الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(3)- لنفكك قيود -اليسار- و -اليمين- و -الوسط

علي آل شفاف

2005 / 4 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


من المعروف أن اللغة هي وسيلة تواصل بين أفراد النوع الإنساني, وعن طريقها يمكن للفرد رسم صورة للعالم الواقعي (الخارجي), وللعوالم المتخيلة؛ بالقدر الذي يسمح به غنى تلك اللغة. كما يفعل الرسام ـ مثلا.

وبالرغم من اختلاف علماء اللغات, أو اللسانيات وفقهائها "Philologists"حول أصل وجود ونشوء اللغات, وخصوصا "الأصيلة" منها. فإنه يمكن لمجتمع إنساني ما نظريا ـ أن يتواضع على ألفاظ معينة, ليستخدمها كلغة خاصة به, بعد إجراء ما يلزم من مستلزمات ـ معقدة ـ للبناء اللغوي.
لكن مثل هذه المحاولات غالبا ما تفشل عند التطبيق, إلا إذا تفرعت عن لغة أصيلة. ولعل لغة (الإسبرانتو) أحدث مثال على ذلك, حيث أنها ـ وإن كانت مشتقة في ألفاظها وحروفها من اللاتينية ـ فشلت في تغطية حاجة الإنسان, فأهملت واعتبرت تجربة مخيبة للآمال الواسعة المرجوة منها, كلغة عامة لجميع البشر.
إن الإنسان الذي له نحو من وجود مادي, يجعله عنصر في كون؛ ونحو من وجودات أخرى متعددة وكثيرة, وربما لا نهائية!! أقربها للفهم هو الوجود الذهني (في عالم المثل), والوجود العقلي . . هذا الإنسان لا يمكن تضييق نطاق حاجته, وحبسه وتقييده بألفاظ محددة, يتواضع عليها مجموعة أفراد أو مجتمعات.
لذلك نلاحظ عندما يتم تناول أفكار متعالية (Transcendental), وعوالم عليا ومجردة, تقف اللغة عاجزة أمامها, فلا تستطيع التعبير عن محتواها, أو مضامينها. حتى وأن كانت لغة أصيلة "مجهولة النشوء" أو "متعالية المنشأ".
فكيف ـ إذا ـ بالنسبة إلى ما يجتهده البعض من (قوالب إصطلاحية) فاشلة الإداء, تتسم بالإرتجال, وتستعبد الفكر, ثم ينتج عنها نتائج خطيرة على حياة الإنسان.

فليس من الحكمة ـ مثلا ـ أن نقيد أفكارنا بمصطلحات من قبيل "يسار" و "يمين" و "وسط". . . الخ. فهذه القيود غير المبررة, تجعل من السياسي عبدا لها. فلا يستطيع أن يتخذ أي قرار, أو يعطي أي رأي لا يتناسب مع هذا القيد.
فترى "اليساري" ـ مثلا ـ لا يمكنه أن يعطي أي رأي, أو يقف أي موقف ممكن وصفه بـ "اليميني"؛ ليس لكون كل الأحداث تتطلب موقفا يساريا, بل لأنه ـ هو ـ يساري, فحسب!!
وقد يستميت في الدفاع عن قضايا بالية, وهو يعرف مقدار البلى الذي أصابها, كأن يستمر بالدعوة للقضاء على "الإمبريالية", حتى لو نشرت عن طريق "الديمقراطية" ـ مثلا ـ درجة ما من العدالة الإجتماعية, التي يدعو لها عن طريق الإشتراكية. كما لا بد له أن يهاجم الفكر المصنف كـ "يميني", وإلا تخلى عن (يساريته)!!
في حين أن "اليميني" ـ هو الآخر ـ لا بد له أن يهاجم "الإشتراكية", أو "الليبرالية" مثلا, حتى لو حققتا درجة ما من الخير الذي يدعو إليه. وإلا خرج من (يمينيته), وتبرأ منه أهل (المقاعد اليمنى)!!

وهكذا يحبس كل منهما نفسه في سجن "المصطلح" أو "الشعار", فيفقد مرونة التعامل مع الأحداث, وفق ما تتطلبه من ردود فعل مناسبة. لذلك نجد أن الضياع الذي يعاني منه الشيوعيون المعاصرون ـ مثلا ـ هو نتيجة لذلك التقوقع الذي كبلهم, فاضطهدوا أنفسهم؛ واضطهدوا الآخرين معهم. وكذا الأمر بالنسبة لليمين. فهذا التقيد بالمصطلح, أو الدوران داخل دائرته, دون محاولة التفاعل مع الأوساط الفكرية الأخرى؛ هو نفسه الذي شكل الدافع الأساسي والقوي, للصراعات المتواصلة بين هذين الجانبين, في محاولة يائسة وبائسة للإلغاء.
فيما لا يعدو التيار المسمى بـ "الوسط" كونه حلا توفيقيا وسلبيا للقضايا والإشكالات, سواءا الفكرية منها, أو السياسية. كما أنه لا يمكن أن يكون نافعا في كل الحالات.

إن المنهج الصحيح ـ حسب رأيي ـ أن لا يتمسك المثقف أو السياسي بمنهج واحد, في تعامله مع جميع القضايا. ولا يضع فكره في قالب معين تحت مسمى ما. لأن القضايا التي يواجهها الإنسان في حياته تختلف, وتتنوع بحسب الظروف والملابسات المحيطة بها. فمنها ما يستلزم موقفا ثوريا (راديكاليا), ومنها ما يستلزم موقفا متحررا (ليبراليا), وآخر يتطلب نفعية ذرائعية (براغماتية), وغيره يتطلب الثبات والمحافظة على المبدأ والتقاليد؛ وربما التصلب والتشدد . . . وهكذا.
فلكل حدث موقف خاص به, يعتمد على المتغيرات التي تحيط به.

فوصف مثقف ما أو سياسي بأنه "يساري" أو "يميني" أو "راديكالي" أو "ليبرالي" . . . الخ, هو اتهام لذلك الموصوف ـ من وجهة نظري. فكل من يضع نفسه تحت أحد هذه المصطلحات, يكون قد قيد نفسه به.

إنني هنا لا أدعو إلى (فتح ثقافي أو سياسي جديد), بل إلى تصحيح المنهج المعتمد في اتخاذ المواقف السياسية, حسبما يتطلبه الحدث والواقع؛ لا ما يفرضه الإنتماء الإصطلاحي, الذي سيكون ـ بالتأكيد ـ غير صحيح, ولا مناسب لكل الحالات. فمن التجني على الحقيقة, أن يزعم "اليساري" أو "اليميني" أو غيرهما, أن كل الظروف تستلزم منهجا واحدا في التعامل, أو اتخاذ المواقف, وهو المنهج الذي يسلكه أي منهم.

إن هذا المنهج الجديد (المتلون حسب معطيات الواقع), لا ينطبق ـ بالتأكيد ـ على البعد الفكري الفلسفي, بما هو منظومة (رؤيوية) عامة للكون والحياة؛ وللمسائل الكبرى ذات البعد المماثل. وإنما على البعد الجزئي, المتمثل بالموقف السياسي والثقافي, الذي يستتبع فعلا مؤثرا على الأفراد والمجتمعات, والذي يصل ـ فيما يصل ـ إلى القتل والحرب والدمار. وهو ما اصطلح عليه "أرسطو" بـ "الفلسفة العملية" التي تشمل "السياسة" و "الأخلاق".

إن المنهج الجديد, يجعل موقف المثقف والسياسي كالضوء الأبيض أو الشفاف, الذي يتضمن كل ألوان الطيف الضوئي. فالحدث المعين هو الذي يظهر لونا سياسيا أو ثقافيا معينا, يتناسب معه؛ ويحتجز باقي الألوان, ويمنعها من الظهور والمرور. كما هو الحال في الزجاجات الملونة, التي يظهر كل منها لون واحد فقط, كما يمكنها أن تظهر خليط من الألوان بنسب ما.

وهذه في الحقيقة سياسة بالغة (الإنفتاح), فإذا رافقها مرونة (في شدة اتخاذ الموقف) بدرجة مناسبة, سوف نستطيع أن نقلل درجة (الإضطهاد الفكري والسياسي) إلى حد كبير, وكذلك التقارب مع أغلب الأفكار المطروحة على الساحة الثقافية والسياسية.
فلا يمكن لنا أن نقيد فكر الإنسان في قالب واحد, لا يمكن تجاوزه, فهذا تعسف فكري, لا يعيه الكثيرون, ولكنهم يعيشوه موقفا جامدا ومتصلبا في غير محله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية