الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-صفقة الكردستاني- الجار الذي يتجاهل جاره

محمود عبد الرحيم

2013 / 5 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


طرحت مغادرة مقاتلي حزب العمال الكردستاني من قواعدها في الأراضي التركية إلى داخل الشمال العراقي، بعد إقرار اتفاق السلام بين الحكومة التركية وزعيم المتمردين الأكراد عبد الله أوجلان، الموجود في السجون التركية منذ قرابة 15 عاماً، علامات استفهام عدة، عن تأثير هذه الخطوة في العلاقات الثنائية بين كل من أنقرة وبغداد، خاصة أنها جاءت بشكل أحادي من دون استشارة الحكومة العراقية! فضلاً عن إثارة سؤال السيادة من جديد ومدى جاهزية السلطة العراقية لحماية حدود العراق من الاختراقات، والتأثيرات القوية لدول الجوار فيها، والعبث بأراضيها ومصالحها طوعاً أو كرهاً، إضافة إلى العديد من المخاوف الأمنية والسياسية التي تمس العراق نفسه ودول المنطقة التي توجد فيها أقليات كردية، خاصة سوريا وإيران، وفي هذا التوقيت تحديداً الذي يشهد اضطراباً إقليمياً واسعاً، ومحاولات حثيثة لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية، انطلاقاً من الأرض السورية، بعد أن جرى تجهيز المسرح بغزو العراق قبل سنوات عدة، وما تلاه من توسعة النفوذ التركي والصهيوني اللذين يتنافسان في خدمة المشروع الأمريكي، على حساب المصالح العربية، سواء على المستوى القطري أو القومي .

بقدر ما جعل انسحاب مقاتلي حزب العمال الكردستاني خارج الأراضي التركية أنقرة تتنفس الصعداء، بعد سنوات من صراع ممتد لم تستطع حسمه بالمواجهات العسكرية ولا بالسجون والعصا الأمنية الغليظة، فإنه أزعج بشدة بغداد التي رأت في الأمر انتهاكاً لسيادتها، خاصة أنه لم يتم التشاور معها حول هذه الخطوة، ما حثها على التحرك دولياً وإقليمياً، حسبما أعلنت الحكومة العراقية، عن عزمها التوجه بشكوى في مجلس الأمن، وأيضاً إلى كل من الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، إلى جانب اطلاع الاتحاد الأوروبي على مخاوفها، فضلاً عن استدعاء وزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري، للقائم بالأعمال التركي في بغداد، ومطالبته بتوضيحات عن الاتفاق الذي جرى، بعد اجتماع طارئ لمجلس الوزراء العراقي، وصدور بيان للخارجية العراقية حذر من تداعيات ما جرى على العلاقات بين الدولتين، وكيف أنه يمثل انتهاكاً لقواعد القانون الدولي وحسن الجوار .

ولا شك في أن هذه التسوية السياسية الأخيرة بين حزب العمال الكردستاني والأتراك التي سمحت بنزوح هؤلاء المقاتلين إلى داخل الأراضي العراقية، بالترافق مع إعلان الحكومة التركية عن عقود نفطية جديدة مع حكومة إقليم كردستان من دون الرجوع إلى الحكومة المركزية، وقبلهما استضافة تركيا لنائب الرئيس العراقي الهارب والمطلوب للعدالة في العراق، طارق الهاشمي الذي يقوم بهجوم إعلامي متواصل على حكومة المالكي من أنقرة، تسببت في مزيد من توتر الأجواء بين كل من الحكومتين العراقية والتركية، وأظهرت استهانة أنقرة بالسلطة العراقية ومحاولة إضعافها بشتى السبل، والسعي إلى تحقيق مكاسب داخلية وإقليمية، وتوسعة نطاق نفوذها، حتى لو كان على حساب مصالح جيرانها .

ويبدو أن تركيا أرادت أن تستغل الظرف الإقليمي المواتي من اضطراب الأوضاع في مجمل المنطقة، خاصة ما يتعلق بتداعيات الأزمة السورية، والدعم الأمريكي الواسع لتركيا، ثمناً للأدوار التي تلعبها حكومة أردوغان إقليمياً لمصلحة واشنطن، إضافة إلى الأزمات المعقدة التي يعيشها حالياً العراق أمنياً وسياسياً، مع عودة أجواء الصراعات ذات الخلفية الطائفية من جديد، في حل مشكلاتها الداخلية على حساب جارتها العربية، وتصدير قنبلة موقوتة لبلد يسير، أصلاً، في حقل ألغام .

كما يبدو الأمر كما لو كان في أحد جوانبه، صفعة للحكومة العراقية بسبب دعمها للنظام السوري وتحالفها الوثيق مع طهران، وإزعاجاً أيضاً لإيران التي حتى الآن تعاني “مجاهدي خلق” المناوئين لها داخل العراق، وتحرك المقاتلين الأكراد بالقرب من حدودها يعد خطراً محتملاً آخر . وليس بعيداً عن هذه التطورات، علاقة النظام السوري بحزب العمال الكردستاني، والانفتاح على الأقلية الكردية بسوريا وإعطاؤها حرية حركة أوسع، وبهذه الخطوة، تقطع أنقرة الطريق على إمكان استغلال نظام الأسد لهذه الورقة ضد تركيا المتورطة في الصراع السوري وأحد رؤوس حربة التحالف المناوئ للنظام للسوري، وفي ذات الوقت تستغل هذه التسوية في تحسين صورتها ك”دولة ديمقراطية تحترم حقوق الأقليات”، ما يبعد عنها تهمة ازدواج المعايير والانتهازية السياسية، وأنها تدعم الانتفاضات في الدول العربية، لأسباب مصلحية وليست أخلاقية، بينما لديها مشكلات داخلية تتعلق بحقوق الإنسان والإثنيات الأخرى، وهو الأمر أيضاً الذي كان عقبة في طريق انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، تلك الرغبة التي مازالت تحدو حكومة أردوغان .

وربما خطورة استيطان حزب العمال الكردستاني في شمال العراق في أنه يمثل إخلالاً بموازين القوى الحالية، فضلاً عن اعتباره ورقة ضغط قوية مستقبلاً على الحكومة العراقية المركزية، حال الصراع مع حكومة كردستان، في ظل إمكان انضمام هؤلاء المقاتلين إلى قوات البشمركة لتحقيق الرغبة الكردية في السيطرة على منطقة كركوك الغنية بالنفط وتفريغها من المكون العربي والتركماني، ووسط، كذلك، أحلام الانفصال الكامل التي مازالت تراود الأكراد، وحلم الوحدة القديم بين القوى الكردية المتناثرة في كل من إيران وتركيا والعراق وسوريا، وكذلك الرغبة في الاستقلال بدولة، التي تداعب المخيلة الكردية، بالترافق مع مرض الرئيس العراقي ذي الأصل الكردي جلال طالباني الذي يُنظر إليه كعنصر توازن في المشهد السياسي العراقي، بين مكوناته المختلفة، بحنكته السياسية وانفتاحه على كل القوى .

ومن الواضح أن ثمة دوراً لإقليم كردستان في هذه الصفقة، فيما تم تجاهل الحكومة العراقية، وأن هذا الانتشار لمقاتلي حزب العمال الكردستاني لم يكن ليتم لولا الرضاء الكامل للقيادات الكردية العراقية التي سعت أنقرة إلى التقارب معها خلال السنوات الأخيرة على حساب الحكومة المركزية، بالعزف على وتر طموحها الجامح إلى الاستقلال، والعمل على تعزيز ما من شأنه زيادة قوتها، وما يعطيها نفوذا يتجاوز المسائل المحلية الإدارية إلى صياغة علاقات مستقلة سياسية واقتصادية مع دول أخرى، والاستئثار بالثروات التي تقع تحت الأرض التي تسيطر عليها، والاستقواء بهؤلاء المقاتلين الأكراد في أية مواجهة مقبلة مع حكومة المالكي .

ومن الملاحظ أن كثيراً من القوى السياسية العراقية، وإن رحبت باتفاق السلام بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة، إلا أنها صعدت من مخاوفها تجاه خطورة استقرار هؤلاء داخل العراق باعتبارهم مقاتلين أجانب لا يمكن ضبط حركتهم ولا تسليحهم، ما قد يؤثر بقوة في الوضع الأمني المختل أساساً، فضلاً عن انتهاك السيادة واستضعاف الحكومة المركزية، غير أن تأخر رد الفعل العراقي، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، وتباين مواقف الكتل السياسية المختلفة، كل حسب مصالحه وارتباطاته الخارجية، وعدم التوحد تجاه تلك القضية الحساسة، مؤشر إلى أن الموضوع سيمر كأمر واقع، وإن سعى كثيرون إلى تسجيل موقف سياسي بلا أثر فعلي على الأرض .

وفي ظل الصراعات الداخلية المستفحلة، وفشل حكومة المالكي في مواجهة التحديات الأمنية بشكل خاص، والتوصل إلى مصالحة وطنية، وحديث القادة السياسيين من تيارات مختلفة عن انهيار العملية السياسية في العراق، وعودة شبح التقسيم العرقي والطائفي بقوة من جديد، والمواجهات الدموية، ولغة التفجيرات، فليس من المتصور قيام الحكومة العراقية بإجراءات عنيفة ضد تركيا ذات طبيعة رادعة، أو حتى باتجاه هؤلاء المقاتلين الأكراد ذوي الخبرة القتالية العالية والتسليح .

ومن الصعب تصور قدرة القوات الأمنية والعسكرية المستنزفة قواها داخلياً حالياً، على حصار مقاتلي حزب العمال الكردستاني، أو طردهم خارج العراق، ولن تسمح بذلك لا القوى الكردية العراقية بحكم التعاطف التقليدي بين أبناء العرق الواحد، ولا أمريكا التي باركت هذه التسوية الأخيرة، والتي مازالت لها كلمة مسموعة في العراق .

ووفق هذه المعطيات، فمن المتوقع أن الأمر سيتوقف عند الشجب والإدانة والتحذير من تداعيات هذه الخطوة الأحادية، حتى وإن أخذ في جانب منه شكل التحركات الديبلوماسية الجدية، لكنه لن يتطور باتجاه قطع العلاقات مع تركيا أو محاربة حزب العمال الكردستاني، خاصة في ظل الانشغال بصراعات الداخل التي لا تنتهي، وأزمة الثقة بين كل اللاعبين السياسيين، وعدم القدرة على ترميم التحالفات السياسية السابقة التي خلقت قدراً من الاستقرار في وقت ماضٍ .

وفي الأخير، تبقى مخاطر وجود مقاتلي حزب العمال الكردستاني حقيقية، وإمكان تورطهم في الصراعات الداخلية العراقية وارد، خاصة في المناطق المتنازع عليها مثل كركوك، أو حتى توظيفهم باتجاه زعزعة الأوضاع في دول الجوار، والأخطر في هذه القضية تأكيد هشاشة الوضع السياسي والأمني، وعدم قدرة الحكومة المركزية على حماية سيادة العراق، ووقف العبث الخارجي بأراضيه ومصالحه، ما يستدعي وقفة لمراجعة هذا الخلل الجسيم، وبحث سبل إعادة بناء نظام سياسي يكفل للعراق وللعراقيين الأمن والاستقرار ومواجهة التحديات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اعطني مثالا واحدا لاغير !!
نصير ( 2013 / 5 / 25 - 00:47 )
الاخ الكاتب اعطني مثالا واحدا فقط دافعت فيها الحكومة المركزية ليست عن حقوقها فقط بل عن ..كرامتها وسيادتها !!

اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو