الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بتلات مُعَتَقَة .. ( من رسائلي إلى جدتي).

جميلة ناقوري

2013 / 5 / 22
الادب والفن




بتلات مُعَتَقَة .. ( من رسائلي إلى جدتي).


جدتي .. مضى وقتٌ طويلٌ لم أكتب لكِ فيه، فاعذريني على تقصيري، قد أزعج روحكِ الطاهرةِ بينَ الفينةِ والأخرى بخلجاتِ نفسي، لكنني في الواقع أدرك بأن روحك تحب سماعي، من بعد شوقي لكِ مذ توفيتِ لم أجد حتى الآن يداً صادقةً حقيقية تدلفُ على رأسي حنيةً برفقٍ كما يداكِ، ولا قلباً طاهراً صبوراً مكابراً كما قلبك، كنت قد قلت لكِ في رسالةٍ سابقةٍ بأنني لم أعد طفلة ً كاليومِ ِ الذي ودعتكِ فيه، لو أنهم لم يستأذنوني حين أخذوكِ إلى جنتكَ وأنا التي عشتُ معكِ كلَ تفاصيلِ حياتكِ أكثرَ منهم، وحبوت نحو درجِ ردهتكِ درجةً درجةً كي أدنو منكِ وأتوضأ بدعواتكِ لي بالرضا والتوفيقِ تمطرُ أرضَ قلبي، وتغسلُ عنه ندباً متوقعة ً مقدماً، لم يستأذنوني وحتى أنهم لم يخبروني برحيلكِ، رغم استشعاري لذلك، لم يسمحوا حتى أودعكِ، ولكني لن أستأذنَ أياً منهم حينَ أكتب لكِ رسائلي، أتدرينَ .. لا أذكر مرّةً بأنني كتبتُ بقوةٍ وبإحساس وكنتُ في حينها أشعر بالفرح! كلما كتبتُ شيئاً كانَ الوجعُ وليفي، لأصدقك القول ربما كانت مراتٍ قليلة .. لا أذكرها حتى .. فقد شوّه الوجع روحي وشوش الألم مقلتيَ.

لا تحزني على وداعنا بل افرحي بأنكِ رحلتِ قبل أن تعيشي ما نعيش، ليفرح قلبكِ الذاكر وروحك الأبية التي أبت إلا أن تتعلم الأبجديةََ في الكِبرِ لتعوض ما فاتها من الحروفِ والقراءةِ، لا كي تقرأََ الجريدة، بل كي تقرأ القرآن الكريم، افرحي وارتاحي جدتي.. كونكِ لم تعيشي في حضرةِ عالمنا الحالي، فنحنُ نعاني الظلم والحرب، أتدرين .. شخصياً أعاني الظلم من داخلي .. نظلم بعضنا البعض ونظلم أنفسنا ولا نشعر ! لا الأخ سنداً لأهلهِ ولا لأخته ولا لأخيه ولا حتى لجيرانه، الكلُ يعيشُ لأجلِ نفسه وذاته فقط ، لستُ ملاكاً بالطبع .. لكنني بالمقابلِ لستُ شيطاناًـ

أتدرين .. بتُ أفضلُ الصمتَ عن الكلام، في أوطاننا الكل يصمت، ويسكت، ولو تكلم أسكتوه!
ولو سكت سألوه ما سبب صمته ! أتحرقُ شوقاً كي ألقاكِ، وأضمَ الروحَ فيكِ مراتٍ ومرّات، ولو علمتُ طريقةً تضمن لي الحضور إلى جانبك ما تعذبت، وما وجدتني كما أنا الآن أستعيضُ بالكتابةِ لكِ في عالم الغائبين في دنيا الحقِ، عن عالم الأحياءِ هنا في دنيا الباطل، أتدرين جدتي .. قلبي لازال شاباً في العشرينيات "فسيولوجيا"لكنهُ "ميتافيزيقياً" يكبرُ ضعفَ عمرهِ بثلاثين كرّة .. الثانيةِ تشيخُ أكثر من الأولى، والثالثةَ أكثرُ مراراً منَ الثانية، وهكذا دواليك .. أنا لا أكتب تحفة ً أدبيةً لمتتبعي الحرف،ولن أدقق ما كتبت الآن .. أنا أدون فقط عن عالمٍ ضاع مني يوماً ما ولن يعود!

