الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضلّلونا بأكثر من مقلب

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2013 / 5 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لقد أمطرونا بجملة من المفاهيم والمصطلحات الجاهزة الرنانة والبراقة، رغم أنهم أخطئوا الطريق وضللونا لغرض في نفس يعقوب. وقد أدى المغاربة الثمن غاليا جد عن هذا التيه المبيت الذي لم تستفد منه إلا كمشة من ساكنة "المغرب السعيد" والقيّمون على أموره.
"قولبونا" بفكرة "اقتصاد المغرب اقتصاد صاعد" خلال سنوات، علما أن الاقتصاد الصاعد في واقع الأمر اقتصاد متطور ومن المفروض أن تستجيب لثلاثة شروط على الأقل، إذ دون توفرها لا يمكن بتاتا الحديث عن منظومة اقتصاد صاعد. وعلى رأس هذه الشروط، وجوب تحقيق نسبة نمو لا تقل عن 7 في المائة، وهذا على المدى الطويل، أي تحقيق هذه النسبة على المدى الطويل باسترسال ودون انقطاع ( عقد على الأقل). وهذا طبعا لم يكن حال مغربنا السعيد في أي وقت من الأوقات، إذ تراوحت نسبة نموه بين 4 في المائة و4 ونصف في المائة. إذن إن اقتصادنا لا يمكن أن يكون اقتصاد صاعد كما ظل صناع القرار عندنا يثقلون أسماعنا بهذا المفهوم. كما أننا عايّنا الكثير من الأحزاب السياسية أدمجت نسبة 7 في المائة كنسبة نمو في برامجها الانتخابية للتعهد بتحقيقه إن تمّ التصويت عليها.
الشرط الثاني يتعلق بحكامة فعّالة وناجعة، وهذا ما ظل مغربنا السعيد يفتقر إليه فقرا مهولا وهو أمر مازلنا نعاني منه رغم كثرة اللغط بخصوصه منذ أن أعلن الملك الراحل الحسن أن المغرب مهدد بسكتة قلبية بعد اطلاعه على تقرير البنك الدولي (1995 – 1996) مؤكدا أن الحكامة المعتمدة حكامة سيئة للغاية. ورغم ذلك ظلت حكامتنا على ما هي عليه عموما.
أما الشرط الثالث – وهو الأدهى والأمر- يفيد أن الدول الصاعدة ( ذات اقتصاد صاعد) ظلت تسير نحو تماسك اجتماعي قوي، وهذا طبعا ليس حال مغربنا السعيد بجميع المقاييس. إن بلادنا فضاء لفوراق اجتماعية حادة هي الأقوى على الصعيد المغاربي، وهذا أكبر عائق لأي تنمية - إنه أمر يعرفه الاقتصاديون جيدا- إذ كلما كانت الفوارق الاجتماعية صارخة كلما كان من الصعب بمكان تحقيق تنمية فعلية، بالأحرى الحديث عن اقتصاد صاعد.
ففي سبعينات القرن أغرقونا بالكلام عن انطلاق قاطرة التنمية ويبدو أن هذه القاطرة انحرفت عن سكتها وتاهت في الطبيعة. أما في الثمانينات خرجوا لنا بمقولة " المغرب التنين" إلا أنه تأكد أنه تنين لا يقذف لهيبا فتمّ التخلي عن هذا المفهوم دون أي تفسير لأن في عرف القائمين على ليس من حق المغربي أن يعرف ما يُفعل به وبمصيره.
والآن سقطت كل الأقنعة وانكشفت الأمور وضاعت خمسة عقود من الاستقلال البلاد على أغلب المغاربة – ما عدا الكمشة طبعا- هباء منثورا. وهذا ما تأكده بجلاء خاصيات منظومتنا الاقتصادية وعوائقها. إن اقتصادنا اقتصاد سوق ، لكنه اقتصاد سوق مرهون بالريع سيما منذ سنة 1983 ، أي منذ أن طلع علينا القائمون على الأمور بالليبرالية والانفتاح. لكن في واقع الأمر – وهذا أمر يعرفه الجميع وكشفته كل التقارير الدولية سيما التقرير الفرنسي سنة 2005 – لا يلعب السوق في منظومتنا الاقتصادية إلا دورا هامشيا وليس أساسيا كما هو الحال في جميع اقتصاديات السوق في العالم. وبعبارة أوضح لا يعمل بقواعد السوق إلا من لا سند لهم ولا "ركيزة" كما يقال. إنه نظام أبوي جديد (" نيوباتريمونيالي")، مهمته توزيع الامتيارات على غير المغضوب عليهم. وهذا يعتبر من أكبر معيقات تكريس اقتصاد السوق فعليا، لأن الليبرالية ليس مجرد آليات يتم وضعها وإنما هي ثقافة يجب تجسيدها على أرض الواقع. وهذه الثقافة تنبذ الريع وتوزيع دخل دون خلق قيمة مضافة، أي أنها تعادي الطفيليات التي لا تساهم سواء مباشرة أو بطريقة غير مباشرة في خلق قيمة مضافة. علما أنه أمر ترسخ ببلادنا في سبعينات القرن الماضي عندما خاطب الملك الراحل الحسن الثاني ضباطه وجملة الموظفين السامين بعد الانقلاب الثاني الفاشل ليقول لهم : "عليكم الاهتمام بجمع الثروة وليس السياسة". وفي الثمانينات، قال الملك الراحل - في إحدى لقاءاته الصحافية عندما سُئل عن الرشوة- : "...المهم أن تؤدى بالدرهم "، وهي العبارة التي تم حذفها من التصريح بعد نشره. لكن وجب الاحتياط من التعميم لأنه من فجر الاستقلال إلى سنة 1971 كانت الرشوة بالمغرب تمثل الاستثناء الناذر وليس القاعدة كما هو الواقع اليوم، آنذاك كان مفهوم الدولة حاضرا بقوة، كما أن كبار ضباط الجيش وقتئذ كانوا بعيدين على منظومة الرشوة – ألم تكن فضيحة "بانام" هي الخلفية التي حركت الجنرال المدبوح لتحديد موقف قاده إلى الحتف؟ إن العارفين بخبايا الأمور يكادون يجمعون أن الجنرال أحمد الدليمي ساهم بشكل كبير في مصاعد الرشوة، وتلا ذلك توزيع كعكة أراضي "سوجيطا" و"صوديا"، ثم المغربة، لتتزاوج الرشوة مع توزيع الريع. لكن كيف فسر "منظري تبرير الأمر الواقع" هذا الأمر؟ لقد قالوا أن الفكرة الكامنة وراء ذلك هي خلق بورجوازية وطنية ومقاولين جدد لإعطاء دينامية للاقتصاد المغربي، وقدموا لنا كنموذج اليابان. لكن كشفت الأيام أن الأمر لم يعدو أن يكون مجرد توزيع كعكات لإغناء البعض. بعد ذلك، في عهد إدريس البصري، برز همّ توسيع قاعدة المؤيدين لواقع الحال وعدم الاقتصار على "البورجوازية التقليدية"، تم استعمال الريع لإغناء عناصر من أصول قروية وبعض الموظفين السامين.
هذا في وقت سعت فيه المناطق المقصية والمهمشة – الشمال مثلا- للبحث عن ريع من نوع آخر، من قبيل التهريب وتبييض الأموال وغيرها، وراجت في هذه المنطقة أموالا طائلة... هكذا عمّ الفساد واستشرى وخنق الاقتصاد الوطني. لهذا إن كل ما قيل أنه تحقق لم ينتج أي تنمية، لأن اقتصاد مغربنا السعيد مرهون بالريع.
وفي سنة 1996 باغتونا بتخريجة جديدة غير معتادة، إنه سيناريو "الحملة التطهيرية" التي كانت في الواقع حملة تصفية الحسابات. وإلى حد الآن لم نعاين سياسة فعلية وجدية لمحاربة الفساد، وهذا اعتبارا لكل ما قيل سلفا.
والآن يقولون أن الاقتصاد المغربي اقتصاد منفتح، لكن اعتبارا لخصوصياته ومعيقاته البنيوية، إنه اقتصاد يقدم نفسه كهدية لآخر( الذي هو المستفيد الفعلي). نلاحظ أنه كلما أبرمت بلادنا المزيد من اتفاقيات التبادل الحر كلما تعمق وتوسع عجز ميزانها التجاري، هذا لأن إنتاجيته ضعيفة وضعيفة جدا. لكن ما هي الأسباب التي أدت إلى هذه الحالة؟ بكل بساطة، إن الاختيارات الاقتصادية وتطور التصنيع لم يتم إجراؤه في الوقت اللازم، وبذلك هرب علينا الركب. إن الانفتاح يعني احتلال موقع في السوق العالمية، وهذا يستوجب التوفر على قدرة تنافسية. ورهان التنافسية لا يمكن ربحه إلا اعتماد على الرأسمال البشري، لكن رأسمالنا البشري مازال ضعيفا بامتياز. وهنا تبرز كارثة منظومتنا التعليمية التي انفضح أمرها حاليا بشكل يندى له الجبين.
إن السؤال الأصلي بالنسبة لأي منظومة تعليمية : لماذا أعلم وأكون الناس؟ بالنسبة للدول الأسيوية، إن الجواب هو: أعلم وأكون الناس لخلق قيمة مضافة. علما أن الذي يخلق قيمة مضافة يخلق فرصة شغل، وفي ذات الوقت يخلق أمكانية الولوج إلى الطبقة الوسطى الضامنة للاستقرار ولتحديث المؤسسات السياسية، لذا لا يمكن انتظار تقعيد الديمقراطية في بلد يفتقر لطبقة وسطى. وفي هذا السياق سمعنا في الثمانينات عن "الديمقراطية دون ديمقراطيين" وكان واقع يختزل وضع الدول العربية، وزاد الوضع سوء بفعل وجود نخبة سياسية متواضعة جدا. وهذا ما جعلنا نفرط في جملة من المواعيد مع التاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اين الشطارة والقفزة ؟
ابولؤلؤة ( 2013 / 5 / 28 - 09:21 )
القانون لا يحمي المغفلين

اخر الافلام

.. تعرف على تفاصيل كمين جباليا الذي أعلنت القسام فيه عن قتل وأس


.. قراءة عسكرية.. منظمة إسرائيلية تكشف عن أن عدد جرحى الاحتلال




.. المتحدث العسكري باسم أنصار الله: العمليات حققت أهدافها وكانت


.. ماذا تعرف عن طائرة -هرميس 900- التي أعلن حزب الله إسقاطها




.. استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة محلية الصنع في مخيم بلاطة