الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انكشاف الباطنية

اسماعيل خليل الحسن

2013 / 5 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


لا أريد تعريف الباطنية لغة ومفهوما ولكنّي سأذهب مباشرة إلى مفهومها الدارج وهو دخول بعض الطوائف في مرحلة الستر أي ستر عقائدها والتمظهر بوشاح عقيدة الآخر وممارسة بعض طقوسه بغية تأجيل الصدام مع هذا الآخر والتعايش معه.
لقد مرّت بعض الطوائف بمرحلة الستر بسبب استقالتها من مواجهة خصم عنيد ممسك بتلابيب السلطة والقوّة معا. وبعد خضمّ صراع طويل تبدّى لطرفي الصراع أن التعايش هو السبيل الأفضل لاستمرار الحياة.
فالباطنية والباطنية المضادة كانتا بمثابة صمّام أمان لنزع فتيل النزاع وتأجيل العمل بالعقد المذهبية والتاريخية, كما إنها تؤجل صعود الشحن الغريزية في المذاهب للمصلحة العقلية التي تطلبها الحياة بأن يقبل الطرفان الأقلوي والأكثري بعضهما دون المحص في ماهية كل منهما.
قلت إن الشحنة الطائفية هي حالة غريزية تتمترس وراء معتقد قديم قد لا يكون موثقا توثيقا تاريخيا علميا, بل هو مجرّد هلوسات تاريخية يتحكم من خلالها الأموات بالأحياء, والطائفية كحالة غريزية يتحكم بها شعور الغلبة فإن لم تكن غالبا فأنت مغلوب بالضرورة, وتلك النظرة تفضي إلى الاحتراب الديني والمذهبي الذي هو من أسوأ الحروب قاطبة لأنه يجيّر الطائفة برمتها في أتون حرب تخدم القلّة التي تتحكم بالصراع وتجّر لها العوام والفقراء والجهلة من الطائفة الذين توهّموا أنهم يقاتلون من أجل وجودهم التاريخي والعقيدي لا من أجل تلك الفئة من رجال السلطة والدّين الذين يخدمهم سفك الدماء, ولم لا؟ ألا يلقي الآخرون بأنفسهم إلى التهلكة من أجلهم؟ بينما يتنعمّون هم بالسلطة والثروة ويتحوّلون إلى رموز كهنوتية!
الطائفية كحالة غريزية يتحكّم فيها شعور الغلبة, فإن لم تكن غالبا فأنت مغلوب بالضرورة, وهي نظرية تفضي إلى الصدام والحرب ولو بعد حين, والعكس حين يجنح مجتمع الطائفة الى تحكّم العقل فهي تتخلّص من طائفيتها وتتفوّق على نفسها وتندمج في الحياة المدنية دون الذوبان في الآخر, فالحل لها وللآخرين هو سلوك طريق التمدّن لا التمديُن.
لقد حاصر البروتستانت بابا روما في ردهات قصر الفاتيكان وكادت أن تودي به طلقة من ثائر بروتستانتي, وجرى التنكيل بالقساوسة والراهبات الكاثوليك, وعلى دويّ مدافع الحروب الأهلية سقط النظام الطبقي الذي كان قائما لتبدأ مرحلة التوحيد القومي بصعود البورجوازية حاملة فكرا جديدا في أوروبا ونظاما طبقيا جديدا.
في سوريا عندما أمّنت سلطة طائفة الأقلية الغلبة هتكت سترها وأعلنت عن ذاتها عبر ممارسات طائفية صريحة, رغم الطلاء القومي والممانع والمقاوم الذي لم يكن ينطلي على الجميع, لقد سقطت تلك السلطة في الأخطاء التاريخية نفسها التي كانت تأخذها على تاريخ الآخرين من حيث العسف والتنكيل, لقد نزعت عنها قناع الباطنية وأخذت تعبّر عن ذاتها صراحة من خلال الممارسة ولكن باستفزاز أدى إلى خضات وجولات عنفيّة خرجت منها منتصرة فازداد تغوّلها إلى أن فاض الكيل وحصدت ما زرعت ثورة وحربا ضروسا لا يعلم إلا الله أين ستنتهي.
ينظر العقل الطائفي إلى التاريخ نظرة إرادوية فهو في الماضي صراع إرادات وفعل أشخاص وتدبير مؤامرات, لكي لا يجيب على التساؤل المشروع: لماذا كسب (م) معركة الاحتفاظ بالسلطة ولم يستطع (ع) فعل ذلك؟ ولماذا استفاد (م) من الشروط الموضوعية بينما لم يحسن(ع) إدارة الصراع وكسب الجائزة؟
إن الشعور الأكثري أو الأقلوي يصبح غريزيا إذا نمّ عن عقد أيديولوجية أو تغطّى بشعارات أيديولوجية فيحط ّمن شأن المجتمع والدولة, لتتحوّل إلى سلطة أو عصبة حاكمة, وبما أنها أقلية فإنها ستكون استبدادية بالضرورة ويكون مجالها الحيوي ممارسة السياسة والحكم لإخضاع الآخر وليس إقناعه حيث لا يمكن الركون إلى الرضا خارج محيط دائرة الطائفة.
وبما أنها أقليّة فستبحث عن سند خارجي يدعمها في مواجهة مجتمعها لأنها تعيش في حالة انعدام ثقة مع الجميع وهذا ما يفسر تسليم النظام السوري قراره لروسيا وإيران حيث وجدتا فيه ضالتهما: نظام ضعيف اجتماعيا يديرون من خلاله مشكلاتهم مع العالم.
لكن مفهوم الأكثريّة والأقليّة يصبح رافعا ومصعدا للمجتمع نحو التمدّن عندما يصبح مفهوما سياسيا حيث تتمثل الطوائف في الأكثرية السياسية أو الأقلية على قدم المساواة سواء كانت أحزابا أو موالاة أو معارضة ويختفي التمييز على أساس العرق كلما تعمّقت التجربة السياسية وتراكمت خبراتها وتشرّشت جذورها في المجتمع.
لم ينس الكاثوليك والبروتستانت التاريخ بما فيه من حروب ومذابح, لكنهم تناسوه لصالح بناء المجتمعات فهم يعيشون باطنية إيجابية فكان العمران ثمرة لها, وحين تكون الباطنية سلبية ستكون ثمرتها الخصومة والاحتراب.
كان ينبغي على الشعور الأقلوي ألا يكون سلبيا فيتخلّى عن باطنيّته ويخرج أحقاده التاريخية باعتبارها ملاذه الأخير حيث كانت فترة التجهيل والتثقيف للأجيال طويلة وكافية لغرس فوبيا تجاه الأكثرية وأن لا حياة لهم إلا برد الفوبيا إلى نفوس تلك الأكثرية ولو أدى ذلك إلى تدمير البلاد والمجتمعات واقتراف المجازر والممارسات الساديّة فتدخل البلاد عندئذ في حلقة معيبة من العنف والعنف المضاد وربما الحرب الأهلية أو التقسيم والتفتيت الذي هو الملاذ الأخير لوقف رحى الحرب والتدمير عن الدوران وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
أرى في ختام المقال أن أهمس بألم وعتب على إخواننا العلويين الذين تقاسمنا وإياهم رغيف الخبز في سجون حافظ الأسد:
كنا نراهن على اليسار العلوي ألا يقف مكتوف اليد لكنه بدا عاجزا كليا وبعضه التحق بالنظام متنكرا لمبادئه بحجة أن في المعارضة تكفيريين. لقد سقط اولئك في الامتحان كما سقط دعاة الفكر المتحوّل في التاريخ العربي باعتباره يمثل التقدّم في هذا الفكر في مواجهة الثابت في التاريخ الذي هو العقل السنّي. لقد تمخّض العقل المتحوّل عن شبيحة أين منهم التكفيريين؟ ومن يضاهيهم في الوحشية والمغالاة, ونسأل لماذا يدفع أصحاب تلك النظرية الغالي والرخيص من أجل الذهاب إلى دول الخليج التي بنت من خيم مدنا تضاهي لندن وباريس بينما حول الشبيحة المدن إلى خيم بعد أن ماتت اقتصاديا وحضاريا قبل أن يسرفوا بتدميرها واقعيا, فمن يمثّل التحول ومن يمثل الثبات؟ ولماذا يحن المجتمع السوري اليوم إلى ثبات الخمسينات من القرن المنصرم ؟ حيث لم يكن فيه القادة السياسيون استثنائيين وضرورة بل كانوا أناسا عاديين وقد يتلقون ضربا بالنفايات من جمهور غاضب متذمّر لكنهم لم يرتكبوا المجازر بحقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله