الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوديسيوس

أسعد البصري

2013 / 5 / 22
الادب والفن


أينما أَجْلِسُ ، تُمْطِرُ الدنيا . ينمو العشب ، تُزهر شجرة اللوز من حولي . فاطردوني من حدائقكم جميعها . كثيرون يتمنون لي الخرس ، غير أنني أكثر منهم رغبة بذلك . في خدمة الصوت ، حتى تُشرق الشمس ، ويفك سيدي وثاقي . بالرغم من كل شيء ، الحظ العاثر ، و ضياع العمر في زجاجة عرق ، صلعتي ، و تساقط أسناني في الدروب الطويلة ، تعبي من سلالم الحياة . لم تحسن صنعا يا ربي معي . غير أنك كرّمتني بالعراق ، قدرٌ رائعٌ أن تكون عراقياً . أصعب شيء في هذه الدنيا ، أن يستمر الإنسان بالعيش بعد وفاة بلاده . بعد ثلاثين عاما من المنافي ، أشعر بقلب وطني يدق من الخوف . لعل الظلام كالحرب ، والحب ، أعمى . الدواء الذي دفنته قبل الفيضان ، أزهر في الحديقة ، وانتشر في الريح كالوباء . هذا أنا ينفخني الشتاء في جسد المطر .لم أفعل شيئاً سوى أنني أشكّ بالبشر ، لا تدهشني خرافاتهم . لم أفعل شيئاً ، سوى منح الشعراء ، فرصة جديدة للتكامل مع الموت . لم أحتمل الوجع ، ولم أطق الدواء . الذين يمدحونني ، يريدون أن أمدحهم ، والذين يشفقون عليّ ، يريدون أن أشفق عليهم . هل هذه صخرة سيزيف ؟؟ . صخرة الصدق في وادي الكذابين . في الحرب الرهيبة ، سر وحدك . لأن رفيقك إما أن يخاف منك ، أو يخاف عليك .

ليتكم تجدون مهنة أخرى غير القتال ، لعلّهُ يصفو هذا الدّم العراقي الذي تخثّر في قلبي ، أربعين عاما . هل تقتلون هكذا شعراءكم في الليل . لقد طالب هوميروس مجلس مدينته ، أن يمتدح المدينة مقابل الطعام ، فقرر مجلس الأعيان الرفض ، إن مدينتنا ستتكبد الكثير ، إذا قررت إطعام الشعراء العميان . وعلى الخليج رفض العراق بعد ثلاثة آلاف سنة إطعام السياب . على آخر ساحل ، من آخر محيط ، أشتم النجوم بحذائي ، وآكله . متى تطعم الأوطان شعراءها ، عن طيب خاطر ؟ . أوديسيوس الذي ضل طريقه إلى البيت ، المشرد ، في دمي . لي رغبة بأن أفتح قلبي تحت قمر غير هذا . بي حنينّ أُمويٌّ إلى الأندلسيات . و حنين هاشميّ إلى الفارسيات . بي نصف أقدام الأعياد ، وبكم نصفها الآخر ، لماذا تفتحون الباب على شرفة الذكريات ، الهواء بارد و قديم . لقد أنجبتُ ابنتي على ساحل المحيط الهادي ، كبُرَت على عَجَلٍ ، كما تكبُر حوريّة في إعصار ، حتى أنني لا أراها إلا يوما كل عام . وَصَلَتْ حمامة السّلام ، وفي فمها رسائل أعدائي . أطعمتها خبزي ، و جعلتها تحط على رأسي . كثيرا ما تحمل الحمامة رسائل الحروب . كتبتُ في ساقها " إنني جُعْتُ كثيرا ، إلى درجة أنني أكلتُ قلبي عدّة مرّات " . كانت الأديرة حلا دائما لأمثالي . لم تكن اعترافات المزارعين تصيبنا بغير الشفقة ، لعجز الناس عن الإبتكار ، حتى في عاداتهم السرية . قبل ألفي سنة ظهر رجل رائع حقاً وقال " مملكتي ليست من هذا العالم " ترك يسوع مملكة كبيرة للشعراء ، والفنانين الذين لا يصلحون للعمل . الكنيسة بالرغم من كل شيء ، أطعمتْ الكثير من الموسيقيين ، و الرسامين ، والمثالين العباقرة . الإسلام أيضا أنقذنا من بربرية العوام مرات عديدة ، كانت الجوامع تأوينا في ليالي الشتاء . رغبة السيدات المسلمات بالإحسان ، كثيرا ما تسدُّ رمق المسافر منا إلى حتفه . لقد استطعنا الإقامة في الجنة الموعودة التي هي هذا العالم . بسبب رغبة الناس الدخول فيها ، و عجزهم عن رؤيتها . نحن الذين عشنا دائما على هامش الحياة ، في ظلال الأشجار ، لم تكن الأديان تحاربنا دائما ، فقد كان فيهم قديسون ، و رهبان ، و أنهم لا يظلمون .

أيُّها المستضعفون في الأرض ، أيتها الرقابُ المحنيّة ، والخواطر المكسورة ، أيها الشعب الذي يألمُ بالدمع المكبوت ، بعد أن نَفَذَتْ الكلماتُ من خزائن المدينة . لقد أرسل الربُّ إلينا صوته ، وعلمنا تأويل الأحاديث ، كما عَبَرَ بنا إلى رؤياه ، فلنؤلّف بين القلب و العقل باسمه ... تقدموا فقراء الأرض ، أيها المتهافتون على الجدران كالظلال ، لقد محوتُ لأجلكم القصائد ، لأنها لا تمنحكم نفسها . افتحوا أفواهكم وتكلموا . صاح طائرٌ جريح في سمائي " في ذمة الله هذه الدنيا ، حتى ترتفع ، أو تميدَ بكم الأرض " . يا وطني ، أيها الطفل الضرير ، لا تبتلع التراب مع الدم ، لا تلمس يدي بلطف كأنّك تُشْفِق عليّ ، قمرك الذي انعكس على نهرنا ، بين الخبّيز ، والزوري ، والخبز المفتوح على الأساطير ، مازال غارقا في عيوني الحزينة . وطني لا ترقص أمامي ، في الطريق إلى مدافن أخوتي ، لا تفتح يديك هكذا ، لأنني حقاً أودّ عناقك ، أيها اللص القتيل ، أيها الحظ العاثر ، ليس لنا سواك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