الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القنافذ في يوم ساخن ، أو (فن تحويل المصادفة إلى سبب)

أحمد كاظم سعدون

2013 / 5 / 24
الادب والفن


* القنافذ في يوم ساخن
أو ( فن تحويل المصادفة إلى سبب)


تحملُ رواية ( القنافذ في يوم ساخن) رسالةً أدبية، إنسانية،تأريخية عميقة.

كُتِبت بإسلوب السيرة الذاتية(لشخصيتها المحورية، سليم كاظم) ، المثقف والمُترجم
ومُدَرِّس اللغة الإنكليزية؛ ولسيرة المكان الذي كُتِبت فيه الرواية( صُور- عُمان) ؛
وأيضاً لسيرة مايحدث في العراق من إحتراب طائفي(إذ تجري أحداث الرواية بين
عامي 2006-2007) وتداعيات تفجير الإمامين العسكريين في سامراء.

يتوزَّع ثقل الرواية على شخصيات عديدة ، تحمل جنسيات مختلفة،عراقية، عربية وأجنبية،
لكن الشخصيتين الرئيسيتين هما (سليم كاظم) الراوي و(شهاب) ،المثقف العراقي اليساري
العائد من منفاه الأوروبي بعد إغتراب دام ربع قرن، إلى عراق ما بعد التغيير، أملاً منه
بالمساهمة في بناء بلاده عن طريق العمل في مؤسساته الثقافية، (الذي سنكتشف بعد مرور الأحداث بأنه المغدور به كامل شياع) ؛
إذ به تبدأ الرواية وتنتهي بخبر إغتياله.

قدَّمت الرواية العديد من الشخصيات الواقعية الحيَّة ؛ والممزقة في عالم تُمَزِّقه الأفكار المتناقضة،
ونجح الروائي بتقديم شخصياته كعوالم مُغتَربة ، مُمتَنِعة( كقنافذ تتحصَّن
في زواياها المُتباعدة على وجه الأرض ، في يوم ساخن ، خانق) ؛ بالرغم من رغبة كلِّ
شخصية قي أن تتماهى وتتآلف مع بعضها البعض؛ ف(الإنسان لايمكن أن يتخلى عن الرغبة في مواقع يأمن إليها ،
وأن البشر يتبادلون المواقعَ في اضطراب نبيل) ؛ الاّ انها كانت رغبات ضعيفة، كاذبة؛ تنقُصها الإرادة الحقَّة،
الإرادة التي تمَّ تشويهها ببغضهم ونميمتهم وحسدهم
ومراقبتهم بعضهم البعض الآخر؛في مكان الوظيفة( كلّية صُور) وخارجها.
يذكر سليم في رسالته إلى شهاب:(أنا أعيش تجمّعاً كوسموبوليتياًعجيباً في مدينة صغيرة
وادعة، فهل تعلم ما توصلت إليه؟ الناس جميعاً في حالة اضطراب وبلبلة. التاريخ يمسخهم
بِعَصاه السحرية إلى كائنات تاريخية أسطورية تعلو على فرديتها الضيِّقة ومشاغلها الصغيرة
وهم لايعلمون كيف يمكن لهم الارتقاء إلى هذا المستوى. الأوربيون والعرب والعراقيون سَواسِية
في مواجهة صعوبة الآرتقاء من فرديتهم الضيِّقة الضائعة إلى ذُرَى الكائن التاريخي المسؤول عما يحدث له،
وبينما تجدهم ينتفضون بين حين وآخر لترديد بعض الشعارات السياسية المبسّطة بل والساذجة،
فإنهم سرعان مايهبطون إلى وجود يوميّ رتيب يخلو من المعنى) .ص261

أسئلة كثيرة تلك التي كانت تعتمل في ذهن سليم ، عن أسباب عزوفه ، وانغلاقه،
إزاء مايحيطه من إغراءات وملذات:(لابد أن عَطْب قدرتي على الحب نتيجة ترتَّبت على مُجمل حياتي ،
وهي أعقد من أن تكون ناجمة عن فشل زواجي وحده، أو حتى فشل حالات العِشق التي عشتها من قبل ،
حيث بقيت أجد نفسي بعد كلّ واحدة منها وحيداً لسبب أو لآخر). ص280. و( لابد أن ماقتل الحب في نفسي
أمرٌ أكبر من نساء لم يُقَدِّرنَ محبَّتي لَهُنّ.
قد تكون الخنادق ، والغربة الطويلة ، وتغيير الأوطان المستمر ، ذلك التغيير الذي يمنعني من
مدّ جذور في تُربة مستقرة ثابتة) . ص281 ، أوربما حياته التي صارت ( كالموت السّريري
تتوزعها إنشغالاته في الكليّة والكتب وكوارث العراق والخواء الكامل) ؟ كما قالت له صديقته ساندرا.ص383

وبالرغم من رتابة الواقع في مدينة (صُور) العُمانية فقد نجح الروائي فلاح رحيم ، بذكائه العميق، في تقديم رواية ذات لغة سردية متدفقة ، حيوية ، هادئة ،سلسة .
( أنا أسرد ما حدث كمن يتحرك في حيِّز مظلم يحدس محتوياته ولايعرفها معرفة حقيقية،
وما أبتغيه من وراء السرد وربما بعد خاتمته شيء لا أعرف كنهه الآن .
كنت قد أسميته : تحويل المصادفة إلى سبب ، لكني وأنا أصل إلى هذا الحد من حكايتي
أواجه خطر التشظّي والسقوط في عشوائية الخامة التي أحاول تشكيلها). ص375



وبعد كلّ الضغوط التي تعرَّض لها سليم خلال الرواية ؛ كمثقف عراقي مغترب رغماً عنه،
ثم كمُدَرسٍّ مزروع في وسط غريب يمتليء بالغرباء؛ ثم كعاشق رغماً عنه أيضاً:
( يحدث في كثير من الأحيان عندما يتصدَّع وعي الإنسان في مواجهة كثرة مُربكة من المواجع ،
أن يجد نفسه إزاء علَّة تافهة غير متوقعة تجمع بالرغم من تفاهتها كلّ خيوط الوجع وتفجِّره في جنون مُنفَلِت ) . ص 378
تأتي لحظة التحرير القصوى، وذلك بعد معرفته بخبر إغتيال صاحبه (شهاب) برصاصة من
مسدس كاتم للصوت : ( بموته انتقل الى النقطة القصية التي وفّرت لي مرصداً جديداً لايشبه
في شيء كلَّ المراصد التي أتاحها الوطن والمنفى حتى الآن. وهو مرصد يبثّ في كل ما يحيط به دلالات تتجاوز الخواء والهامشية والتفاهة إلى انتظام غريب وقدسية باهرة.
وكما يحدث عندما تقعُ معجزة أو تمسّ خليط الانحلال والفساد والمرض يد مقدّسة فتشحنه
بنقاء منطق سري محيّر ، دهمني إحساس غامض أن كلَّ ماحدث منذ أن حللت في صُور
يشكل على نحو ما لوحة لها إطار يمنع عنها العشوائية والتصادفية ويعلو على مِزَقِها
المضطربة في رأسي). ص492




*رواية القنافذ في يوم ساخن
للروائي والمترجم العراقي فلاح رحيم
دار الكتاب الجديد المتحدة


أحمد كاظم سعدون
كندا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا