منه الوقوف إلى جانب المظلومين والمُضطَهَدين في هذا البلد الذي لم يتخلص من إستغلال البعثفاشية المقيتة إلا ليقع تحت إستغلال مَن جاءوا باسم الله ليسرقوا مال الله وعباده ايضاً .
اما الشعار الآخر الذي تبنته هذه الحملة الوطنية لمناهضة الفساد في العراق فيتعلق بالرواتب التقاعدية للنواب واعضاء مجالس المحافظات والمجالس المحلية . هذه الرواتب التي تُصرف لمنتسبي هذه المؤسسات طيلة ما تبقى لهم من العمر بغض النظر عن المدة التي شغلوها في مناصبهم هذه وبغض النظر عن مدى إلتزامهم بضوابط العمل في هذه المؤسسات ، خاصة فيما يتعلق بمجلس النواب الذي أصبح إكتمال النصاب فيه ظاهرة تدعو لجعل ذلك اليوم عيداً وطنياً ، هذا إذا ما تجاوزنا مقاطعة الجلسات او السفرات الميمونة او الإجازات المدفوعة بالكامل حتى وإن تجاوزت الأشهر او العلاجات الكثيرة الطويلة الأمد التي لا يمكن لأي موظف عراقي بسيط ان ينال جزءً ولو بسيطاً منها دون ان تتوالى عليه الإنذارات والمتعلقة بقطع الراتب او تقليصه او غير ذلك من الإجراءات الإدارية التي تخضع إلى تنفيذ اصعب القوانين وأشدها بأساً .
لو تناول المنصفون في أجهزة الرقابة المالية هذا الموضوع وعالجوه من جوانبه القضائية والإدارية والمالية ، بغض النظر عن الخصوصيات التي لا طائل تحتها ، لوجدوا أن مثل هذه الرواتب التقاعدية الضخمة التي ضمنها اصحابها لأنفسهم من خلال قوانين سنوها هم بأنفسهم لهم ولمصلحتهم حصراً حتى أُطلق على هذه القوانين تسمية الخدمة التي تقدمها بعض المطاعم والمقاهي وعنوانها " إخدم نفسك بنفسك"، ما هي إلا سرقة للمال العام في وضح النهار .
فمن الناحية الإدارية هناك القانون العام المعمول به للمتقاعدين والذي يستند على معادلة خاصة تتضمن مدة الخدمة والدرجة الوظيفية التي يبلغها الموظف في سنين خدمته والتوقيفات التقاعدية المدفوعة للدولة من قِبَل هذا الموظف . فلماذا إذن يتم تجاوز كل ذلك وتلغى كل هذه التعليمات لهذه الفئة من الناس التي ألغت هذه القوانين بنفسها ؟ ألا يحق للمواطن ان يستعين بالقضاء لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ؟ أوليس ما سوف يتقاضاه المنتمي إلى هذه المؤسسات وحسب قوانين إخدم نفسك بنفسك هو إعتداء على المال العام ، اي سرقته من قبل أجهزة الدولة لتوزيعه على منتسبي هذه المؤسسات بدون وجه حق ؟ هذه الأسئلة وأسئلة اخرى كثيرة غيرها تدفع مُطلقو هذه الحملة الوطنية المناهضة للفساد لأن يفتشوا عن البديل لما يدعون إليه في شعارهم " لا للرواتب التقاعدية للنواب واعضاء مجالس المحافظات والمجالس المحلية " وهذا البديل يتضمن النقاط التالية :
أولاً : إن إشغال هذه المناصب جاء بشكل طوعي من قبل منتسبي هذه المؤسسات ، إذ انهم رشحوا أنفسهم طوعاً وليس كرهاً لعمل كهذا والمفروض في هذا الترشيح ان يكون منطلقاً من حافز خدمة المجتمع لا خدمة الجيب .
ثانياً : حتى لو إنطلقنا من القوانين الخاصة لرواتب منتسبي هذه المؤسسات والتي يتقاضونها بغير وجه حق ، كما أشرنا إلى ذلك اعلاه ، فلماذا لا يصار إلى إحتساب مدة الخدمة في هذه المؤسسات ضمن الخدمة العامة التي قضاها الشخص في مؤسسات الدولة الأخرى إذا كان احد العاملين لدى الدولة قبل إنخراطه في عمله الجديد في هذه المؤسسات . اما إذا لم يسبق له العمل لدى الدولة مسبقاً فيمكن ان يجري له الراتب التقاعدي حسب مدة خدمته في هذه المؤسسات التي رشح نفسه للعمل طوعاً بها واستناداً إلى التوقيفات التقاعدية التي دفعها لخزينة الدولة . ثم ينصرف ، بعد إنتهاء عمله في هذه المؤسسات ، إلى العمل الذي كان يمارسه قبل إنتماءه إلى إحدى هذه المؤسسات وبذلك يعامل كما يُعامل المواطن الذي يقوم بعمل ما في هذا المجتمع والذي قد يحتاج إلى المساعدات الإجتماعية احياناً حاله حال المواطنين الآخرين .
ثالثاً : طالما يرتبط مثل هذا العمل في مثل هذه المؤسسات بتبعات ذات مردود مالي يستمر لفترة طويلة من الزمن كالمقاولات مثلاً او المشاركة في مشاريع حقيقية او وهمية وما شابه ذلك من سرقة المال العام . فلماذا لا يجري حساب كل ذلك ، تماماً كما يُحاسب المواطن العادي باعتبار ذلك خاضع للدخل العام الذي يحصل عليه الشخص والذي قد يؤثر على حسابات راتبه التقاعدي ، إن كان بالفعل بحاجة إلى راتب تقاعدي مقابل إبتزاز الأموال الطائلة الذي يجري عادة من خلال تبوءه لهذا المنصب وحصوله على الموارد المالية العالية وبعونه تعالى .
هذه الحملة الوطنية التي تطوع لإطلاقها عراقيون وطنيون حريصون على اهلهم الذين يعانون الأمرين بسبب الفقر والعوز وشحة الموارد والذين لهم الحق كل الحق في موارد العراق التي تقتسمها الأحزاب الحاكمة فيما بينها مستعينة بذلك بتقديم الدين كسلعة لتجارتها هذه بمقدرات الناس ، ينبغي لكل عراقي يرفض مثل هذه التصرفات اللاأخلاقية والسرقات الكثيرة والكبيرة التي يمارسها كثير ممن جعلوا من الإنتساب إلى مثل هذه المؤسسات مَحلَباً وطريقاً للكسب الحرام ، ان يساهم في إنجاح هذه الحملة ونشرها بين الناس والتوعية بها لكي يتبنى الإنسان العراقي المقهور والمغلوب على امره والمسروقة ثروته المطالبة بحقوقه التي سوف لن تضيع ما دام وراءها مُطالِب
الدكتور صادق إطيمش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رسائل عسكرية قادمة من صنعاء.. الحوثيون يبدأون معركة -الطوفان


.. ماذا تحمل الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية لفرنسا؟ | #




.. أبرز التحالفات المتنافسة في الانتخابات التشريعية الفرنسية


.. استطلاع: أغلب الإسرائيليين يعتقدون أن حرب غزة مستمرة بسبب اع




.. حراك دبلوماسي لافت بشأن مفاوضات التهدئة في غزة