الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار ودّي مع شايلوك

مثنى حميد مجيد

2013 / 5 / 19
الادب والفن


لمحت شايلوك جالساً في العتمة ، مُطرقاً حزيناً منفوش اللحية ، صامتاً صمت مقابر عصور ما قبل فجر السلالات ، رمقني شزراً وبألم ممزوج بعتاب مرير قال : أتشتمني أيها المغلوف ؟! فقلت له : معاذ الله أيها العم الجليل ، وكيف لمسكين مثلي من مساكين الشعب قيل أنه من أسباط إسرائيل التائهة أن يمس شعرة لمظلومٍ مثلك ، ومغلوبٍ على أمره ، قضت المحكمة الشكسبيرية الجائرة على سلبهِ ماله وتجريده من توراته ، وحتى فلذة كبده ، وجوهرة حياته ، جسيكا الجميلة عقدوا قرانها من البرجوازي النبيل لورنزو وفق عقيدة الصيلب ، ولم يعد ليهوه ولهُ ولا لأي مظلومٍ فيها من نصيب ، فكيف يخطر ببالك ياعم ، وفي دمي رائحة لا تُنكر من دمك ، وأنت بهذي المظلومية وهذي البليّة ، أن أقف ضدك وأسخر منك وأشتمك أو أتشفّى وأشمت مما أنت فيه من حالٍ مُزري وكربٍ ساري؟ أتصدق يا عم أن آرامياً فصيح اللسان مثلي لم يختتن أجداده للملوك ، يمكن أن يُذكي العنصرية ضد شيخ جليل مسكين ومختون مثلك ، تثقله مظلوميته التاريخية وينوء بثقل فجيعته وأساطيره ولكنته العبرية ؟!

تطلَّع العجوز شايلوك في وجهي بإستغراب وتساؤل وقد خفَّ عنه غضبه وكأنه يطالبني بمواصلة الحديث وبمزيد من الإيضاح فقلت:

منذ متى ياعم أصبح أحفادك المختونين بالشركات الإحتكارية الإمبريالية يقولون - الديانة المسيحية اليهودية -! فأصبحوا مختونين فكراً وروحاً لرأس المال بدلاً من رب الجنود يهوه الذي له وحده سُنّت شعيرة الختان ؟ صاروا ويا للمهزلة ليبراليين عتاة يتفاخرون ويتغنون بمباديء أنطونيو وبسانيو ولورنزو البرجوازية التي قيل أن بها نهاية التاريخ وغاية الإربْ ، وما نطق به فمُ الربْ ، على ما يزعم الزاعمون من منظري البيت الأبيض ، ألا بئس لهم وما ينظرون ويزعمون !، ألا بئس للبيت المسمى ظاهراً بالأبيض والذي تقيم في باطن سراديبه المعتمة ، تأمرُ وتنهي ، خمبابا ملكة الظلام !.

وما ان أنهيت خطبتي الأخيرة حتى سمعت شايلوك يتمتم بحنق مشوبٍ بشيء من السخرية:

- مباديء أنطونيو ، وهل لأنطونيو مباديء ؟!

فأجبته على الفور:

- نعم ياعم شايلوك ، كانت لأنطونيو مباديء سامية وطَموحة في عصر المانيفاكتورة حين كان رأس المال الربوي اليهودي يساهم مساهمة كبيرة في التراكم الأولي لرأس المال وبزوغ فجر البرجوازية ، وأستمر دور أحفادك التقدمي في التاريخ بمشاركتهم في الحركة الماسونية الراديكالية التي إنخرط في صفوفها كبار المفكرين والفلاسفة الذين مهدوا للثورة الفرنسية وعلى رأسهم ديكارت ، ثم في مساهمتهم بعد ذلك في تحفيز نابليون وتحشيد الفرنسيين حوله وخلق الهالة التي أحاطته كبطل قومي لتحرير أوربا من الإقطاع ونشر مباديء الحرية والأخاء والمساواة ،أنطونيو ، بسانيو ، لورنزو ! ، ثم في دعم لينين والبلاشفة وقيام وإنتصار أول ثورة للعبيد والمضطهدين في التاريخ.وقبل ذلك ، لن ينسى أحد دور أسلافك في نشأة التنظيمات الأولى للمسيحية ومساندتها التقدمية لأمراء الإقطاع في صراعهم مع نظام العبودية الذي أدى ، إلى جانب ضربات البرابرة الهون أسلاف الروس ، إلى الإطاحة بصروح الإمبراطورية الرومانية.كنتم دائماً ياعم شايلوك المهماز الذهبي الذي لا يُنكر دوره ولا يمكن أن تُبخس قيمته في حركة تطور التاريخ ، من عقلك الحسابي الدقيق ورث كارل ماركس جينات موهبته الفذة وعبقريتة في إستخراج حساب فائض القيمة ليحرك العالم ولأول مرة صوب حلم حقيقي يميّز مملكة الإنسان المنظمة عن غابة الحيوان التي يتحكم بها قانون السوق العشوائي ، بلى يا شايلوك ! هكذا كنتم دائماً قبل أن تبتلعكم الحوت الإمبريالية وتحشدكم في قفص حديدي مغلق إسمه إسرائيل لتنهي دوركم الرائع وتأمن جانبكم ، محاولة دمجكم بحضارتها الإستهلاكية الوشيكة الإنهيار ، وتُلغي الفوارق الجذرية أو النسبية والتاريخية بينك وبين أنطونيو ، أو بين جورج بوش وبسانيو ،أو بين بورشيا وهيلاري كلنتون ، أو أمير مراكش وأوباما ! وهكذا هكذا ، ليختلط الحابل بالنابل والأخضر باليابس فلا نعد نميز الخير من الشر ، وفائض القيمة من الربا ، فتصبح ديانة شايلوك ذاتها ديانة أنطونيو - الديانة المسيحية اليهودية - !
يالهول المصاب أيها العم العزيز شايلوك ويالفجيعتك ياوليم شكسبير!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزيزي مثنى حميد مجيد
عتريس المدح ( 2013 / 5 / 21 - 06:27 )
أتفق معك في دور أفراد يهود في لعب أدوار مؤثرة في التاريخ البشري، بعض هذه الادوار كان تقدميا وبعضها كان رجعيا، لكن المعتقد الديني لليهود أو حتى لغير اليهود لم يكن هو الحافز الدافع المحرك في هذه الادوار، بل الواقع الاجتماعي هو الذي يشكل وعي اللافراد ويدفعهم للمشاركة الفردية والمشاركة الجماعية، فحتى ماركس ذلك العبقري الفذ حتى لو تورث كل الجينات ( وهي بالمناسبة ليست حكرا على دين أو قومية بل هي بالاساس بشرية) العبقرية ما ذا كان سيقدم لو وجد في ذلك الزمان في مكان آخر ( لنقل مثلا في أواسط إفريقيا وسط قبائل الادغال) هل كان سينتج حينها رأس المال، طبعا لا لربما كان سينتج شيئا يتناسب وتشكل الوعي لديه وفقا للوسط الذي كان يعيش فيه
كل التحية والاحترام


2 - الزميل مثنى حميد مجيد
عبد الرضا حمد جاسم ( 2013 / 5 / 21 - 07:20 )
اولا و قبل التحية تهنئه بالاعياد مع رجاء ابلاغ سلامي الى من تستطيع منكم عماد الارض و الحروف و الفن والثقافه والمال و الطيبه واخص منهم اولاد معلمنا جميعا الفاضل بدري قمر شفيق و مهند
ثانيا تحية و محبة و سلام واحترام لكم
وثالثا صياغه رائعه من يد صائغ بارع اقصد هنا اللغه و معانيها و رموزها و غاياتها
اكرر التحية


3 - الأخ الأستاذ عتريس المدح
مثنى حميد مجيد ( 2013 / 5 / 21 - 10:00 )
ذكاء العديد من اليهود ، يهود أوربا ، ليس إلهيا بل لكونهم سكان مدن ، كما يرى ابراهام ليون ، وهو ماركسي يهودي.فشتاتهم وسكناهم في المدن جعلهم واسطة لنقل المعارف والخبرات التجارية والحسابية والفنية والثقافية والدينية ولأجيال عديدة ، وهذا الرأي تدعمه الإكتشافات الطبية الحديثة التي تؤكد صحة نظريات كارل يونغ عن اللاوعي واللاوعي الجماعي ، فتراكم الخبرات يولد نوعيا أنماطاً
patterns
للتفكير تُوَّرث جينيا للأجيال اللاحقة.يهود العراق لا يتميزون كثيرا عن باقي العراقيين في مهاراتهم لأن العراق موطنهم الأصلي وعموما تتميز الشعوب القديمة في الشرق الأوسط والصين بقدرات جيدة مكتسبة كونها مناطق قديمة للحضارات والثقافات .أطيب تحياتي.


