الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قُبْلة عندَ سلّم الطائرة

خيري حمدان

2013 / 5 / 21
الادب والفن


رنّ الهاتف مجددًا، توقّعتُ ظهور إسمها ورقمها على الشاشة الصغيرة، وكنت محقًا كالعادة. لا أدري كيف أتصرّف حيال هذا الإصرار، التقيتها قبل شهرين تقريبًا في باحة الإنتظار في مطار أثينا الدولي في طريقي إلى عاصمة أجنبية تجمع بعض شتاتي. تحدّثنا مطوّلا وأدركت بأنّها تعشق الكتابة، يومها لم أتمكّن من ربط ملامح وجهها بشهرتها الواسعة، على أيّة حال، لم تغيّر هذه الحقيقة شيئًا من مجرى الحياة على أرض الواقع. هي كاتبة شهيرة ولها عمود يوميّ في إحدى الصحف العربية الصادرة في لندن. أعجبها هذا الغموض لاذي لفّ لقاءنا، أدركتْ بأنّني قد تعلّقت بها لشخصها وليس لإسمها ولحضورها القويّ في الساحة الأدبية. وقبل موعد إقلاع طائرتي بقليل لم أمتلك نفسي، شددتها نحوي وقبّلت شفتيها دون مقدّمات، بادلتني حمّى القبلة وضمّتني لصدرها، كانت على وشك الإنفجار من وقع المفاجأة، كأنّ قنبلة سقطت على حين غفلة في صمت المكان. أمسكتُ يدَها وهمستُ في أذنها "يا لك من إمرأة!". هذا ليس عشقًا، من الغباء إعلان الحبّ بعد أقلّ من ساعة واحدة من لقاء عابر، لكنّني لا أنكر إنجذابي القويّ نحوها وإنجذابها الأنثويّ لعالمي. "أنلتقي؟" همستُ في أذنها ثانية وقالت مبتسمة "هل تشكّ بذلك يا سيدي؟". تبادلنا أرقام الهواتف وتركنا أثر القبلة على محيّانا ومضينا نشقّ السحب نحو عوالم مختلفة، كلّ في تجاه حسب وقع ونبض حياته الخاصّة، لكنّ قلبانا بقيا ينبضان بنغمٍ واحد. ما يزال الهاتف يرنّ مسعورًا وأنا غير قادر على إيجاد سبب منطقيّ واحد لعدم الإجابة. هي ذاتها على الطرف الآخر، على بعد آلاف الأميال. قد تكون الأمطار قد أغرقت الشارع الذي تقطنه في الوقت الذي أعاني فيه هنا من ارتفاع درجات الحرارة، وكأنّ قرص الشمس قد توقّف في منتصف الطريق فوق غرفة مكتبي مباشرة. لم تنتظر الكلمة المتعارف عليها بين البشر "ألو" لم أنطق حتّى بها بل ضغطت الشارة الخضراء لينفتح الخط ويندلق صوتها العذب.
- ما زال صدى قبلتك يدقّ رأسي، هل تعتقد بأنّك قادر على الهروب بهذه السهولة؟
- قرأت آخر كتاباتك، قبلة عند سلّم الطائرة!
- كنت أتوّقع أن تعلّق بكلمة على النسخة الإلكترونية. لماذا الصمت؟
- أصبت بالدهشة، وربّما أخشى الفضيحة.
- غريب، أنتَ تصنّف القبلة بفضيحة؟
- بل الآخرون سيفعلون ذلك، أنتِ مباشرة جدًا في كتاباتك.
- وأنت تعرفُ جيدًا بأنّنا سنمضي أبعد بكثير من مجرد قبلة عند سلّم الطائرة.
- عزيزتي، هذا زمن سَلَفيّ، جميهم باتوا يقرأون الأحداث من آخر السطر. بتّ أخشى التعثّر بقنبلة بعد نقطة النهاية، وكأنّي أكتب لعالم غرائبيّ لا ينتمي لهذه الحضارة. ألا ترين بأنّ المشاعر تسبقنا، لماذا العجلة، دعينا ننتظر مصادفة أخرى، نلتقي في مطار آخر، قد تتغيّر الظروف ونكتشف بأنّنا قد تسرّعنا في خطف ثمار الشفاه.
- تطلب من شرقيّة الإنتظار، أنا أثق بشفتيّ، أعرف مذاق الإشتياق، أنا قادمة إليك.
