الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة بين الواقع والخيال

مرعي حسن أبازيد

2013 / 5 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


عندما تحتل السياسة حيزاً كبيراً من حياتنا المتغيرة بتغير الطقس، والملونة بجميع الألوان القاتمة، تصبح خبزنا اليومي مع الحصار الذي يفرضه علينا الصراع الدائر في منطقتنا اليتيمة، المحتاجة لوصي شرعي يدير شؤونها وما أكثر الأوصياء الذين يريدون فرض وصايتهم شرعياً أو بالقوة! هنا تظهر تفاصيل تختلط فيها الحقيقة مع التزييف، تضطرنا لدخول غرف المحادثة عبر برامج كمبيوترية مختلفة، أشهرها برنامج سكايب، تعج أحياناً بعشرات المشاركين في نقاشات حادة، تشعر أحياناً بالاختناق وكأنك فعلاً في غرفة ضيقة حقيقية وليست افتراضية، يقل فيها الهواء النقي وتكثر فيها الاتهامات وتشويه سمعة الوطني ومدح الانتهازي أحياناً، وكل ذلك هدفه استيضاح الحقيقة والتوصل إلى موقف صحيح.
من الملفت للنظر، أن المتناقشين في أكثر الأحيان، هم من اتجاه سياسي واحد أو من اتجاهات سياسية وفكرية قريبة من بعضها البعض. إذاً، مادام الأمر كذلك، لماذا تشتعل المعارك الكلامية عند أول نقاش بينما في الواقع هم أصدقاء وأحباب يقابلون بعضهم بكل حميمية في أي مكان يلتقون!! والأمر الآخر، هو عندما يلتقي هؤلاء مع خصومهم السياسيين في أي ندوة سياسية أو ملتقى، يبدي الخصوم موقفاً تجاههم وكأن الانسانية قد فارقتهم منذ زمن، إذ لم يتورع أي منهم من كيل الاتهامات حتى الشخصية والعائلية لهذه المجموعة من الشباب، وكأنهم أعداء الله والوطن وأعداء الثورة الذين لا يريدون لها الخير. يبدو في مثل هذه المعارك، أن كل شيئ مباح و جميع الأسلحة بما فيها اللا أخلاقية مصرح به. هنا تبدو بشاعة المسألة وفقدان الضمير و كشف الأقنعة واللعب على المواقف وكأن الحنكة السياسية هي بقدر ما يطلق الانسان من اتهامات لاذعة للطرف الآخر.
بعد فترة طويلة من التعاطي مع الأمور بهذا الشكل، شعرت بأنني أغوص في الرمال المتحركة للسياسة التي بدأت تبتلعني شيئاً فشيئاً بعد أن فقدت كل قواي المادية والروحية في غرف المحادثة، ولم يعد لدي ما أقوم به لتفادي الهلاك المحتم بعد أن أعددت نفسي لرسم صورة مشرقة للوطن.
يقول البعض، إن الوطن يستحق الكثير من التضحيات، ومن البديهي أن يرمي الانسان نفسه في غرف ترفع الضغط وتجعل سكر الدم في أعلى مستوياته!!! وهذا هو الثمن، وأن أي نجاح لا يكتمل إلا بشعور داخلي من السعادة يجعلك تسير بمشروعك لايصاله لأكبر عدد من أبناء الوطن كي تعرف جدية أفكارك وما مدى مصداقيتها وتطبيقها على أرض الواقع. وأن الانتصارات لا تشترى بكلمة حب حقيقية خارجة من القلب!! ولا يمكن أن تطرد الشعور بالغربة المتوغلة في أعماق الروح. كيف لي أن أرسم ابتسامة حزينة على وجهي في عالم شعاره تخوين الآخر، في عالم مشغول بتجارة الحروب، التي تستنزف أرواح ملايين الأبرياء، بينما الأدب مازال يسكن عالمه الخاص المفعم بالعواطف والأحاسيس الحالمة بولادة جسم جديد صغير، سيكبر عبر حالة من المدنية والديموقراطية المشتهاة!!! حاملاً الأمل الملون وحقيبة الوطن بهمومه الكبيرة، لينتهي إلى مساءات مليئة بالحب مختصرة مسافة الانتظار بهدوء لا يعرف الأحقاد الدفينة.
فالأدب عكس السياسة، لأنه يعيش هدنة منذ زمن مع الطغيان،،، يختصر أزماته وهزائمه للتخلص من الحزن عبر قصيدة أو قصة قصيرة أو رواية وربما خاطرة!!! يحاول فيها التصالح مع الذات في وقت تتصارع فيه السياسات على حلبات الواقع الأليم، تاركاً خلفه صحراء قاحلة تنمو فيها بعض الأشجار اليتيمة، لتغطي بشاعة المجتمع. في الواقع، يجب أن يعكس الأدب الحياتين السياسة و المجتمعية،،، كي ينتج أعمالاً تخلدها ذاكرة الأجيال التي أصبحت متعطشة لمثل هذا النوع من الأدب. لكن لم يستطع أدباؤنا انتاج هذا النوع من الأدب، لأن السياسة في بلداننا، ترى نفسها فوق كل هذا وذاك، و أهم بكثير من إنتاج عمل أدبي يوثق لحقبة زمنية بعينها.
مع ذلك، يبقى الأدب، ذلك الفضاء الواسع القادر في وقت من الأوقات على كبح جماح السياسة المنفلتة من عقالها في مجتمعات يسود فيها التسلط والتخلف والاستبداد، ليعيد إليها انسانيتها ويعيد صياغة المفاهيم الوجدانية والتعاملات المجتمعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن