الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايام الجد والنشاط 5

بوزيد مولود الغلى

2013 / 5 / 23
الادب والفن


كان التنافس الشريف شديدا أيضا بين فرسان الرهان من النجباء الذين يتسابقون على المراتب الأولى، وتنتهي بهم المنافسة أحيانا كثيرة إلى التراشق بالألقاب،بل بلغت شدة المنافسة بالمختار - الطفل الذي أوتي بسطة في الجسم و سرعة في الفهم ، لا سيما في عمليات الحساب - حدّ الضغط على أصابع زيد بقوة حتى يملا صراخه الأفق من حوله!!، ممازحا إياه في الظاهر ، والله أعلم بالسرائر يومئذ ، و قد قرّ في ذهن زيد أن ذاك المزاح لقاح للضغائن.
كان زيد عريض القفا في الرياضيات ، لا يفقه فيها قبيلا من دبير ،غير أنه ظل قادرا على تعويض نقصه بامتياز في تقديرات ونقط اللغة العربية والفرنسية،ولذلك فبقدر كان المختار يبُزّه بتفوقه في الرياضيات كان هو يحسم النتيجة لصالحه بالتفوق في المواد الأخرى،وهكذا دواليك عاش هذا الجيل أطواراً طويلة من التنافس الشديد...
و لا يزال المختار إلى يوم الناس هذا يذكّر زيدا بأيامه.
وذات مساء انتدِب زيد والبشير ليمثلا قسمهما في المسابقة الثقافية بالمدرسة ، فنالا الجائزة الأولى ليزيدا في الطنبور نغمة مباهاة و زهو....،كانت الجائزة رمزية وزهيدة :نسخة واحدة من كتاب " دروس النحو "، ظلا مدة من الزمن يتناوبان على حيازتها ويضن بها كل منهما على الآخر . قد لا تكون مكتبة القرية العريقة " مكتبة عمي ازديدات " خالية من الكتب التي يمكن أن تقدم لطفلين ، ولكن المدرسة أو اللجنة بخِلت لا المكتبة! . ومن حسن طالع أهل القرية أن المدرسة حوت أطرا نشيطة تستفرغ جهدها و تبذل وقتها من أجل كسر طوق الجمود الثقافي والفني الذي كان يرين على القرية وقلبها النابض " المدرسة " ، فوسائل الترفيه كانت شحيحة جدا ، والنور الذي يبدد ظلام مساءات القرية لا يضاء إلا لساعات قليلة ، وقليل من الناس من يمتلك التلفاز ، وكثير منهم لا يفارق المذياع إلا لماما ، فهو أنيس الليل البهيم ، و رسول الخبر اليقين ، و قد روت أم زيد لابنها أنها حين قدمت من البادية لم تسمع من قبل كلمة " الراديو " ولم تعرف عنه شيئا ، وقد دعتها ذات مساء إحدى جارتها قائلة : هيا بنا إلى دار أهل فلان نستمع للأخبار " من الراديو " ، فجال في خلدها أن تسأل جارتها عن معنى الراديو ، لكن منعها الحياء ومخافة نعتها بالغباء ، فسارت معها ، وسمعت صوت رجل يتحدث دون أن تراه ، فازدادت حيرتها و تمسكت باستنكافها عن سؤال جارتها ، و مرت أيام على ذلك ، وعرفت من زوجها ما يعنيه هذا الصندوق العجيب ، فقد شاع بين الناس أيام اشتعال أُوار الحرب أن الاستماع للراديو واجب يوميّ لتتبع أخبار المعارك التي حصدت أرواحا كثيرة ويتمت صغارا و رمّلت نساء تكالب عليهن ظلم الحرب التي غيبت أزواجهن وتركت يتامى بين أحضانهن ، وظلم المجتمع الذي لا يرحم الثيب غير المتزوجة، و ظلم نظام المعاشات التي يقطع رزق الأبناء إذا تزوجت