الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين و التدين في المغرب

حميد المصباحي

2013 / 5 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


الديانات حاجة روحية,و تعبير ثقافي عن الوجود الإنساني,تختلف أشكاله باختلاف الثقافات و الحضارات,يتأثر بحالات المجتمعات,فهما و طقوسا,ما بين التجديد و الجمود,ما بين التسامح و التطرف,مما يعني أن الديانات مهما كانت درجات قدمها و مقاوماتها للتجديد,تنفتح عليه,و تفرض على نفسها الإستفادة من المتغيرات دون التصريح بذلك,حتى تحافظ على درجة التفاعل معها اجتماعيا,رغم أن رجالات الدين,حفاظا على حضورهم المرجعي,يسعون لتصوير الديانات,كفكر جامد,قيمته و أصالته في الحفاظ على اجتهادات السابقين إليه,و اعتبارها جوهرية فيه,و بعبارة أخرى,تعمد عدم التمييز في الدين كشرع,بين النصي فيه الثابت,و المتغير كاجتهادات بشرية تم الإختلاف حولها,و تفاوت الترجيح فيها بين الفقهاء و أهل التفسير و أهل الكلام من المفكرين و الشارحين لآيات القرآن.
فهل يمكن الحديث عن طريقة خاصة لتمثل المغاربة للدين الإسلامي؟
بماذا تتميز عن غيرها في المجتمعات العربية و الإسلامية,و غير المسلمين في الحضارات الأخرى؟
ما هي أسباب هذه الطريقة في التدين و أبعادها الثقافية و التاريخية؟
1الدين في المغرب
عرف المغرب الديانات,الموحدة و حتى غير الموحدة,فقد كانت اليهودية قبل الإسلام,في صيغتها العتيقة,بل هي نفسها لم تدخل في صراعات ضد طقوس الناس حتى السابقة على الديانات الموحدة,و عندما امتدت الديانة الإسلامية للمغرب,حسب المؤرخين,أفهمت بما لا يتعارض مع التقاليد المغربية,بحيث بدا الإسلام من خلال ناشريه دينا متسامحا,و ليس عبوسا كما اقتضت تقاليد المشرق العربي,ولا زاهدا فيما هو دنيوي,أو حاثا على التنكر له,بل استحضرت الحاجات و تم احترام ضرورتها للمسلم,لكي يعيش حياة سعيدة,و ربما هذا ما أهل المغرب ليكون منطقة عرفت بالإتجاهات العقلانية التي انتشرت في الفكر الديني الإسلامي,من حيث رحابة صدر الفقهاء و انخراطهم في خلق المصالحة بين الأخروي و الدنيوي,فكانت الحياة المستقيمة أخلاقيا,دليل على سلامة الطوية,فلم يعرف المغرب طائفية منغلقة,حاثة على احتقار الغير,و لم تظهر فكرة التكفير إلا مبررا لتصفية الخصوم السياسيين,تلك المعارك التي كان المجتمع المغربي يقحم فيها من طرف رجالات السلطة,للإنتقام من خصومهم,أو التحريض على الأجنبي عندما امتدت أطماعه للتراب الوطني,فاجتماعيا,نلاحظ حفاظ المغاربة على الفرح في أوج المناسبات المبكية في الأعياد الدينية,بل حتى طقوس الموت نفسها,نجد الناس,يختلسون لحظات لإفراح أهل الهالك و التفريج عنهم,و جذبهم لمشاركة الجماعة طعامها,بل هناك فقهاء,اعتبروا أن البكاء المبالغ فيه على الميت,يتسبب في عذابات له.
2التدين ودرجاته