4 - الزميل العزيز عبد الرضا حمد جاسم
مثنى حميد مجيد ( 2013 / 5 / 21 - 10:26 )
الزميل العزيز عبد الرضا حمد جاسم
أنحني لإنسانيتك وطيبتك وقدرتك على محبة الناس وأخشى عليك في نفس الوقت منها وأتألم فالطيبون نصيبهم من هذه الدنيا قليل لأنهم كرماء وأغنياء في نفوسهم .تحياتك وصلت وشكرا لك على التهاني لعل أيامنا تحمل شيئا من الفرح لشعبنا أيها العزيز .أخوك مثنى حميد مجيد


5 - الزميل العزيز عتريس المدح
مثنى حميد مجيد ( 2013 / 5 / 21 - 11:07 )
في حوار قديم لم تفهم مقاصدي ووصفت رأيي بالرجعية وأنت معذور فهامش في مقالة لا يفي للتعبير الكامل ، أنا لا أعطي أي ميزة لأي شعب أو دين ، إلهية كانت أو حتى مادية ، فالشعوب متساوية لكن الأدوار تختلف وما أطرحه ليس بالضرورة صحيحا فأنا أكثر الناس نقدا لآرائه.بإعتقادي أن لليهود دور تميّز بالتقدمية في الإنقلابات التاريخية الكبرى ، هذا ما لاحظته من قراءتي للتاريخ ، فالشتات بقدر ما كان مدمرا وسالبا وقاسيا عليهم وطبعهم بطابع العزلة وعقد الإضطهاد بقدر ما منحهم ميزات إستثنائية إيجابية مؤثرة فقد حافظوا على تماسكهم وأصبحواحلقة وصل بين الشعوب والثقافات والدور اليهودي إستوعبته الإمبريالية لأنه شكل تهديدا لها فنظمت لهم الهولوكوست وأعادتهم إلى الأسر فاليهود الان بإعتقادي يعيشون في الأسر والسؤال الذي لا أعرف جوابا له حقا : كيف يستطيع اليهود - الخروج - من الأسر الإمبريالي ؟لك خالص تحياتي.


6 - الزميل العزيز عتريس المدح3
مثنى حميد مجيد ( 2013 / 5 / 21 - 11:43 )
سأحاول أن أطرح عليك رأي للكاتب العراقي سلام عبود فهو يشبه إسرائيل بالسفينة التي تقادمت صناعتها في عصر تتقارب وتندمج فيه الشعوب وتحول فيه العالم إلى قرية فهي أوربية الطراز لكنها معزولة وبعيدة جغرافيا عن أوربا و- واحة للديمقراطية الغربية - لكنها معزولة أيضا ومهددة من الشرق والشمال والجنوب بخطر - البرابرة - ! وهو خطر كبير أطاح سابقا ببابل والإمبراطورية الرومانية ، فحتى متى تستمر الإمبريالية في مداراتها لهذه السفينة - المتقادمة الطراز - والتي لم تعد لها بها حاجة ماسة ؟
ماذا سيفعل أهل السفينة لمن حشرهم فيها ؟
لنطرح السؤال بهذه الصيغة : هل سينقلب السحر على الساحر ؟
سؤال نوجهه ليهود إسرائيل خاصة.


7 - الاخ العزيز مثنى حميد مجيد -تميز الشعوب
عتريس المدح ( 2013 / 5 / 21 - 11:51 )
بداية أذكر اك الحوار ولم تكتن لدي أية خلفية عنك في حينه لذا أعذر جهلي واقبل إعتذاري، سيدي العزيز ، ولا لمرة في تفكيري كان لدي موقف عدائي اتجاه اليهود، لكن يا سيدي و أنا أتفهم مواقفهم ولا أنكر دورهم في موضوع الفكر والتقدم والحضارة لا يمكنني بنفس الوقت قبول بأن ذلك بسبب الدين اليهودي، نعم كان لواقعهم الاجتماعي المعاش في أي مكان من بقاع الارض دور في تكوين وعيهم الجماعي كمجموعات و أفراد أدى الى تميز لدى جزء من مفكريهم الذي أعترف لهم بفضل ما قدموا، لكن ذلك لا يعني ولا لمرة أنهم تميزوا عن غيرهم وبأنهم أعطوا وساهموا وغيرهم لم يعطي ولم يساهم، هذا يا سيدي ما أرفضه من البعض حين يتساوق موضوع الشعب العريق وكأن غيره من الشعوب لا عراقة له، أنظر الى الشعب المصري قديما وحديثا ، فحضارته الممتدة على مسافة ما يزيد على السبعة آلاف عام وشواهدها، انظر ياسيدي الى كثير من الدراسات التي تؤكد بأن الشعب في مصر يصنف على أنه من أذكى شعوب العالم ، لكن لا أرى ذلك الابراز لما قدمه وما يقدمه الشعب المصري حتى اللحظة، انظر لو قيض لعلمائه الذين اغتالتهم اسرائيل لوا كانوا على قيد الحياة، أنظر لو أتيحت الفرصة للشعب المصري


8 - الاخ العزيز مثنى حميد مجيد -تميز الشعوب 2
عتريس المدح ( 2013 / 5 / 21 - 11:58 )
أنظر لو اتيحت للشعب في مصر الفرصة كما تتاح لليهود، انظر الى علمائه و أطبائه في أوروبا و أمريكا واسهاماتهم، أنظر الى الشعب الهندي وما يقدمه بكل تميز لعلم البرمجيات انظر الى التواجد المميز لعلمائه وفنيييه المتواجدين في ما يسمى وادي السيلكون، فالاشاده المفرطة في ما يقدمه الافراد اليهود واغفال الاخرين هي ما يجعل الانسان يقف متمهلا صائحا على مهلكم فهم ليسوا لوحدهم من قدم وهذا ليس بسبب ديانتهم بل لاسباب الواقع المعاش
مع كل التقدير والاحترام، فقد نختلف في جزئية ما أو موقف ما لكن آمل أن لا يفسد ذلك للود قضية


9 - الأخ الأستاذ عتريس المدح
مثنى حميد مجيد ( 2013 / 5 / 21 - 13:00 )
تعدد الآراء وإختلافها يساعد على الرؤية الصحيحة للحقيقة ومن زوايا مختلفة لأن الحقيقة مركّبة فالإختلاف ضروري حتى أن لينين كان يؤكد جداً على أن الشيوعي لن يكون شيوعيا حقا إن لم يكن على معرفة تفصيلية ودقيقة بالآراء المضادة والمعادية فكيف بنا ونحن زملاء كادحين لا نملك في أرصدتنا البنكية حتى ثمن علبة سكائر! مثلا يوم أمس لم يكن في جيبي ما يكفي لشراء علبة سكائر فأعطيت بطاقة سحب النقود إلى صاحب المحل لعله يجد بعض الكرونات فتبين أن رصيدي في البنك أقل من ثمان كرونات الضرورية لتكملة ثمن الباكيت!فأخذت بطاقتي منسحبا بخفي حنين وأنظار صاحب المحل تتابعني بأسى !
مع ذلك أعتقد إننا نحن الكادحين سوف نقرر مصير العالم وليس أصحاب الأرصدة المليارديرية ومن هنا تأتي أهمية إنصاتنا لبعض وتداولنا الآراء.
لقد ذكرت ما هو جميل وحقيقي عن شعبنا المصري العظيم ، لقد نبهتني إلى أشياء رائعة ، لا تأخذك الرأفة بي ولا المجاملة في طرح ما يخالف .لك أطيب تحياتي.أخوك مثنى


10 - ومن يسمع لك يا رفيقي سوى كادح مثلك
عتريس المدح ( 2013 / 5 / 21 - 13:17 )
هذه حياتنا ، إنني أشعر بنفس الاسى لك أيها العزيز، أنا أعمل بشركة استثمارات عقارية بوظيفة مهندس سيطرة على تقدم برامج العمل وكلفة المشاريع، الشركة ونتيجة الازمات التي تعاني منها السلطة والشعب الفلسطيني لا يتوفر لديها في أحيان كثيرة السيولة والارصدة المالية، مما يؤثر على دفع الرواتب، و أعاني من هذا الموضوع منذ مدة بحدود السنتين مما اضطرني الى الاستدانة ومطالبة البنك، فما بالك اذا كان لدي ثلاثة أولاد بنت تدرس الماجستير بعلوم الكمبيوتر و لاأستطيع مساعدتها بأي مبلغ منذ ما يزيد على السنة وبنت تخرجت من قسم الصحافة في الجامعة و لاتعمل نتيجة عدم وجود فرص وفتى في المستوى التاسع من سنيه الدراسية الاساسية يقلقني كل يوم توفير مبلغ 6 دولار يصرفها هذا الفتى كل يوم بدل مواصلات للمدرسة مع ساندويش فلافل، نعم حياتنا بؤس وشقاء وكدح وعناء، لكننا سنغير العالم نحن أو نسلنا من بعدنا
أخوك ورفيقك عتريس

اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس