الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الامبريالية والفاشية

كاظم محمد

2005 / 4 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


الأمبريالية والفاشية
كاظم محمد

من المعروف أن الرأسمالية كمرحلة متقدمة من مراحل التطور الأقتصادي للبشرية قد حققت سبقآ وتقدمآ في عدد من المجتمعات الأوربية خلال القرنيين الماضيين ، وبسبب من طبيعة الرأسمالية وقوانينهاالأقتصادية وتفاعلاتها، دخلت في أزمات أقتصادية عميقة وعنيفة، لم تجد مخرجآ لها إلا بتصديرها خارج حدودها الجغرافية وبأشكال مختلفة ، كانت أبرزها وأشدها عنفآ الحربان العالميتان الأولى والثانية .
لقد أندلعت هذه الحروب تحت عناوين وشعارات وإدعاءات في حقيقتها بعيدة كل البعد عن الأسباب الحقيقية لأندلاعها . من خلال أرتباط هذه الأسباب بالأزمة البنيوية للرأسمالية وطبيعة علاقات الأنتاج السائدة في مسيرتها التاريخية ، والتي تشير الى مرحلة جديدة من مراحل الأرتقاء البنيوي ، ليس في هيكلية محددة وأنما في جوهر العلاقة الأستغلالية التي تحكم هذه الأزمة البنيوية .
لقد ترافق ذلك في أنقسامات عميقة في المجتمع الدولي كنتيجة طبيعية لصراع طويل بين من يستغل ومن يُستغل ، وبرزت على خارطة الحياة السياسية دول وشعوب تنتهج نهجآ مستقلآ وجديدآ، عبر محاولاتها بناء نمط أقتصادي سمي بالنمط الأشتراكي لم تكن ملامحهُ وتطبيقاته معروفة سوى بجانبها النظري، وبرزت كذلك شعوب أصبحت تناضل وتصارع من أجل التخلص من الهيمنة الأستعمارية المباشرة والهيمنة الأقتصادية .
وارتباطآ بطبيعة هذه الأزمة البنيوية للرأسمالية ، فأن قدرة الرأسمالية كنظام أقتصادي مع قدرة أمكانية قمة هرمه السياسي على المناورة بتجاوز بعض الهوامش في هذه الأزمة أو القفز عليها ، واردآ في ظروف ومناخات دولية معينة والتي لاتلغي جوهر هذه الأزمة ولا طبيعة الصراع بين التوجه الأستغلالي للرأسمالية وتوجه الشعوب نحو التحرر الأقتصادي والتخلص من الأستعمار المباشر والغير مباشر والهيمنة السياسية وسعيها لبناء أنظمتها ذات التوجه المستقل .
أتخذ ويتخذ الصراع بين الدول الرأسمالية وكارتلاتها الكبرى من جهة وبين شعوب البلدان المكافحة من أجل التحرر والبناء والديمقراطية من جهة أخرى ، أشكالآ وانماطآ مختلفة ، مرتبطآ بطبيعة المرحلة السياسية وتوازن القوى وجغرافية المناطق العالمية والموارد الطبيعية ، وهذا ما يحدثنا عنه التاريخ القريب لبلدان وشعوب كرتنا الأرضية .
بعد الحرب العالمية الثانية دخلت الأمبريالية الأمريكية بقوة إلى الساحة الدولية ، بعد أن أُزيحت بريطانيا التي كانت لها اليد الطولى في هذا النظام العالمي ، وخاصة بعد أن خرجت منهكة من الحرب ، ليسود استخدام النفط بدلآعن الفحم ولتحل الأسلحة الفتاكة محل المدفع والبارجة ، واخذت القواعد الأمريكية تنتشر لتحل محل المستعمرات البريطانية وبنفس الوقت صعد نجم الدولار ليحل محل الجنيه

لقد أفرزت الحرب نتائجها بأصطفافاتها المعروفة وتفصيل سياساتها الدولية والعسكرية في ظل نفس النظام الرأسمالي لكن بترتيب عالمي جديد أزاح مؤقتآ الهيمنة الأمبريالية وخلق قطبآ منافسآ ومتحديآ صدّ وحدّ من المارد الأمبريالي وشهيته في السيطرة والأستغلال .
لقد ولدت الأمبريالية من رحم الرأسمالية وقوانينها الطبيعية ، لتحد من المنافسة الحرة كقانون أقتصادي رأسمالي ، بدأ يتلاشى ، ولتدخل الرأسمالية مرحلة جديدة هي الأحتكار والتكتل وخلق الكارتلات التي تتحكم في السوق وعلى نطاق واسع ولتخلق وتولد بنفس الوقت قيمها الأجتماعية الجديدة وقوانينها الوضعية الحديثة ولتؤسس لسياسات دولية تعكس شراهة وشهية رأس المال للربح والسيطرة .
وخلال هذه المرحلة التي لازلنا نشهدها تداخلت وتشابكت الدولة كمؤسسة مع الكارتلات ومؤسسات المال الصناعي والعسكري الكبرى ، وأصبح أصحاب المصالح هم المسيرون لشؤون وسياسة الدولة الأمبريالية ، وبذلك أصبحت الدولة تمثل وتعكس المصالح الحيوية لهذه الطغمة الأحتكارية وأداتها وعصاها الغليضة في تأديب ( الدول المارقة ) لوضعها على ( سكة الديمقراطية ) ، وتماشيآ مع هذا النهج الأمبريالي ، صاغت مؤسساته الأقتصادية والثقافية والفكرية والأعلامية الهائلة المسوغات الأيديولوجية والقيم الأجتماعية ومفاهيمها لتضخها في الخطوط العامة والجزئية لسياسة الدولة الأمبريالية المعبرة عن مصالح طغمة رأس المال والتي أرتضت مجبرة بما أفرزته نتائج نضال شعوب الكثير من البلدان في الأستقلال وانتهاج طريقها الخاص بعيدآ عن الهيمنة والتسلط ، ومترافقآ مع التوازنات الدولية الجديدة أثر الحرب العالمية الثانية وبروز القطب العالمي الجديد .

فرضت سياسة تعدد الأقطاب وضعآ دوليآ جديدآ وسياسةً دولية مختلفة مهدت الطريق لتفاهمات بين الأقطاب ضمن أطار الصراع المستمر ، وقد برزت هذه التفاهمات والترتيبات بأقامة منظمات الشرعية الدولية ، وُأقرت القوانين الدولية والأنسانية لتعبر عن عصر التعددية الدولية في ظل صراع طبيعي بتضارب المصالح الحيوية ، فوجهت الضربات لحركات التحرر وعزلت الصين عن الأتحاد السوفيتي وأنهارت قلعة (الأشتراكية) لتبدأ ملامح عصر جديد لهذا النظام العالمي ، الهيمنة فيه لدولة الأمبريالية الأمريكية ، وبذلك برزت المحاولات لترسيخ خصائص هذا العصر الأمريكي في مجال السياسة الدولية بأسر وأستيعاب منظمات الشرعية الدولية وأستغلالها لأضفاء الشرعية المطلوبة بحدودها الدنيا لعبث وسيطرة وأستغلال الشركات الكبرى عبر دولتها الأمريكية وأدارتها الممثلة لها .
وحتى تنجز هذه الأمبريالية وأدارتها السياسية مهمتها في السيطرة وأستغلال موارد وثروات البلدان الأخرى ، وتحقق أهدافها السياسية ، لابد من شرعنة أخلاقية وسياسية وفكرية وحضارية وبيافطات عريضة لعناوين ( حقوق الأنسان ، الديمقراطية، محاربة الأرهاب ، القضاء على أسلحة الدمار الشامل ) ، حيث سخرت لها ماكنتها الأعلامية الهائلة والأموال الطائلة والأمكانيات التقنية والبشرية الكبيرة ، لتهيئ العقول وتخلق الرأي العام المتقبل للتحرك القادم لجيوشها وعسكرها ، أن الأمبريالية في مسعاها الدولي والمحلي هذا ، أستخدمت وتستخدم التزييف والخداع والكذب وفبركة المعلومات والأحداث ، وبنفس الوقت لم تتورع أبدآ في الأستخدام الوحشي لأسلحتها المتطورة وممارسة أساليب فاشية في التنكيل والقتل والتعذيب .
لقد كان للأرتزاق وخلق جيوش من المرتزقة المنظمة والمدربة للقتل والتنكيل والقيام بالمهمات القذرة صفة لازمت ولحد الان الأدرات العسكرية لوزارت الحرب الأمريكية ، لما لها من أهمية خاصة في العمليات العسكرية والأمنية لجيش الأمبريالية في تحقيق أهدافها السياسية والأقتصادية التكتيكية والأستراتيجية ، وهذا ما برز في حروب الأمبريالية الأمريكية في فيتنام وبعض دول امريكا الاتينية كالهندوراس وبنما وكوبا ونيكاراغوا وغيرها حيث مارست قطعان المرتزقة عمليلت أبادة وقتل وفاقت في ممارساتها الفاشية كل ممارسات النازية الألمانية ، وضربت عرض الحائط كل القوانين الأنسانية والتشريعات الدولية فيما يخص حالة الحرب .
أن سعي الأمبريالية الأمريكية بأنشاء جيوش المرتزقة العسكرية ترافق مع ايجاد الأصوات السياسية والأعلامية من ابناء هذا الهدف الجغرافي أو ذاك ليكونوا ( المُمهد الوطني ) لما هو قادم ، أنهم الطوابير الخامسة السياسية والفكرية والأعلامية، التي رباها وسمنها وثقفها هذا الوحش الأمبريالي لتكون ( أداته الوطنية ) في تنفيذ سياسته وخدمة مصالحه ، وهذا ما نراه ونشهده في افغانستان والعراق .
أن أكثر أوجه ( المُمهد الوطني ) خطورةً ، أي الذي ركزت الأمبريالية على كسبه ، هي أنها أستوعبت بالترهيب والشراء بعض فصائل قوى التحرير والتغيير السابقة ، يسارية أو دينية ، قومية أوليبرالية ، لتغدو واعظ السلطان الفاشي الجديد .

