الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سؤال الصورة ومحنة الشاعر عقيل علي

كريم كطافة

2005 / 4 / 25
الادب والفن


نشرت إيلاف في عددها (1431) ليوم 22/04/2005 تعليقاً لمراسلها من بغداد (خالد جمعة) مع صورتين للشاعر العراقي (عقيل علي). الصورتان فقط كانتا قادرتين على إثارة واستفزاز حتى الأنذال، ما بالك بالمبدعين العراقيين وعموم المثقفين.. صورتان عكستا مآل الإبداع العراقي على هيئة شاعر يتخذ من مضلة الباص في منطقة الكرنتينة في بغداد مسكناً له.. شاعر لفضته المدينة بعد أن طرده صاحب الفرن الذي كان يعمل فيه خبازاً.. !! استفزت الصورتان أحد المبدعين العراقيين، المبدع (كمال سبتي) إلى الحد الذي طالب فيه الصحيفة بالاعتذار للقراء ورفع الصورتين من التداول، معتبراً أن في الأمر تشهيراً وانتقاصاً من آدمية الشاعر. وأعتقد أن هذا ما فعلته الصحيفة، حيث رفعت الموضوع كله من التداول، وكذلك لم تنشر لي تعليقي الذي أرسلته حول نفس الموضوع بدعوى أنهم لا يريدون المساجلة مع مواقع أخرى. لهم الحق فيما يرونه مناسباً لعملهم، لكني ما زلت أحتفظ بحقي في الإعلان عن صرختي واحتجاجي في المكان الذي سيسمح لي بهذا. احتجاجي ليس على موقع (إيلاف)، على العكس أنا ممتن لهم بسبب نشرهم غسيلنا القذر على الملأ.
الاستفزاز لمن يرى الصورتين هو أمر حتمي، ليس لرداءة ونذالة الحياة التي أُجبر عليها الشاعر بحد ذاتها، هذا أمر يعيشه ملايين البشر. هناك ملايين يفترشون المقابر مسكناً لهم وملايين أخرى لا تجد قوت يومها في هذا الزمن النذل.. إنما الاستفزاز هو حين يجبر المبدع وفي حالتنا هنا الشاعر الذي كاد أن يكون نبيا، هذا إن لم يكن الشعراء هم حقيقة أنبياء عصورهم، أن يركنوا هكذا في زوايا التهميش والنسيان. هذا هو الاستفزاز الأعظم.
وجدت أن الصورتين زائد التعليق، اختزلت مأساة المبدع وإبداعه في زمننا هذا.. الزمن الذي تحصد فيه مطربة غير موهوبة ربما إلا بثنايا جسدها الأضواء والملايين والحياة الرغيدة ولا يجد فيه شاعر مبدع مثل (عقيل علي) غير الشوارع ومظلة الباص ستراً لقر وظلام الليل.. الزمن الذي يتقاسم إدارة الحياة فيه سماسرة وأنذال ومجرمون بماركات ملوك ورؤساء وحزبيين.. الزمن الذي يتصدى فيه لرسالة الثقافة أشباه شعراء وأشباه كتاب متربعون على عروش صحفهم ومؤسساتهم الإعلامية، راكنين المبدعين في الكواليس الخلفية للمدن والشوارع يجترون معاناتهم وتوحدهم.. الزمن الذي يبدل فيه هؤلاء الأشباه مواقفهم وأفكارهم كما يبدلون طقومهم أمام المتفرجين ودون أن يغلقوا الستارة حتى.. هذا الزمن الملعون يا صديقي المحتج على نشر الصورتين هو الذي علينا الصراخ بوجهه.. نعم.. علينا بالدعوة حد الصراخ لاحترام حق المبدع في الحياة.. المبدع كفيل بممارسة حقه في الإبداع، لأن الإبداع هو لعنة داخلية يحتصر بها المبدع ولا يستجلبها من الخارج.. هذا أمر لا يستطع أحقر دكتاتور أن يسلبه إياه، هو كتب وخط وعزف في أحلك الطقوس الوحشية التي فرضها عليه الدكتاتور.. لكن ماذا بوسعه أن يفعل لحياته التي تكاد أن تتفلت من بين أصابعه لمجرد مصادفات وأقدار عمياء يصنعها له من بيده القوة.. هذا الكائن غير (المؤذ) هو ليس فقط موضوع إبداعي أيها العزيز (كمال سبتي) لمن تؤاتيه فرصة وملكة الإبداع.. وتلك الرائعة (يلينيك) التي قلت عنها أنها - أجادت تصوير حياة الفقراء والمعذبين والمنبوذين والمتوحدين الذين قد يكونون فنانين رائعين هاربين من حياة الكذب والنفاق من تلك الحياة النذلة والسخيفة- ببساطة هي لم تقدم لهم شيئاً، هي حصلت على جائزة نوبل وهم ظلوا كما هم كائنات مهمشة تعتاش على الفضلات وتتخذ من أنفاق المدن مساكناً.. هل تدري لماذا..؟ لأنها لم تعرفهم.. لم تقل هؤلاء هم المعذبون.. هي تناولت العذاب والتهميش الإنساني بمداه المطلق الصالح لكل زمان ومكان.. ولا نستطيع القول أنها تواطأت مع مجتمعها بالضد من أولئك، إنما هذه هي طبيعة الإبداع.. الحفر والغور والانطلاق ليس إلى الماهيات بل إلى ما وراء الماهيات
إذا أردت التعريف بـ(عقيل علي)، حقيقة سوف لا أجد أفضل من تعليق الزميل (خالد جمعة) الذي رافق الصورتين.. لقد اختزل حياة وإبداع هذا الشاعر بذلك التشوش وتلك الحيرة التي زرعهما في أذهان وقلوب أدعياء الثقافة المعتاشين على صدقات وأمزجة الطاغية وأولاده أيام الدكتاتور.. الشاعر الخباز.. الذي إن دخل الفرن نسى الشعر وإذ دخل الشعر نسى الخبز والخباز.. الشاعر الذي أذهل الأدعياء بديوانين لا غير.. بينما كان لكل منهم دواوين وكتب كلها مجوفة تجد فيها كل شيء إلا الإبداع.. هل من مزيد للتعريف بهذا الشاعر القادم من الناصرية إلى العاصمة ليدهم الثقافة وأهلها بقصائد لا يملك من يستمع لها غير سؤال غبي يقول: من أين يأتي هذا الكائن البسيط بكل هذا الجمال والإبداع.. أما الصورتان اللتان لخصتا حياته الراهنة مشرداً في شوارع العاصمة.. فهذه ليست غير وصمة عار على جبين كل مسؤول حكومي، يدعي أنه يدير حياة البشر وعلى رأس هؤلاء مسئولي وزارة الثقافة.. هي وصمة عار في جبين المجتمع الذي أجاد كيف يموت أيما إجادة لكنه لم يعرف بعد كيف يعيش.. الشاعر (عقيل علي) ليس حالة فردية.. هناك المئات والآلاف منه يعيشون في زوايا المدينة وكواليسها المظلمة.. فقط لأنهم لم يجدوا بعد فنون وآليات وأمزجة تسويق وتبضيع الذات.. أجد علينا وبدلاً من أن نخفي عيوبنا وعارنا أن ننشره في الهواء الطلق.. نعم، الهواء الطلق قد ينعش ذاكرة هذا وقد يصدم ذاكرة ذاك.. أما الأقبية والكواليس التي نخفي فيه عارنا وعيوبنا فلا تزيدها إلا عفناً على عفن.. لا شيء نخجل منه بعد كل هذا الذي جرى ويجري على أرضنا.. أننا نعيش في زمن عجيب غدا فيه الإبداع على عسر ولادته وفداحة مخلفاته على المبدع أسهل بكثير من النشر.. أننا نعيش في ظل ثقافة سوق نخاسة لا يتوان عن تقديم أردأ البضائع وأكثرها ضرراً للحياة، فقط ليربح.. المبدع الحقيقي وعذراً لهذا التعبير غير السوي لأن المبدع لا يكون إلا حقيقياً.. لكن هناك المتشبهون بالمبدعين وهم كثر.. نعم، المبدع يمكن له أن يجيد أشياء كثيرة في حياته باستثناء أن يكون سمساراً وتاجراً ومروجاً لإبداعه.. من يقوم بهذه المهمة..؟ أنا أجد أن هذا هو السؤال الذي تحاول محنة الشاعر (عقيل علي) استفزازنا به.. سؤال الصورة لم يكن تشهيراً بالشاعر (عقيل علي).. بل هو تشهير بزمنه القديم والجديد.. تشهير بالسماسرة والقوادين والتجار الذين تربعوا وما زالوا يتربعون على عروش الصحف والمؤسسات الثقافية في كل الأزمان بينما الشاعر هو المهمش والمنبوذ في كل الأزمان..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل


.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا