الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في كركوك: عندما يغتال الاقتتال القومي براءة الأطفال

سمير عادل

2005 / 4 / 24
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


لم تكن كركوك أكثر هدوءا من كوسوفا. ولم يكن لدى أهلها رأفة وعطف وحب فيما بينهم اقل من أهلها في كوسوفا تجاه بعضهم. ولم تكن براءة أطفالها لا تضاهي براءة الأطفال في كوسوفا. ومع هذا اجتاح الحقد القومي الشوفيني تلك المدينة اليوغسلافية واحرق ابتسامة الأطفال الذين لم يعرفوا يوما بأية لغة كان إبائهم وأمهاتهم يتحدثون لعقود من الزمن.
وفي كركوك، يعبث الأطفال بالألوان، ويرسم كل واحد منهم إي شيء يخطر بباله لم يعوا بعد، إن هناك كبار امتهنوا ممارسة صنع الأفكار القومية لتسميم براءة الأطفال. طفلة في المرحلة الثالثة من الابتدائية وهي ناطقة باللغة العربية ترسم علم كردستان دون أن تدرك ماذا يرمز هذا العلم، ودون أن تدرك إنها كفرت بالمقدسات القومية المتهرئة عندما ترسم علما لا ترمز الى شوفينية قومية أخرى. وكل ذنبها إنها طفلة لم تسبق الزمن كي تكبر. وجذبتها الألوان الموجودة في العلم. وإذا بصديقتها وهي ناطقة اللغة التركمانية تقول لها: إذا رسمتي مرة أخرى هذا العلم فسوف لن أكلمك ثانية ولن تكوني صديقتي بعد الآن. لم تدرك تلك الطفلة إنها اختارت ألوان تحولت الى دليل على جريمتها، دليل على إنها اختارت أن تكون في احد الجانبين من الصراع. اختارت أن تفض حيادها، وهي الطفولة، التي لا يمكن أن يسميه صانعي التاريخ ومزوريه بأن موقف الطفولة، في أي زمن كان، لا يمكن وصفه بانتهازي.
لم يكن صدام حسين رمزا للشوفينية القومية العربية فحسب، بل كان مدرسة تخرج منها أجيال من الشوفينيين القوميين من كل شاكلة. بيد إن التاريخ لن يذكر إلا المعلمين البارعين. وأما الطلاب فهم في عداد الجنود المجهولين. سباق قومي شوفيني محموم لإغراق كركوك بدماء ساكنيها، ومن اجل أن يسكنها الأشباح التي ستتجول فوق أشلاء من الجثث غير مكترثة بأية لغة كانت تتحدث، من اجل أن تمسح كوسوفا من الأذهان وتحل محلها مدينة كركوك.
السادة المسؤولين في الأحزاب القومية الكردية صرحوا بترحيل 80 ألف عربي قدموا الى كركوك تحت عنوان تعريب المدينة مشيرين الى الاتفاق الذي ابرم بينها وبين قائمة الائتلاف العراقي الموحد يقابلها بالموافقة على تسمية إبراهيم الجعفري رئيسا للوزراء لتشكيل حكومة يغلب عليها الطابع الإسلامي. احد شيوخ عشائر العبيد التي تسكن في المناطق المحاذية لكركوك وهي الحويجة، صرح وهو يخاطب القوميين العرب والجماعات الإسلامية في الجمعية الوطنية: لو تسلموا كركوك الى الأكراد فلسوف نقلب المدينة الى حربا للشوارع. والقوميين التركمان اجتمعوا في حسينية أهل البيت في كركوك وبحضور ثلاثة من مجلس المحافظة في كركوك يطالبون بحقوق التركمان وعدم السماح للقوميين الأكراد والقوميين العرب اللعب بهوية المدينة.
بيد إن الأطفال لم يعلموا هناك خرافة تخيم بظلها على كركوك اسمها الهوية القومية. ولم يكتشفوا بعد إن تلك الخرافة كردية أم تركمانية أم عربية. والآباء القوميين أدركوا إن النفط هو الذي سيمنح الهوية القومية أسطورة وخرافة. وهو الذي سيكون مصدر قوتها مثلما منح النفط الخرافة للهوية القومية العربية في عقد السبعينات. وهو الذي سيكون أداة الابادة القومية في كركوك.
ليس أمام أهالي مدينة كركوك والمجتمع العراقي إلا أن تتصدوا للنزعة القومية. وان تعلن إن كركوك معرفة بهويتها الإنسانية. وان فيها من الخيرات لو وزعت بالتساوي بدلا من سرقتها من قبل الجماعات القومية فستكفي الجميع. وأراضيها تتسع الجميع. وان لا تكون هناك لغة رسمية واحدة بل جميع اللغات تعتبر رسمية وتدرس في المدارس مثل بلدان كندا وسويسرا وغيرها. إن البشرية في كركوك وفي العراق إذا أرادت لتلك الطفلة أن تحيا، أن لا تذبح، أن لا يقطع جسدها الى أشلاء يباع في السوق القومي البخس لأنها اختارت ألوان دون إن يقال لها إنها تقترف جريمة قومية، عليها إن تتذكر مجازر كوسوفا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستارمر يتولى رئاسة وزراء بريطاينا بعد 14 عاما من حكم المحافظ


.. اشتعال النيران في منزل بكريات شمونة شمال إسرائيل إثر سقوط صو




.. ما دلالات تقدم المرشح الإصلاحي بزشكيان على منافسه المحافظ جل


.. هل يرغب نتيناهو بالتوصل لاتفاق بشأن وقف الحرب على غزة؟




.. ما الضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع إسرائيل لقبول الصفقة؟