- هكذا، مرّة واحدة، ألا تتوقعين مثلا أن تجدين امرأة أخرى إلى جانبي؟
- أطردها فورًا من كلّ عوالمك، انتظرني الليلة في المطار، أنا قادمة. سأبلغك برقم الرحلة برسالة قصيرة، سأجدك أينما تواجدت (قالت ضاحكة، لكنّ ضحكتها كانت تحمل وعيدًا ودلالا لا يقدر رجل واحد على تحمّل عبئه) أنصحك بأن تخلي البيت من آثرهنّ فحاسة الشمّ لديّ مميّزة.
انتهى الحوار عند هذا الحدّ، وبدأت أعيد حساباتي لأنّني كنت قد تعبت من العلاقات الخاطفة المفاجئة، عدا عن كلّ هذا هناك أخرى في حياتي. ما حدث مجرّد سقوط قبلة سهوًا من ذاتي الرجولية الأنانية، لم أتمكّن من كبح جماحها. لكنّي قبّلت شرقية، امرأة آمنت بهذه اللحظة ورفضت التنازل عن تبعاتها. لم أكن أعرف بالطبع أنّ أنانيتي في منتهى السخاء مقارنة مع رغبتها بامتلاك كلّ شيء، بدءًا باللحظة الخاطفة ليس بعيدًا عن سلّم الطائرة. لكنّي عرفت بأنّ لكلّ شيء ثمن، يرتفع أحيانًا ليصبح باهظًا للغاية، يبدو بأنّني على وشك دفع ثمن بريق جوهرة يضاهي أضعاف ثمنها! تأخّر الوقت كثيرًا، لا أعتقد بأنّ التراجع عن هذه العلاقة بات ممكنًا. هذه المرأة (لم أتمكّن من تذكّر إسمها طِوال الوقت) ما إسمها اليوم؟ بالأمس كان يدور في خاطري إسم هند، عدت للعمود اليومي لأتأكد من إسمها وتبيّن لي بأنّها الكاتبة الشهيرة "ليلى الخالدي"، ليست سعاد أو هند ولا ما يحزنزن. لم أتمكّن عبر الباحث الإلكتروني العملاق من معرفة الكثير عنها، لكنّي عرفت من خلال قراءاتي لنتاجها الأدبي، بأنّ ما ينتظرني قريبًا سيكون بمثابة طوفان من المشاعر الجارفة، ولن أتمكن من الإنعتاق من الأسر الجديد، هل كان من الممكن تجنّبه؟ كيف لي أن أجيب وأنا في دوّامة البحث دومًا عن المزيد من الأسئلة! يقولون بأنّ المارد إذا خرج من القارورة يستحيل إعادته إلى ظلماتها ثانية. القارورة هي حالة الإنتظار والجفاء العاطفي التي تعاني منه ليلى، ويبدو بأنّ القبلة لعبت دور المارد. "أهلا بليلى الخالدي"، لكنّي يا حبيبتي غير قادر على تنظيف المكان من حضور الأخريات، أنا مسكون بالحبّ وهذه خطيئتي منذ بداية تكويني. أخبريني يا ليلى على أيّة حال، ماذا أفعل إذا مرّت أخرى وتركت شذا عطرها في محيط رجولتي، كيف سأتمكن من البقاء وفيًا لكِ؟ تجبريني على الشعور بالذنب، مع أنّي ما أزال خارج شباكك، أو هكذا يُتهيّأ لي يا امرأة بادلتني القبلة ليس بعيدًا عن سلّم الطائرة.
بعد ساعة تلقيت رسالة إلكترونية منها تخبرني برقم الرحلة التي ستحطّ في المطار مساء اليوم. كتبت لي عنوان بيتي أيضًا. كيف تمكّنت من معرفة تفاصيل حياتي بهذه السرعة! في المساء كنت في المطار أحمل باقة من الورد وفي خلدي تتراقص عشرات الأسئلة والتساؤلات، أهمّها من هي ليلى الخالدي وماذا تريد هذه المرأة؟ قدّمت لها باقة الورد، ونظرت مطوّلا في عينيها وأدركت بأنّها تريد كلّ شيء.

_________________________________
الأسماء الواردة في القصّة ليست حقيقية والقبلة اللعينة محضُ تمنّي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع