الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماركس وفوكو والصراع أو الحرب

عبدالله بير

2013 / 5 / 25
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يعيد فوكو في كتابه، والذي قام بترجمته الدكتور حسين الحاج الصادر من قبل " مجد المؤسسة الجامعيّة للدراسات والنشر بيروت،والذي هو عبارة عن مجموعة مقالات تلخص لفكره تسليط الضوء على محاضرات التي القاها في كوليج دي فرانس والتي تتحدث عن السلطة ، والعقل ، والمرض ، ثم الجنون و الجنس ....،فضلاً عن تلسيط الضوء على كتب مثل ( المراقبة والمعاقبة ، تاريخ الجنس و حفريات النعرفة .....الخ) .
يبدا الكتاب بمقالة لتوماس ليمكي و ينتهي بمقالة لجاك بيديه. اي ان قارئ لأعمال فوكو، الذي هو من مؤسسي مدرسة البنيوية الفرنسية ، يطلع على موضوعات التي تتعلق بالمجتمع و تطوره بعيداً عن الجدليّة الماركسيّة . كما ان قارئ لأعماله سيجد بعض المصطلحات الماركسية كالربح ، الانتاج ، علاقات الانتاج، نمط الانتاج و قوة العمل إلا انه يحاول الابتعاد عنها و ايجاد نظرية خاصة به، فمثلا في مبحث السلطة يتصور فوكو على انّ السلطة كانت و لاتزال و ستكون موجودة مادام الانسان موجوداً ، ولعل السبب (حسب فوكو) انّ اي تجمع انساني مهما كانت صغيراً او كبيراً بحاجة الى مجموعة قوانين و شروط لإدارة نفسها وهذه ستكون بشكل او باخر سلطة . إذ انّ السلطة عند فوكو تتطور و تتحول من حالة الى اخرى دون ان يكون هناك تأثير على كيفية ادائها . حسب فوكو بانّ السلطة صُنعت بالأساس من قبل الانسان لخدمة نفسه و تُنظم حياته و ضبط غرائزه البشرية التي تحاول دائما الخروج من السيطرة و فعل ما يريد. هنا يبدأ الاختلاف بالظهور بينه و بين ماركس الذي يتصور الأخير السلطة على انّها اداة بيد طبقة معينة لقمع طبقات أخرى للمجتمع حسب نظام الرأسمالي "، وبد ان فوكو يطرح مسالة توزيع السلطات حسب استراتيجيات معينة دون ان تكون هناك تراكم سلطة في مكان معين لأن " تراكم السلطة(من وجهة نظر فوكو) يعني تراكم المقاومة لسلطة اي رد فعل طبيعي لممارسة السلطة حيث يكون ذو تأثير قوي و خطر على النظام" .
يقسم فوكو تأثير السلطة على الفرد على النحو التالي : اولا الفرد الذي يكون ذاتا فعالة في النظام يخضع لتأثير قمعي يمارسه النظام عليه من خلال المؤسسة التي ينتمي اليها و تقوم هذه المؤسسة بإعادة انتاج هذه الذوات حسب الطرق و الادوات الانضباطية التي تمتلكها . ثانيا الدولة بالنسبة لفوكو هي تجسيد للعلاقات الاجتماعية للسلطة لذا فان تحليل السلطة مهم في فهم علاقات السلطة و كيفية اعادة انتاج هذه العلاقات ، من خلال هاتين النقطتين نستطيع فهم اشكالية فوكو في نقد الليبرالية.
يلتقي فوكو بماركس من خلال مسالة الصراع التي يسميها ب(الحرب ) اي مقاومة الذات لعملية اخضاع من قبل السلطة و محاولة الخروج من سيطرتها. لكن الخطاء الذي وقع فيه هو انه لا يستطيع تحليل علاقات السلطة و عمليات الانضباط و الترويض للفرد خارج السلطة نفسها اي انه لا يستطيع التفكير خارج شكل السلطة . لذلك يلجا الى ماركس في مسالة صراع الطبقات داخل المجتمع و يحاول دراسة الصراع من خلال بعض المصطلحات كالحكومة و الدولة و القانون و القيادة و الزعامة والفقر و الغنى في شكل الدولة .
من خلال هذا التحليل يحاول فوكو الوصول الى السلطة بالأشكال الاتية ، الدولة كسلطة حيوية تمارس الانضباط و اضفاء الطابع الحكومي على السلطة . وهناك رد فعل من قبل الذات لمقاومة عملية الانضباط و الحرب الدائرة بين السلطة و الذات ، ياتي دور الحكومة في الحفاظ على التوازن و عدم توسيع دائرة الصراع. من هذا المنظور يطرح نظرية الحاكمية في الدولة (نيو ليبرالية ) يعني ذلك ان تدخل الحكومة ليست ممارسة سلطة مباشرة بل مراقبة الذوات و نقل المسؤولية من الدولة الى الفرد في كونه جزء من الاستراتيجية ، وهذا بالتالي يؤدي الى تكوين اشكال و مستويات الدولة لم تكن معروفة من قبل . ان الاستراتيجية لمثل هكذا نمط من الحاكمية تهدف الى اعادة انتاج حالات التناظر الاجتماعي و اعادة ترميز لأليات الاستغلال و السيطرة الاجتماعية.
ان طرح نظرية الحاكمية من قبل فوكو هي مسالة ذو اهداف سياسية اكثر منه اقتصادية، بالتالي يؤدي الى حصر السوق في ايدي قلة سياسية ومن هنا يتعارض فكر الفوكوي مع النظرية الماركسية اي فصل السياسة عن الاقتصاد و السوق ، اي من غير الممكن تحليل القوانين الاقتصادية من منظور عملية تحول العلاقات الاجتماعية للسلطة. حسب هذه الرؤية انه عندما تتنازل السلطة عن شيء ما للفرد ( الذات) او للمجتمع على انه اخرج نفسها منها بل هذه العملية تعتبر استراتيجية السلطة في اعادة صياغة علاقة الدولة بالمجتمع عن اعادة انتاج تلك العلاقة بشكل افضل .
ان عملية الانضباط التي يتحدث عنها ذات اهداف غير واضحة ، لذلك يلجا الى النظرية الماركسية لاستعارة بعض المفاهيم كالاستغلال ونمط الانتاج الرأسمالي و اعادة علاقات الانتاج للخروج من المأزق و في هذه الحالة يكون فوكو قد اسس نظريته على الاسس النظرية الماركسية . واذا تم حجب المفاهيم الماركسية عن نظريته ستكون عبارة عن فكرة اي ايديولوجيا وليست نظرية مستقلة.
ان ابراز مسالة الانضباط في متوالية ( جسم – سلاح) ( جسم – اداة ) (جسم – الة ) يرى فوكو ان السلطة تمارس سلطته عبر عدة قنوات يسميها بالمؤسسات الانضباطية و لا يفرق بينها سواء كانت (سجن – معمل – مستشفى ...الخ) جميعها ذات طابع مشترك ، بغض النظر عن اختلاف تكنولوجيا الانضباط بفصل الجسم عن الموضوع حيث تقوم كل مؤسسة بإنتاج جسم يطابق اهدافها.
يعتبر فوكو عملية المراقبة ذو بعدين حيث ان الفرد في اي مكان يشغله في السلسلة الاجتماعية مُراقِب و مُراقَب وهذه العملية تكون هرمية و متسلسلة في جمع المعلومات و تكوين المعرفة . ان عملية المراقبة او طوي الجسم في حلقة معينة ذات هدف معين يصطلح عليه فوكو قيمة الجسم حيث يحاول مرة اخرى الابتعاد عن المصطلحات الماركسية كالربح و المنفعة كهدف نهائي لعملية الانضباط و يحاول جعل الانضباط الهدف النهائي من عملية المراقبة بتكوين " مجتمع منضبط" .
يرى أن عملية الانضباط او الرقابة عملية اجبارية يخضع لها كل فرد في المجتمع و يجد نفسه تحت تأثير احدى مؤسسات الرقابية وهي بالتالي سلسلة واحدة و هناك رابط مشترك بين كل هذه المؤسسات و هي بدورها تبرر المراقبة بانها عملية اخلاقية مرتبطة بأهداف سياسية او دينية و هي فوق العمليات الاقتصادية . كما أنه يناقض نفسه في تحليل عملية مراقبة العامل في عصر الرأسمالية لإبعاده عن العمليات التي تهدر طاقاته ( كسكر و السهر ...... الخ ) وعن كل العمليات الغير الانتاجية التي تسبب في خسارة الانتاج و تقليل من ربح الرأسمالي . ان تطور عملية الانضباط مع تطور المجتمع لتأثير على سلوك و جسم الفرد بصفتهما حاملي قوة العمل . كما أنه يؤكد بان عملية الانضباط مهمة في المرحلة الرأسمالية وهذا ما ادى الى خلق وجهان لها " المراقبة و المعاقبة " و مهمتهما اعادة انتاج علاقات الانتاج و صيانة هذه العلاقات ، بحيث تكون مهمة المراقبة حماية رأسمال ضد التصرفات اللاشرعية ، كما ان مهمة المعاقبة هي خلق استعداد لدى العمال كي ينتجوا اكثر و يعملوا على تقوية قوة العمل ، هذا ما اهمله فوكو وجعل هدف الانضباط مسالة اجتماعية بدل ان تكون اقتصادية . من جانب اخر ان عملية اعادة انتاج علاقات الانتاج يعني ان هناك علاقات انتاج موجودة لا تفي بالغرض ويجب تجديدها وهذا لب موضوع الجدلية الماركسية و التطور الاجتماعي لعلاقات الانتاج ، ولكنه لا يحبذ هذه العبارة ويربط مسالة المراقبة بمسالة الاخلاق اي اضفاء طابع اخلاقي على مؤسسات الدولة و ضبط الفرد لاستخدام طاقاته بشكل سليم ومنعه من هدر تلك الطاقات بدون ان يكون هناك مقابل . تمر المراقبة بالنسبة له بمراحل يكون اخرها السجن او الاحتجاز من الضبط الاجتماعي و ان الفرد الذي لم يمنعه العقود اوالقيود او الاليات الاجتماعية القسرية اخرى من فعل ما يخالف القانون يقوم به السجن لمنعه.
الفرد بطبعه كائن اجتماعي و نتيجة لتأثيره وتأثره بالوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه ومن خلال تحليل الانفعالات الاجتماعية نفهم ان الفرد " ذات " منتج من قبل الاشكال الاجتماعية التي ينمو فيها ويتطور و يبقى الفرد خاضعا لها بحيث يفقد جزأ من قوته . خضوع الفرد " ذات " للأشكال الاجتماعية يبقى هشا في داخله حيث يكون مقيدا بالقوانين الاجتماعية السابقة على وجوده و التي لها حياتها الخاصة بها ويجب ان يخضع لها الفرد. علمية الخضوع هذه هي عملية سلب ارادة الفرد من قِبل النظام الاجتماعي و قوانينه و يتولد لدى هذا الفرد رغبة في التحرر منها . و الفرد في هذا الصراع او ما يسمى بالحرب عند فوكو يكون منقسم على نفسه من خلال خضوعه لقوانين من جهة ، ومحاولة التخلص منها من جهة اخرى . مع ذلك هناك ارتباط بين الفرد و السلطة في النظام الاجتماعي و كليهما بحاجة الى هذا الارتباط حيث تمارس السلطة سلطتها على الفرد و الفرد يمارس فرديته للتخلص من السلطة و العلاقة هنا تكونية للذات و السلطة . هناك شكلان للعلاقات بين الفرد و السلطة ، الاولى تسمى السفح الداخلي و هي قوة ارتباط الفرد بالسلطة . الثانية تسمى السفح الخارجي وهي قدرة السلطة على انتاج تصرفات و تمثيلات ذهنية للذات في النسيج الاجتماعي . من خلال هذه العلاقات المتشابكة و المتبادلة اللامحدودة حيث يساهم احدهما تقوية الاخر في اطار تبعيتهما المتبادلة ، بحيث ان السلطة ليست ذات قوة الا اذا تم تطويرها ذهنيا من قبل الذات. كما ان الذات ليست ذات قوة الا اذا كانت مستندة الى السلطة. و حسب هذا الراي ان السلطة و الذات في علاقة جدلية يتم تطوير كليهما معا . من ناحية ثانية علاقة الفرد بالسلطة علاقة تبادلية تنطوي على انشطار الفرد في ذاتيته بين الرغبة في الارتباط و التعلق بالسلطة و بين فك الارتباط و الابتعاد عن السلطة و مقاومتها .ان عملية الارتباط يعني تعلق الفرد بالسلطة وهو يؤدي الى تشكيل الوعي عنده حيث يولد الفرد في مجتمع وهو خاضع لسلطته. في هذه الحالة يواجه الفرد استدارة مزدوجة لذاته و نحو قانون المجتمع و تصطدم هذه الاستدارة برد فعل مقاوم تمثل انفصال و وجدان الاجتماعي لدى الذات وتسمى السوداوية . عند تحليل السوداوية نكتشف ثلاثة عناصر ، قدرة السلطة في ابقاء الذوات ضمن اطارها ، طريقة ممارسة السلطة لهذه القدرة ، التفسير كطابع تكراري خاص بالذات في قبول ورفض المفتوح . بحسب هذا التحليل السوداوية تعني عملية قيام السلطة في اخضاع الفرد كليا تحت سيطرتها لانتخاب ما هو جيد و مفيد لها ، واستئصال ما هو ضار وغير نافع حسب رايها و يشمل الجوانب الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية.
هناك محور اخر يتناول الجنون و تاريخ العقل من محاور مهمة بالنسبة لفوكو حيث يرى ان مسالة الجنون مهمة لمعرفة تاريخ العقل البشري ، يهتم كذلك بدراسة العقل من الداخل لان برايه اي محاولة لدراسة العقل من الخارج يصبح موضوع تاريخي دون ان تكون هناك اي فائدة في الدراسة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