الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يشعل الحمقى الجبل الغربي؟

محمد عبعوب

2013 / 5 / 18
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ما إن شعر سكان الجبل الغربي كغيرهم من سكان ليبيا بزوال بعبع القذافي وتفكك منظومته الأمنية، وبالتالي انتهاء القوة التي كانت تشكل الرادع للتطلعات الضيقة وغير الوطنية لبعض الفئات من أعضاء الكتل القبلية والجهوية والعرقية الذين انتزعوا قيادة قبائلهم وكتلهم من القيادات العاقلة والواعية المنسحبة من ساحة الفعل السياسي، حتى بدأ كل يبحث عن بديل لهذه القوة ليحمي كيانه، وبدل التوجه لبناء مؤسسات وطنية تحمي وجودهم كمواطنين ليبيين، انكفأ هؤلاء نحو انتماءاتهم القبلية الضيقة، فطفت للوجود انتماءات كانت حتى وقت قريب إما محظورة كالأمازيغية ، أو عربية مشوهة ومؤدلجة لخدمة النظام كالقبلية والجهوية.
وليس غريبا أن تطفوا على السطح هذه الظواهر كنتيجة طبيعية لتفكك المنظومة الأمنية التي كانت تكبحها، ولكن ما يعيب ظهورها كبديل للإنتماء الوطني هو تجييرها وتجندها بشكل يضعف الاحساس بهذا الانتماء لدى المواطن بل شكلت حتى الآن في بعض تمظهراتها لدى فئات معينة استئصالا وإلغاء للانتماء الوطني لدى مواطنيهم .
وما زاد من خطورة هذه الظاهرة النكوصية والمتقوقعة على نفسها لدى معظم أطياف المجتمع الليبي، توفر ترسانات من السلاح والعتاد الحربي الذي ترك النظام السابق مخازنه مفتوحة أمام كل راغب في اقتنائه ليكون أداة لتنفيذ مخططه في تدمير ليبيا وتفكيك نسيجها الاجتماعي بعد زواله (النظام)، خاصة وأنه أي النظام كان قد عمل ولعقود على تدمير الولاء الوطني ومسحه من وعي الليبيين وزرع بديلا سيئا له وهو الانتماءات الضيقة المفخخة بقنابل الصراعات والاحتراب المؤجل، وهو ما نراه اليوم يتفجر في اكثر من منطقة وبكل الأشكال في البلاد..
في منطقة الجبل الغربي التي أخصها بهذا المقال، والتي يتركب نسيجها الاجتماعي من قبائل عربية وأخرى أمازيغية تعيش في انسجام منذ قرون، يوحدها كغيرها من معظم مناطق ليبيا، قسوة المناخ الجاف وندرة الامطار وصعوبة التضاريس الجبلية وندرة الموارد ، إلى ان ظهر النفط وعرف أهل الجبل كغيرهم من سكان ليبيا تطورا في مستوى الحياة وارتفاعا في الدخول واتساعا افقيا في التواصل بين الأفراد والجماعات بفعل تطور وسائل المواصلات والاتصال، في هذه المنطقة يتعرض الاستقرار والسلم الاجتماعي بين سكانها هذه الايام لهجمة شرسة تستهدف تدميره وإدخال المنطقة برمتها في اقتتال عبثي الرابح فيه خاسرا. وكانت هذه المنطقة قد تعرضت إبان حكم القذافي الى عملية تفخيخ وتأجيج إثني بين مكونها العربي والأمازيغي، وذلك من خلال تلاعب النظام بهذه الانتماءات، بإلغاء الأمازيغ كعرقية ذات خصوصية ثقافية وربطهم قسرا بعروبة اسطورية مشوهة، وكذلك بشحن القبائل العربية بمفهوم منغلق وعرقي للعروبة يلغي العروبة كمفهوم حضاري وثقافة إنسانية منفتحة وحاضنة لكل الأعراق والثقافات ومتفاعلة معها لا مُصادِرة لها.
هذا الطرح المفخخ الذي ترسخ في وعي سكان الجبل والذي ظل في حالة كمون مؤقت بفعل قوة ردع المنظومة الامنية للنظام ، إلا أنه كان يغلي داخليا ويشحن النفوس بافكار متطرفة زاد من تطرفها تفاعل هذه المكونات سواء العربية أو الأمازيغية بأفكار مستوردة قائمة على الكراهية والعداء للآخر، هذا الطرح المهدد بتفجير السلم الاجتماعي والتعايش بين سكان الجبل، طفت بعض مظاهره على السطح بعد انتفاضة 17 فبراير ، وزادت حدتها بعد انتهاء النظام السابق الذي أرغمهم عنفه على التوحد ضده، وسرعان ما تفكك هذا التوحد والتلاحم وشهدت المنطقة انكفاء هذه المكونات على نفسها والبحث من منظومة بديلة تحمي كيانها، وكان الانتماء القبلي والعرقي المزروع في وعيها هو الاقرب والاسهل للاحتماء به، خاصة وأن الاندماج في إعادة بناء انتماء وطني لليبيا متجاوز لهذه الانتماءات الضيقة بدا في وعي هذه القبائل مغامرة غير مظمونة العواقب.
وبينما الانتفاضة الشعبية ضد القذافي في أوارها، كانت كتائب المقاتلين من شباب ورجال بعض قبائل الجبل تتسابق للهيمنة على أكبر قدر من السلاح والعتاد لاستعماله في القتال ضد كتائب النظام، ولكن بعض قياداتها من قصيري النظر والفاقدين لأي إحساس بالانتماء الوطني لليبيا كدولة حاضنة للجميع، كانت تحشد السلاح والمعدات لما بعد زوال النظام، أي بناء قوة قبلية رادعة للهيمنة على المنطقة ومواجهة أي قوة منافسة قد تظهر. وفور انهيار النظام السابق كنا نشاهد قوافل من الشاحنات المحملة بالذخائر والسلاح وهي تغادر مخازن السلاح النتشرة في شمال البلاد ووسطها وجنوبها نحو الجبل، وتحولت مغارات وكهوف الجبل وحتى بيوته الى مخازن لكل أنواع السلاح الثقيل والخفيف والذخائر والمتفجرات، وخلق هذا التكدس الفوضوضي للسلاح لدى القبائل حالة من الشعور بالتضخم والتغول والتحفز للعدوان السيطرة والنزوع للعنف لمجرد ظهور اي خلاف بين اسرتين او قبيلتين تحشد له القبيلة كل قوتها وسلاحها. وتحول الجبل الى كنتونات متربصة بعضها ببعض، رغم جهود تبذلها مجموعة بسيطة ممن تحركت ضمائرهم وراعهم ان يشاهدوا هذا الصرح التاريخي من التعايش والانسجام ينهد ويفكك على ايدي ثلة من الحمقى، فبادروا الى تكوين مجلس للحكماء على مستوى الجبل مهمته إطفاء الحرائق التي يعمل كثيرون على اشعالها بين الحين والآخر في اكثر من منطقة..
إلا أن الخطر الحقيقي الذي اعتقد أنه اكبر من ان يحتويه هؤلاء الحكماء، وأصبح يهدد بتفجير الجبل اليوم، هو تجيير هذا الشعور الوهمي بالقوة لتأجيج صراعات عرقية بين سكانه من العرب والأمازيغ، إذ بسيطرة الحمقى وقصيري النظر على القرار السياسي، بات الجبل كبرميل بارود جاهز للتفجير، كل طرف يسعى لإشعاله معتقدا أنه لا يمكن استمرار الحياة في المنطقة إلا بحرق الآخر واستئصاله من الوجود. وما زاد من حدة هذه المخاطر وجديتها صمت اصحاب العقول وإخلائهم الساحة لشراذم من الحمقى والمتطرفين المشحونين بمشاعر الكراهية الذين غاب عن وعيهم تاريخا من التعايش والتعاون كان دائما دافعا لتلاحم مكونات الجبل طيلة حقب التاريخ في وجه مصاعب الحياة والمخاطر الخارجية وأحدثها ما كان قبل أيام من وقوفهم في خندق واحد ضد طغيان الفرد ممثلا بالقذافي..
وأمام هذه المخاطر التي زاد من جديتها ركون بعض القبائل لاقتناء المزيد من السلاح والذخائر، وظهور نزعة عرقية انعزالية داخليا عن بقية المكون العام لليبيا لدى طيف واسع من قبائل الأمازيغ وعابرة للحدود الوطنية، واستمرار قبائل واطياف قبلية عربية في سيرها وراء مفهوم مشوه للعروبة عمل القذافي على ترسيخه في العقول؛ أمام كل هذا أصبح من الضروري أن تخرج تلك الفئة من أصحاب العقول الراجحة والمدركة للتعايش والتعاون كضرورة للبقاء، عن صمتها وفرض رأيها على الساحة واستعادة زمام المبادرة من تلك الشراذم المخربة ومحاصرتها وتجنيب الجبل حرائق لو اشتعل فتيلها لا سمح الله فإنها لن تبق على أحد. إن المخاطر المحدقة بهذه المنطقة تتطلب من سكانها إعمال عقولهم والتخلي عن عواطفهم، والعمل على تنمية وتقوية الجوانب الإجابية في حياتهم وما اكثرها ، بدل الانجرار وراء تلك الفئة من الحمقى المسكونين بالحقد والكراهية والموتورين بأوهام القوة والذين تصحرت عقولهم وعمت بصائرهم عن حقيقة لا يخطئها كل ذي بصيرة عن وطن اسمه ليبيا لا يحتمل المزيد من الصراع والانقسام ويحتاج منا الى كل دقيقة من وقتنا وكل حبة عرق من جهدنا لنعيد بناءه من جديد على اسس تضمن الحياة الكريمة لكل مكوناته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سحقا للاديان وللمذاهب
الراوندي ( 2013 / 5 / 18 - 20:52 )
الاحداث في الجبل الغربي بين العرب السنة والامازيغ الاباضية هوامتداد لما يقع تماما في مناطق التوتر العرقى والمذهبي في غرداية الجزائرية حيث الاحتكاك الدائم بين قبائل الشعانبة العرب السنة والامازيغ الاباضية وانظر كذلك حال العراق اليوم وما يقع فيها من مجازر بين الشيعة والسنة وهذا كله نتيجة ما جلبته الاديان لنا