أمهم رجلا بعد أبيهم الشهيد ، و كثيرا ما لجأت كثير منهن إلى الزواج سرا وعرفا بالفاتحة ، فالتصريح بالزواج يجبّ المعاش ويقطع حبله، و رغم محاولات الجيش آنذاك التخفيف عن أسر الشهداء بتقديم الأضاحي و تخصيص أحياء للسكن ، و أشهرها حي الشهداء بأيت ملول الذي شدت إليه الرحال بعض العوائل من أقارب زيد ، فان مسألة " عْلَيات الشهداء " ظلت جمرا كامنا في صدور تلك النساء اللواتي حملنَ الهمّ الثقيل بين جوانحهن ، و كلما أبصر زيد جمعا من النساء المعتصمات قرب الإدارات دارت في رأسه عبارة " هاذوك عليات الشهداء " ، وقصتهن لم تنتهي بانتهاء الحرب ، لأن الخلاص من تركات الحروب الثقيلة لا يتم إلا بعد عقود أو عهود ، إذ أن الدم النازف يحفر أخاديد من الجراحات الاجتماعية والانجراحات التي لا تُبَلسِمها عطايا جبر الضرر بقدر ما يردمها النسيان إن عزم البشر على الوئام ، و لولا الوئام لهلك الأنام! . وإن ينسى زيد فلن ينسى يوما أنه سليل قبيلة دفعت كلفة الحرب غاليا ، فعدد الشهداء منها يفوق شهداء كل قبائل الصحراء ، وقد يكون التاريخ والجغرافيا قد ساهما أيضا في هذه الحصيلة الثقيلة ، إذ أن مجال القبيلة ونفوذها الترابي الممتد إلى تخوم تندوف "الجزائرية حاليا " ، أقحم القبيلة في الدفاع عن نفسها وعن مجالها وعن الوطن ، ولذلك بادرت وزارة الداخلية وادارة الدفاع بعيْد الهجوم المباغت على أسا إلى تسليم السلاح لرجال القبيلة من المدنيين للدفع والذوذ عن أرضهم ، ولا يفتأ زيد يذكر " مكحلة " بندقية أبيه الذي غادر العسكر مبكرا منذ أيام جيش التحرير ، وعاد مجبرا لا بطلا بيحمل البندقية و يتعهدها كل يوم بالصيانة و تنظيف مكوناتها بالزيت المعد لذلك ، وكأني بالولد يسأله سؤال أحمد مطر : " لم تشحذ سيفك يا عباس؟ " ،فيجيب بحاله لا بمقاله : لوقت الشدة !!.
لقد مرت على القرية الوادعة أوقات عصيبة أيام الحرب لها رواتها و ضحاياها الذين اكتووا بلظاها ، غير أنها لم تغير من تصميم أهلها على التمسك بالحياة ، فلا المدرسة أقفلت أبوابها ، ولا الفلاح ترك أرضه ، ولا التلميذ غادر قسمه ، وكأن لسان حال الجميع يهلل أو يولول: " تمر ّ الحرب ونبقى " !! ، و قد بقي زيد متصدرا فوجه و متسيدا في فصله ، فاقترحه المعلمون لتمثيل مدرسته في مسابقة ثقافية بمدرسة فاصك بضواحي كلميم خلال الموسم الدراسي 80/81، و تلك كانت أول فرصة له للسفر خارج مسقطه رأسه، و أول مناسبة يعي فيها زيد نفسه راكبا سيارة نقل عمومي! ،،، فلم يعهد ركوب السيارات التي كانت أنذر من مخ البعوض في بلدته...تجربة سفر أولى لم تكن سعيدة جدا إذ ذرعه القيء وأفسده مزاجه...
وازدادت نفسه امتلاء بالغبطة و الرضى لما سمع جمهرة المعلمين يثنون عليه ثناء جميلا ويشجعونه تشجيعا جليلا لدرجة أنهم اقترحوه لإجتياز الإمتحان التجريبي للقسم الخامس ( امتحان نيل شهادة الدروس) ولما يبلغ هذا المستوى بعد...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??