أدرك الفكر المغربي أو حتى اليومي,أن التدين فيه تفاوت بين المسلمين,و مع ذلك فإن فكرة التفرغ له و الزهد الكلي فيما عداه غير مقبول دينيا,فهناك طقوس لا يمكن التفريط فيها,مثل الصوم و عيد الأضحى,أما ما عداها فحسب درجات الأيمان و القدرات الجسدية و حتى المادية مثل الحج,فلا أحد يلزم إلا بما يقدر عليه,عدا النصيحة الواجبة لطالبها,و له حق الأخذ بها أو تركها,فجزاء الإنسان متروك لله,هو وحده المحاسب للعباد و المجزي,حسب طبيعة الأفعال,بشرها و خيرها,كما أن مغفرة الله سابقة على عذابه,و لذلك ينظر المغربي لنفسه و غيره,نظرة فيها الكثير من المساواة أمام الله,عدا المقربين من الله,من أنبياء و صالحين و متعبدين و ذوي البركات,و كأنهم يؤكدون على الأفعال,وفق المأثور الديني,إنما الدين المعاملة,فالمسلم الحق بمعاملاته و ليس فقط بعباداته,كانت كل هذه التمايزات نتاجا لتاريخ طويل من التعرف على ديانات مختلفة,و كذا القيم التي تعرف عليها المغاربة من خلال الدول التي تعاقبت عليه,و تركت آثارا في الذهنية و السلوكات العامة المشتركة.
3التدين و أشكاله
لا أحد ينكر,في المغرب أشكالا متعددة من التدين,منها الشكل الإجتماعي الشعبي,في بساطته,و انفتاحه على الحياة الخاصة و العامة,من خلال تبسيط الفقهاء للممارسات و الطقوس,و تجنب الغلو فيها,كما أن هناك التصوف,الذي تعتبر الزوايا تجسيدا مغربيا خاصا له,بأذكارها المحببة للتقرب من الله,من خلال الإعتراف بذوي الحضوة من الشيوخ,المحتلين لمرتبة سامية,فهم بمثابة المعلمين لكيفيات التقرب من الروح,و رفع الحواجز التي تمنع المتعبد من تحقيق تحييد النزوات الجسدية,بحركات موحية,مطهرة و مريحة للذات و مخلصة لها من كرب الدنيا و ملاهيها الحاجبة للصفاء الروحي,بعيدا عن التباكي,مما يخلف انطباعا,على أن التصوف بالمغرب من خلال الزوايا,لم يكن تفرغا للعبادات,كما عرفه المشرق العربي,و لا استبعادا للجسد بغية إلغائه,و قد اتسم التصوف الزووي المغربي,بحياديته المعلنة,تجاه الصراعات السياسية,ليقف سدا منيعا ضد تسييس الدين أو تديين السياسة,رغم المواقف التي كانت للزوايا أثناء الإستعمار الفرنسي,و بعد الإستقلال,حيث يزعم أن الزوايا شاركت في تجييش الناس ضد هذا الحاكم أو ذاك.
خلاصات
لم تدم هذه الحالة طويلا,فقد استخدمت الديانة الإسلامية,أو لنقل إحدى تأويلاتها,ضد المعارضة,و فيما بعد حتى ضد الدولة نفسها,مما يعني انحسار الإجتهاد المغربي في كيفيات التدين,و ظهور أشكال وافدة مكفرة للمجتمع و الناس,في البداية,لتتوج مسيرتها بظهور العنف الديني السياسي,الراغب في قلب نسق القيم و الرغبة العارمة لتملك السلطة و تجسيد دولة الشرع و الشريعة على الطريقة الوهابية أو الإخوانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل كان علال الفاسي والمختار السوسي وهابيين؟
عبد الله اغونان ( 2013 / 5 / 28 - 09:17 )

اية معارضة
الاشتراكية أم الماركسية؟
هي أيضا وافدة وغيرأصيلة لدى المغاربة
كلنا وهابيون اذ الامام مالك ليس من موسكو

اخر الافلام

.. غموض يلف أسباب تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟ • فرانس 24


.. التغير المناخي في الشرق الأوسط: إلى أي مدى مرتبط باستثمارات




.. كيف يسمح لمروحية الرئيس الإيراني بالإقلاع ضمن ظروف مناخية صع


.. تحقيق لـCNN يكشف هوية أشخاص هاجموا مخيما داعما للفلسطينيين ف




.. ردود الفعل تتوالى.. تعازى إقليمية ودولية على وفاة الرئيس الإ