الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسلمة السينما والمسرح بين الحقيقة والخيال

عثمان أيت مهدي

2013 / 5 / 21
الادب والفن


قد يكون هذا العنوان مستفزا للبعض ومثبطا للعزائم، وعاديا للبعض الآخر بل وداعيا للاستغراب والتعجب. أتذكر سنوات الثمانينات والتسعينات مع نجاح الثورة الإيرانية على حكم الشاه، واستقواء الحركات الإسلامية على السلطة في بعض البلاد العربية لا سيما في الجزائر، باحتلالها الساحات العمومية والجامعات والثانويات وغيرها من مؤسسات الدولة، كانت الكتب الإسلامية تأتينا في معظمها من مصر وسوريا والسعودية، باختصار من الدول المشرق العربي، هذه الكتب تحمل عناوين ما أنزل الله بها من سلطان على شاكلة: علم النفس الإسلامي، علم الاجتماع الإسلامي، الاقتصاد الإسلامي... وقبلها تسميات لدول مسلمة على أنها إسلامية، نحو: جمهورية إيران الإسلامية، جمهورية موريطانيا الإسلامية.. وأضفنا لها نحن في الجزائر عناوين أكثر غرابة وتعجبا على نحو: النقابة الإسلامية، البلديات الإسلامية، الشرطة الإسلامية، الجيش الإسلامي.. وها هي السينما يصلها الزحف المصطلحاتي لتتحول رغم أنفها إلى السينما الإسلامية والمسرح إلى المسرح الإسلامي...
ليت هذا العالم كله يكون إسلاميا، لكن، ليت تفيد التمني الذي لا يتحقق. الإسلام دين سماوي لا يختلف فيه إثنان، والقرآن كتاب سماوي، والرسول الأعظم خاتم الأنبياء والرسل، وهذا كذلك لا ينكره إلا جاحد، تبقى المسألة التي أرّقت المفكرين والعلماء وشغلت بال الباحثين والسياسيين والجمهور بصفة عامة، هي: هل الإسلام تشريع سماوي منزل من السماء، قابل للتطبيق على جميع مناحي الحياة بعلومها وسياساتها.. أم أنّ الإسلام دين يحوي عقائد أخرجت الإنسان من عبادة الأوثان إلى عبادة الله الواحد الأحد، هذه العقائدة مدعمة ببعض العبادات التي تحث على مكارم الأخلاق والسلوك القويم؟
لا أحد يدّعي أنّ الإسلام دين جاهز لتطبيقه على جميع العلوم والفنون والثقافات، على الحكومات والشعوب بتعقيداتها، إذا لم يكن ذلك ممكنا فلأن الإسلام اهتم بالأهم وترك المهم والذي يليه للبشر يجتهدون ويبحثون. الأهم في الإسلام هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصوم والحج لمن استطاع إليه سبيلا، وأمرنا بالأخلاق الكريمة. هذا الأهمّ هو أشبه بأعمدة صرح جميل عملت فيه يد الإنسان وأبدعت. هو أشبه بالنهر العظيم الذي يلتوي بين الجبال والسفوح والسهول ليصل إلى البحر، والماء المتجدد فيه هي أفكار الإنسان، هي علوم الإنسان، هي سنيما الإنسان، هي مسرح الإنسان...
ذكر بعض النقاد العرب أنّ المسلمين أعرضوا عن المسرح كفن أدبي في العصر العباسي لما نشطت حركة الترجمة من اليونانية والرومانية إلى اللغة العربية، بالرغم من إطلاعهم عليه، وأرجع ذلك النقاد إلى أنّ المسرح آنذاك كان وثنيا تغلب عليه الآلهة التي تصارع الإنسان وتغضب عليه بل وتحسده أحيانا فتنتقم منه. وكان بإمكانهم أن يزيلوا عنه رجس الوثنية ثمّ يستغلونه كوسيلة أدبية وفنية من أجل توعية الناس وتثقيفهم. لكن في العصر الحديث تفطن المسلمون لأهمية المسرح والسينما في تنمية المجتمع وتطويره، ولا أخال هذا الوعي الكبير الذي يتميز به الأوروبيون والأمريكيون يعود في أساسه إلى دور السينما والمسرح اللذين حوّلا الكثير من إبداعات الأدباء والأحداث الواقعية وإنتاج المؤرخين إلى أفلام سينمائية، ومسرحيات خالدة.
نحن في حاجة إلى سينما متطورة ومسرح كبير، لا ندّعي في الوقت الراهن أننا سنضارع السينما الأمريكية أو الهندية، والمسرح الروسي، ولكن يجب الإسراع في إطلاق الحريات للأدباء من أجل الإبداع، هذا الإبداع هو الذي ينشئ لنا رجل الغد الذي يتحلى بالوعي السياسي والمستوى الأخلاقي الجميل والرصيد العلمي المقبول.
مشكلتنا نحن العرب في هذا العصر ليس في أسلمة العلوم والفنون بل في مزيد من الحريات، الحريات السياسية والاجتماعية وكثير من الوعي ليتعايش أفراد المجتمع الواحد. قد نختلف في الأفكار والرؤى: هو يريد فيلما عن عليّ بن أبي طالب وأنا أريد فيلما عن معاوية بن أبي سفيان، هو يريد فيلما عن أبي العتاهية وأنا أريد فيلما عن أبي نواس، هو يريد مسرحية عن أهل الكهف وأنا أريدها عن أوديب.. وفي الأخير الثقافة هي التي تنتعش وتكبر، الأفكار هي التي تنفجر وتتطور، الخيال هو الذي يتوسع وينتشر، الحياة هي التي تتقدم وتسير إلى الأمام.
أمّا إذا بقينا على هذه الفكرة الخيالية، أسلمة الفنون والعلوم، فلن نتتطور أبدا وسنبقى هكذا، مثلنا كمثل شعوب المغرب العربي التي بقيت لقرون وهي تتعرب وما زالت إلى يومنا هذا لم تتعرب، ومن يطلع على مناهجنا التربوية يجد شعراءنا وأدباءنا ومفكرينا من المشرق العربي وبقينا إلى يومنا هذا لا نملك متنبيا ولا جاحظا ولا شافعيا ولا هارونا ولا مأمونا، تاريخنا فارغ وماضينا عدم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية