الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحداثة و التحديث عربيا

حميد المصباحي

2013 / 5 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


الحداثة اعتبرت انخراطا في الفكر الذي انتصر على التوجهات القرووسطوية التي سادت أروبا قرونا و عقدودا من الزمن,حيث سادت سياسيا الدولة التيوقراطية,و اقتصاديا نظام فيودالي إقطاعي,و ثقافيا اسكولائية تعليمية على تعبير ديكارت,وأخلاقيا نظام الوصاية الدينية و الفكرية و السياسية,كما نبه كانط,و رغم ذلك فقد اعتبرت الحداثة مفهوما زمانيا,غايته خلق تمييز بين الحقب التاريخية,و كأن الحداثة ظهرت فجأة بدون مقومات و لا أسس حضارية,ساهمت في بنائها كل الحضارات و الثقافات,و لم يكن الغرب الأروبي إلا مكانا جغرافيا,احتضنها و انتصر لها على نفسه و تاريخه و قيمه العتيقة,و قد انخرط العالم العربي فيها مبكرا,إذ ظهرت بوادرها مع الفكر الفلسفي العقلاني,إبن رشد و إبن خلدون,و غيرهما من الفلاسفة و الشعراء و حتى بعض الفقهاء,فانكسرت سيرورة هذا الفكر,و توقف إلى حدود القرن التاسع عشر,لكن توقفه كان حتميا,بفعل نفس المعيقات,أي التأويلات السطحية للدين و استغلاله لرفض قيم الحداثة,
1الحداثة
استندت الحداثة كصيرورة على التحديدات السابقة,التي يمكن اخنزالها في العناصر التالية.
أ العقلانية
أي اعتبار العقل مصدرا للمعرفة,كمكتشف لها أو حتى مشيد لها,وفق الشروط التاريخية و الإمكانات التي يسمح بها العلم و مدى تطوره,كما أن القيم تستند إليه,فهو لا يقبل بالظلم و لا يدافع عن الشرور,لأنه حامل للخير و مدافع عنه في وجه العسف و الظلم,و لذلك فله حق تشريع القوانين العادلة,لتكون حصنا للمؤسسات التي يشيدها الإنسان,كما أن له القدرة على إحداث التغيير في نظمه عندما يتطلب المجتمع و الحضارات ذلك.
ب الفعالية البشرية
وفقا لما سبق,فالإنسان ليس قاصرا,فله القدرة على الخلق و التجديد,لأنه فعالية لا ينبغي تعطيلها تحت أي مبرر كان,فالكائن البشري لا يكتسب إنسانيته بشكل كامل إلا بقدرت على الفعل و البناء و التشييد,و تلك ميزته الأساسية,التي بدونها لا معنى للعقل و كل القيم التي يشيدها و يدافع عنها في وجه الإقصاء.
ج الحرية
مادام الإنسان فاعلا,فله حق الحرية كاختيار بدونه لن يكون إلا كائنا منصاعا لغرائزه أو لغيره من البشر,فالحرية حصيلة حتمية لكل القيم السابقة,فأن يفكر الإنسان و يصنع,معناه أن تكون له الحرية,في الإختيار و الإقتناع بما يبدو له صالحا و ممكنا.
تراكمت أبعاد هذه القيم,و تفاعلت فيما بينها لقرون,فنتجت عنها صراعات,ضد الجهل و إطلاقية الفكر الديني,لكن انتشار الفكر العلمي الداعم للحرية و فعالية الإنسان,ساعدا على انتشار هذه القيم بظهور المطبعة,و انتشار الفكر الداعي للتحرر,و المدافع عن فعالية البشر في وجوه المستكينين لرجالات الدين و المتحالفين معهم من رجالات السياسة الراغبين في فرض نظام المحافظة,
2التحديث
من الملاحظ أن فكرة الحداثة تحمل في طياتها,تفاعلات داخلية,كصيرورة مفروضة من الداخل وفق منطق تاريخي,تحققت شروط انتصاره و سيادته,بينما فكرة التحديث تبدو و كأنه فرض من الخارج,مما يحيل على فكرتين,الأولى,اعتبار التحديث فعل خارجي مفروض على بنى لم تعرفه من قبل,بفعل بدائيتها,أو تخلفها,أما الثانية,فهي كون التحديث خيار كوني,لا يمكن القبول بغيره لربح الإنتماء للحضارة الحديثة الراهنة,و كل المجتمعات و الحضارات لا تنتمي إلى عصرها إن لم تحدث بناها وفق النموذج الذي عاشته أروبا,من هنا أطلق على القفزة التي عاشتها أروبا حداثة,أما الرغبات التي تعبر عنها بافي المجتمعات غير الأروبية,و منها العربية,فتعرف بالتحديث,و هنا لا بد من التنبيه,إلى أن الحداثة التي عرفتها أروبا,كانت حصيلة تفكير إنساني ساهمت فيه كل الحضارات البشرية,و منها الحضارة العربية الإسلامية,ينضاف إلى ذلك,أن هناك حداثات,و مداخل مختلفة لها,قد تبدأ بالتجديد الديني,أو الإكتشافات العلمية أو حتى التحرر السياسي,و لكل مدخل زمنه الخاص,و بناءاته و مقدماته,فالمجتمعات العربية,فشلت مرتين في تحقيق حداثتها,لأن عامل السياسة كان معيقا,فطبيعة الدول التي عرفتها هذه المناطق من العالم,لم تستفد من تاريخه العريق في بناء الدول,ذلك أن الفكر الفقهي اعتبر كل ما هو سابق عن الإسلام و الفتوحات,تراثا وثنيا,لا يمكن الإستفادة منه,خصوصا أنماط الدول التي كانت قائمة و دخلت في صراعات ضد الفاتحين,رغم أن المسلمين استفادوا من تلك التجارب,دون المس بفكرة الخلافة أو الإمامة,التي اعتقدت أنها بذلك تنتزع اعتراف المجتمع بها لتصير شرعية,لكنها بذلك أخضعت نفسها لرؤية المجتمعات و ثقافاتها التي عرفت تراجعا,و تماسكت البنى الإجتماعية بشكل تقليدي,و عندما أرادت هذه الدول الإنخراط في التجديد,ثارت المجتمعا في وجهها,و أرغمتها على العودة لتقليدانيتها,التي لازالت تحاول التخفيف من حدتها لتنخرط في سياق الحداثة الإقتصادية و السياسية و الثقافية و الحضارية بشكل عام,مما جعل من الحداثة في نظر المجتمعات العربية فعلا غريبا عنها و كأنها إنتاج للغرب,و نمط حياة خاص به,و قد ساهم الغرب نفسه,في نشر هذا المنطق ليواجه به الفكر الشيوعي في السبعينات و حتى حدود التسعينات,و لازال لحد الآن لم يعد النظر في كيفية تعامله مع الفكر التقليدي,إلا بعيد 11 من سبتمبر,و الكل يذكر التحالفات المشبوهة التي أقامتها الدول الغربية مع التيارات الدينية إبان الغزو السوفياتي لأفعانستان.
خلاصات
ليست الحداثة ملكا لأية حضارة أو ثقافة,إنها مشروع إنساني,توفرت شروط تحققه بالغرب فظهر هناك,و لازال العقل البشري قادرا على إيجاد مداخل له,كما حدث باليابان و الدول الصاعدة حاليا بما فيها الصين نفسها,و على العالم العربي,بمثقفيه التفكير في صيغ لتصريف الحداثة ثقافيا في عمق المجتمعات العربية,و لن يكون ذلك برجالات السياسة وحدهم,فهؤلاء أثبتت تجارب العالم العربي,أنهم وحدهم غير قادرين على إنتاج مداخل أصيلة للحداثة و ليس التحديث كما يروجون لذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وصلت مروحيتان وتحطمت مروحية الرئيس الإيراني.. لماذا اتخذت مس


.. برقيات تعزية وحزن وحداد.. ردود الفعل الدولية على مصرع الرئيس




.. الرئيس الإيراني : نظام ينعيه كشهيد الخدمة الوطنية و معارضون


.. المدعي العام للمحكمة الجنائية: نعتقد أن محمد ضيف والسنوار وإ




.. إيران.. التعرف على هوية ضحايا المروحية الرئاسية المنكوبة