جدتي ... حولتُ عالمي لعالمٍ من الكتب ..كتبٌ كثيرةٌ .. أجمعها وأضعها على مكتبٍ صغيرٍ في غرفتي صدقاً لا أخفيكِ تشكل لي هذه الكتب ثروةً شخصيةً تفوق أهميةَ بعض البشر في حياتي، لا أشعرُ بالراحةِ دونَ وجودها بجانبي .. علني أعيشُ بتفاصيلها حياةً فاضلةً عجزت ُ في واقعي أن أرصفَ لَبِناتها. وأنتشي بفرحةٍ مؤقتةٍ أرتشفُ منها إكسيراً سكرياً حُلواً كلما أصابت روحي مرارة .

بتُ أنظرُ في أعينِ البشرِ وأرى النفاقَ والكذبَ جلياً واضحاً في أعينهم، ماعادت القلوب هي القلوب، وما عادت الكرامة هي الكرامة ُ ذاتها كيوم غادرتنا، ولا الصديقُ هو الصديق، الصديق في عصري مجرد حروفٍ على شاشةٍ رقميةٍ أو رسالةٍ نصيّةٍ وصوتِ مبحوحِ خلفَ كابينةٍ زجاجيةٍ أو وراءَ هاتفٍ نقّال ، الأم والأب مجرد وسيلة لجوء للحياة، والأبناء مشروع عقوق متجدد، والطبيب تاجرُ جملةٍ، والمدير مجردُ صوتٍ أجشٍ يبصقُ الشتائم، المعلم جهازُ تلقين، والطالب جهاز استقبال، الشاب شيَّب الهم روحه والشايب متصابٍ، الحق باطل والباطل حق، الوطن حبرٌ على ورق والورق مبلل بدمعِ اللجوء،البحر مالح ضعف ملوحتهِ، والملح صناعي! الجمال .. "نانسي وهيفاء" والكتب هيافة ومضيعةُ وقت! زقزقةُ العصافيرِ تسجيلٌ على حاسوبٍ لوحي، العقول عاهره والشرف بين شرطتينِ معترضتين.

حتى أنا ما بقي لديَ من القلوب الصادقة لتضم روحي وتطبطبَ على قلبي، ولا منَ الأنامل ِ ما تمسحُ على شعري، ولا منَ الأنفاسِ ما تمتصُ شجني بعدما رحلتِ، وماعادت القلوب هي القلوب، القلوبِ التي تنبضُ بالحبِ والحياة، بل أفئدة زجاجيه .. قابلة ٌ للكسرِ، نجمعها ونمررُ بأناملنا على ظاهرها، فتجرحنا وتدمينا، ولا أخفيكِ جدتي، ما عدتُ أنا .. أنا .. نعم ما عدتُ طفلتكِ المدللة، ولا روحي عادت فرحةً جذلة كما كانتَ تفرحُ وترقصُ في جوفي حينَ تخيطينَ لي تلكَ التنانير الفيروزيةِ المخمليةِ، ولا هي الروح المتصابيةِ التي أفسدت " مريولها" المدرسي فصنعتِ لها آخرَ في لمحِ البصرِ، ولم تعد أناملي التي لفَت بورقِ "السوليفانِ" ترابَ الأرضِ، وقطعت الحشائش طبقاً للغداء، وضمدت جرحَ دميةٍ محشوةٍ، ورتبت رفوفاً في " البيت بيوت" كما هي .. بل غدت أناملَ تدكُ الحروفَ على جهازِ إلكتروني، تارةً ترفعنني بكبرياءٍ للسماءِ .. وتارةً أخرى تضمدُ ندوبَ روحي .. ما عدتُ أنا هي أنا بل تغيّرت .!

جميلة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07