الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الفصام السياسي: كلام لا يقل جدارة بالنشر عن غيره

قاسيون

2005 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


أكثر ما يثير الدهشة والأسى في العقل السياسي العربي غير الرسمي هو هذا العرج والحول الطاغي في حضوره؛ فإذا ما كان ديمقراطياً مثلاً لا يكون ضد الاستبداد والفساد في كل مكان، وقد يتحالف ويتماثل في خطابه وسلوكه مع نقيضه المفترض، ويتعامل مع حقوق الناس بالمفرق فنجده يتمسك بحق ويترك حقوقاً، ثم إننا نجده لا يستفيد من الممكنات بل غالباً ما يهدرها.
إننا ما نزال نتذكر كيف أن شعوب جنوب شرق آسيا خاضت صراعها مع أمريكا متجاوزة الخلافات البينية حتى بدت وكأنها شعب واحد بأيديولوجيا واحدة، وما أن حققت نصرها حتى طفت الخلافات الكامنة على السطح. إنه موقف يمليه الصدق والعقل.
في المقابل ماذا نجد عندنا ؟ لن أتناول الناس العاديين أو الحكومات بل القوى السياسية، وتحديداً المعارضة، فهي أكثر دلالة في هذا المقام، لأن خطابها يتسم ـ بحكم دورها الذي اختارته ـ بالنقد الجريء الهادف إلى النقض وإعادة البناء، حسب ما يفترض في كل معارضة. وسأعتمد مثالين مستجدين.
1ـ لقد انطلقت المقاومة اللبنانية واستمرت حتى أنجزت تحريراً جزئياً بدعم من النظام في سورية. وكان خصومها اللبنانيون يحرجونها بالتساؤل عن سر إطفاء الجبهة السورية، لكن أحداً في سورية لم يفكر أن يحرج النظام بمثل هذا السؤال، ولو من باب المزايدة. وإذا كان هذا مفهوماً من الموالاة فهو غير مفهوم من المعارضة.
ليس من عذر، كأن نتذرع بواقع الحال، لأن الأحزاب لا تطرح مواقفها وشعاراتها للتنفيذ الفوري، خاصة أنها ليست في موقع القرار، بل من أجل التثقيف والتعبئة وتعرية مواقف الخصوم. إن العزوف عن المزايدة ليس تعففاً عنها بكل تأكيد، فالصمت هنا يعادل ذلك السؤال المحرج في لبنان دلالة. أيضاً ليس هو تعففاً عن انتهاز الفرص، فبعض أطراف المعارضة لا يتورع حتى عن الإشارة بعدم اكتراث لخسارة النظام بعض نقاطه أمام إسرائيل أو أمريكا، أي النقد والنقض بأبشع صوره.
ليس من تفسير لهذا الصمت سوى القبول والرضا. خير دليل على ذلك هذا الموقف العدائي من المقاومة ممثلة بحزب الله، الذي يتجلى بالافتراءات عليه وعلى القوى الحاضنة له، والذي تصاعدت حدته بعد انسحاب إسرائيل مباشرة في أوساط كثير من القواعد الحزبية الموالية والمعارضة، ثم بدأ مؤخراً يعلن عن نفسه في بعض الصحافة الحزبية المعارضة. وهو في النهاية موقف مضمر من الكيان العنصري الإجلائي الاستيطاني. هذا الموقف يتجلى بنحو آخر في تغييب حق العودة للاجئين من الخطاب السياسي والإعلامي لهذه الأحزاب. كما في تجنب الحديث في ثقافة المقاومة أو اقتصاد الحرب ـ وهو غير اقتصاد الخصخصة وحرية السوق بكل تأكيد. وأخيراً بدأنا نسمع عن القوات الأمريكية كحامل للديمقراطية، وعن التحرير " السلمي والسليم " للعراق، وعن نيسان فلسطين والعراق الانتخابي مع حسرة ورنو إلى "نيساننا". هذا الموقف يصل إلى مداه عند البعض في الترحيب بالتغيير الأمريكي مع الإقرار بمحتواه المواتي لإسرائيل. في كل هذا موقف مضمر من إسرائيل وحق العودة والمقاومة، لأن هذا الحنو على سياسة أمريكا يفرض تهاوناً مع سياسة إسرائيل ووجودها.