أن الفاشية هي بحد ذاتها ممارسةً ينميها ويدعمها مسلك ونهج فكري يستند على المصالح الطبقية والأجتماعية للقائمين عليها ، ويشهد تأريخنا القريب بأن الأمبريالية وأداراتها السياسية لم تتورع ولن تتورع اليوم بأرتكاب الجرائم الكبرى لوأد ضدها الطبقي والسياسي ، لو وقف في طريق جشعها الرأسمالي ، وعليه فأن الأمبريالية مستعدة لسحق القيم والمبادئ الأنسانية وممارسة الدجل السياسي وخلق الأوهام وأستخدام أكثر الوسائل قرفآ ، وأحط الأساليب القذرة ، والكذب على شعوبها وشعوب العالم مستخدمةً أمكانياتها الهائلة ومستفيدةً من كونها القطب الأقوى بعصاه الغليظة ومستعدةً لتدك بأسلحتها المتطورة ، المدن وتقتل الألاف وتغزوا البلدان ولتمارس هناك أبشع الممارسات الفاشية بعزل السكان ومحاصرة المدن وأمتهان كرامة الأنسان وحريته ، عبر زج الألاف وراء الأسلاك الشائكة وأستخدام أقذر وسائل التعذيب النفسي والجسدي وهذا ما شهده ويشهده العالم في العراق والشواهد والأدلة تحتفظ بها مدن وشوارع العراق وسجونه القديمة والجديدة ومقابره التي توسعت بمئات الألوف من أجساد العراقيين .
لقد أرتكبت أدارة بوش وتابعه بلير جرائم حرب كبرى جسدت فاشية الأدارات السياسية للأمبريالية ، وهي جرائم أقترفتها هذه الأمبريالية في اليابان وفيتنام وأفغانستان وفلسطين ، حيث اقترنت كما هو الان في العراق بمحاولة ضرب وطنية مواطن هذه البلدان وتهديم ثقافته الوطنية والقومية وتجفيف منابع هذه الثقافة وتدميرها عبر ضرب وقصف وسرقة رموزها من متاحف ومكتبات ، أن سرقة المتحف العراقي وأمام أعين المحتل جريمة من جرائم العصر ، لقد حرقت المكتبة الوطنية ودمرت مكتبة القران الكريم والارشيف الوطني أضافة إلى إستنزاف الثروة الفكرية والعلمية عبر قتل وتشريد العلماء والأكاديمين ، لقد ضربت أمبريالية الولايات المتحدة مدينتي هيروشيما وناكازاتي بالقنابل النووية لتجرب سلاحها الجديد ولتثير الرعب ولتعلن عن ولادة الدولة النووية ولتقتل اكثر من ربع مليون انسان في دقائق ، حيث لازال اليابانيون يعانون من اثار هذا الدمار النووي ، وها هي الأمبريالية وجيشها في العراق أستخدم اليورانيوم المنضب ويستخدم الأسلحة المحرمة دوليآ ، ليجد شعبنا نفسه يعاني من اثاره الكارثية ولتصبح مناطق كثيرة في بلدنا ملوثةً بأشعاعات اليورانيوم .
في الوقت الذي يحاول فيه ( المُمهد الوطني ) أيهام الناس بأن عصرنا يشهد التحرير الأمريكي ، فهو إنما يغطي بأدعائه على جرائم العصر الأمبريالي الأمريكي ، يغطي على فاشية رأس المال الأمبريالي الذي يدوس بالأقدام كل القوانين البشرية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من