2 - لا اوافقك
محمد عبعوب ( 2013 / 5 / 18 - 21:58 )
شكرا سيد الرواندي على مرورك الكريم.. انا من سكان الجبل وأعايش هذه التطورات المؤسفة ويا ليتها كانت كما تقول على خلفية مذهبية، إذ كان يمكن تطويقها ومعالجتها بطرح رؤية واسعة من خلال الدين الذي يجمع كل المكون بمختلف مذاهبه.. لكن ما يجري هو نتاج لرؤية شوفينية ضيقة للانتماء العرقي قائمة على رفض الآخر لدى سكان المنطقة، وهذا النوع من الفهم الخاطئ للانتماء إذا لم تتم معالجته سيفضي حتما الى تفكك النسيج الاجتماعي في المنطقة ودخولها في صراعات تفتح الباب أمام تدخل أجنبي يقضي على اي أمل في قيام دولة في ليبيا على الاقل في .الامد المنظور


3 - غياب العقل
فاضل عزيز ( 2013 / 5 / 19 - 13:21 )
كاتب المحترم .. نشاركك في كل ما دفعت به من مخاطر تهدد الجبل ، بل ليبيا باسرها.. الظاهرة لا تقتصر على الجبل فقط بل كل مناطق ليبيا تعاني من انفصال عن الوطن والتفاف حول القبائل والأعراق وهذا .. توجه خطير نتائجه ستكون مدمرة لليبيا كدولة.. نستغرب ألا ينتبه الليبيون الى القواسم المشتركة التي تجمعهم ويتشبثوا بالعوامل السلبية القليلة التي تفرقهم.. ليبيا بلد يفيض بالخيرات التي تكفل لهم العيش الرغيد وتبعدهم عن الاقتتال، وهم يتشبثون بنقاط الخلاف ويضخمونها لقتل بعضهم.. في تقديري أن هذه المرحلة ستنتهي ويعود الليبيون بمختلف أطيافهم الى التعايش، ولكن بعد أن يكونوا قد دفعوا ثمنا باهضا ما كان لهم ان يدفعوه لو احتكموا الى عقولهم.. ة


4 - تقصير إعلامي
محمد عبعوب ( 2013 / 5 / 19 - 15:46 )
شكرا لمرورك سيد فاضل، ونضيف الى ما اوردته ان وسائل الاعلام الليبية المختلفة سواء الرسمية او الخاصة تتحمل جزء كبير من المسؤولية فيما جرى ويجري من تراجع للحسن الوطني لدى المواطنين وانكفائهم الى الماضي .. الخطاب الاعلامي الليبي بدراية او عن جهل يمارس دورا مؤثرا في الشحن العاطفي الذي انتج هذه الحالة من النكوص.. لم نشاهد او نسمع او نقرأ إلا فيما ندر صوتا أو رئيا صريحا ينبذ القبلية والجهوية ويدعو الى الالتفاف حول الوطن وهذا ما انتج هذه الحالة ..

اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط


.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟




.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح


.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا




.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