2 ـ المثال الأقرب هو هذا الصمت عن ترحيل قياديي حماس والجهاد من دمشق وإغلاق مكاتبهما فيها. لقد أصبح واضحاً أن إجراءات تضييقية اتخذت في سورية ضد كل من حماس والجهاد بشكل خاص استجابة للضغوط الأمريكية الإسرائيلية. لكن الغريب في الأمر أن السوريين حتى المتابعين منهم لا يعرفون شيئاً محدداً، وكل ما في الأمر هو تمتمات ممن لديهم العلم، وعند السؤال فقط. هذا ليس مفاجئاً، لأن قوى هذا هو موقفها من إسرائيل والمقاومة وحق العودة ترحب بكل تنازل يقدم عليه الفلسطينيون. من هنا يكون الحصار الذي تتعرض له القوى المقاومة هدفاً ينجز بيد الغير. وهذا الغير إذ يتخذ إجراءاته تحت ضغط أحادي الاتجاه يبدو في موقع متقدم على المعارضة، وفي أحسن الأحوال يبدو مع المعارضة كوجهي العملة الواحدة مع أحقيته بالترّة. بتعبير آخر، ونتيجة الإحساس بعبثية الصراع بين السلطة والمعارضة، سينجم عن مثل هذه المواقف حياد تجاه هذا الصراع إن لم ينجم عنها تعاطف مع السلطة، وهو ما يبطل مقولة إبعاد القمع للمجتمع عن السياسة.
إن القوى المقاومة في فلسطين يمكن لها أن تصمد أمام مختلف القوى المعادية شرط توفر سند شعبي عربي، فهي أولاً بحاجة إلى سند معنوي. لهذا يمكن جزئياً أن نرد نجاح التيار المساوم انتخابياً في فلسطين إلى خيانة القوى السياسية العربية وعجزها، هذه القوى التي بادرت إلى استثمار هذا النجاح في دعايتها لنهجها الانهزامي. إن الذي نجح هو طغيان ثقافة الهزيمة والتسوية في الفكر السياسي العربي، خاصة في دول الطوق. هذه الثقافة التي تعزز مقولة "يا وحدنا" وتدفع الفلسطينيين إلى اليأس في ظل أخطر وأشرس هجمة، وبالتالي مسايرة التيار المساوم. وهذا مناسب لقوى التسوية والهزيمة كي تنفض يدها من المسؤولية عملاً بالمثل القائل: " لسنا ملكيين أكثر من الملك ". وهو ميل ينعكس خسارة للجميع لحساب إسرائيل. وهنا أهمية الاستشهاد بدول جنوب شرق آسيا لأنه يبين أن الموقف من المقاومة في فلسطين ولبنان، وحتى في المريخ، هو موقف من المقاومة في الجولان، وبالتالي هو موقف من إسرائيل.
إذاً الديمقراطية ليست مطروحة لأنها حق، بل يجب أن نبحث عن الدافع في مكان آخر. التفكير المنطقي في هذا الفصام المزمن في العقل السياسي، والذي بلغ شيوعه حداً تجاوز العتبة، يقود إلى الاعتقاد أن هذه الاندفاعة الديمقراطية التي نشهدها ليست استجابة في عقول أصحابها للواقع ووفاء لمتطلباته، بل هي نتيجة تمحور على الذات، بدلالة أن الذين يطرحونها معزولة عن بقية القضايا أو في مواجهتها ألهموا بها بعد أن أصبحوا ضحايا للقمع وليس قبل.
التجربة المعيشة تؤكد ما ذهبت إليه، سواء فيما يتعلق بالموقف من الديمقراطية أم من المقاومة وإسرائيل، فما أسرع ما يتكشف الديمقراطي (حاف) عن دكتاتور مساوم. كما أن واقع الأحزاب يثبت أن الحزب يكون ديمقراطياً بقدر ما ينخرط في المقاومة أو يكون داعياً لها. بالتحليل أم بالملاحظة، الصدق حليف الذين يجمعون بين الوطني والقومي والاجتماعي والديمقراطي في حزمة واحدة وكل لا يتجزأ.
■ هذا ما يوحي به الكلام في سياقه، فالكاتب يضع عادة النظام السوري مقابل أحدهما، وليس نظام مقابل نظام أو كيان مقابل كيان. ما يوحي للقارئ أنه ليس معنياً بهذه الخسارة.
■ أكرم إبراهيم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحداث قيصري-.. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟ | المسائية-


.. السودانيون بحاجة ماسة للمساعدات بأنواعها المختلفة




.. كأس أمم أوروبا: تركيا وهولندا إلى ربع النهائي بعد فوزهما على


.. نيويورك تايمز: جنرالات في إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار في




.. البحرين - إيران: تقارب أم كسر مؤقت للقطيعة؟ • فرانس 24 / FRA