الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يومان و نصف اليوم

رضا كارم
باحث

2013 / 5 / 28
الادب والفن


قرية تتثاءب صباحها حيرة، و تودع مساءها تكرارا لحيرة أشدّ.تلد نهارها عسرا و تفترش ليلها مرهقة.
الفقر و الفاقة ، الحاجة و الجوع، و الهامش الممتد على رصيف تتردد عليه خطوات حائرة.
حيرة الطريق و حيرة السائر ...:"إلى أين أمضي هذه الساعة؟ الورق و منافذه و القهوة و مذاقاتها و الطريق و مارته و المنزل
و ساكنوه...ثم إلى أين أيضا؟" موحش هو السير في دروب سطرتها الهزيمة بعناية القدَر و سهر الآلهة. مدهش سيزيف ،مدحرجا صخرة لا تكفّ عن العصيان، و لا يملّ من العودة الى الدحرجة.
لعل سيزيف كرر فشله عندما كرر منهج دفع صخرته الى الأعلى. ماذا لو اعتمد طريقا غير طريقه؟ماذا لو استند إلى أدوات غير أدواته؟ تعلّمنا من درس سيزيف أهمية الثبات و الصمود و ربما الإرادة، و لم نتعلّم مجاوزة سيزيف "الفاشل" .
دربونا على أهمية المحاولة في ذاتها، و صمتوا عن عبثية محاولة تعي نتائجها.
هل الإرادة كافية لصناعة الانتصار؟ هل تمكن سيزيف من فهم أزمته و استنتاج عناصر الخيبة و إذن تغيير أشكال و ادوات الفعل؟
قلعة سنان متكاسلة، تتناسل يومياتها و تتوالد حيراتها. لا شيء يتغير أكثر من استنساخ دقيق لرداءة سابقة.
ترهن يومك بين العمل و برامج التلفزة و كتب محتلفة و الفضاء الإلكتروني. أرهن يومي كذلك. أفرّ من مقاهي الدجل و الشعوذة، أفرّ من الراحلين عن بن علي ، الراحلين إلى الغنوشي...أرفض مقاهيهم و أزرع ثوابت التثوير عليهم: قيما و ذوات منحرفة.
شركة" توب نات" المراهنة على الصمت بعد المراهنة على السرقة، تقطع عنا الأنترنت ليومين و نصف اليوم ، و لأسباب "تقنية قاهرة" دون التعويض ، دون الاعتذار و دون المبالاة أصلا.
كيف تقضي عذابات الزمن "المهمش" في قرية النسيان؟ كتاب جديد؟ برنامج آخر؟حيرة أخرى إضافية.
حزن و غمّ، غضب عارم ، شتم و لعن ، نقمة و حقد بعضها طبقي و أكثرها فوق الوصف. ملل، قلق، اضطراب، و حزن مكرور.
أعوّض إطلاق الرصاص على رأس "توب نات" بإطلاق "غضب غير معروف الدوافع " على كل شيء.
أحسّ برغبة شديدة في بذل الكراهية و صوغ النقمة و الانتقام . أتساءل عن سرّ احتقارنا و اعتبارنا قطيعا من اللذين يقبلون كل شيء. أتساءل طويلا حتى أتذكّر أن لا أحد يعتبرنا قطيعا إن كنا غير ذلك. أحمل الهاتف و أصب على موظف الشركة حقدا دام ساعات طويلة...و يكتفي بطمأنتي أن الحل القادم، و أكتفي بم ألقى على مسامعي من خداع..
يومان و نصف دون أنترنت، و كدت أكتب وصيتي بعد الانتحار. و قد أعددت من جهة مقابلة عريضة للاحتجاج على سلوك الشركة، كما اتفقت مع والدي على إعلان حرب ضدها ، أمي ساندتنا بأدعيتها و البقية بالغضب و الحقد الطبقيين.
لكن شركة اللصوص المتأنقين، عجّلت بإصلاح أعطابها ، فوجدتني وحيدا مصرا على المواصلة، فيم استشاط أبي غضبا مني
و فرارا من تغييبه لكل إرادة فيه، مدعيا أن الأمر لا يستحق مزيدا من الطرح. هو الذي كان منذ سويعات مستعدا لامتشاق سيف التهميش ضد سيطرة رأس المال..
بائسو فكتور هوغو ، نساء عمر الحمزاوي، طفولة محمد شكري و الثائرون في الحوض المنجمي...نار البوعزيزي، تحرق جسد الاحتقار، وشعب من المفقرين لا يجد رزق اليوم .
ليس ثمة حقد طبقي و لا غضب عارم و لا قرار بالثورة. تعلم الجميع التمويه على "منطوقات الهو و مكنوناته المنفلتة".
من لا أنترنت، له. من لا كتب في بيته، و لا برامج تستحق وقته، و لا كفاية ضرورات تبعث فيه لذّة ما.
كيف لا يغضب؟ كيف لا يحقد؟ كيف يتمكن الفقير من مواصلة درب الفقر دون الانتقال إلى مرحلة القتل؟
الشنفرى و روبن هود وجدا طريقيهما الى التعويض عن الكفاف. و قدما للإنسان شكلا من جعل الحيرة واقع الصف المقابل.
كيف استطاع أبي غلبة حالته الثورية ؟ كيف عاد الى طمأنينته الأولى؟
أ لم يكن إذن أكثر من مدّعي إرادة؟ أ لم يبع ما حصل لديه من قيم المقاومة التي غدت"ممانعة" قبل أن يرديها تبريرا و استسلاما؟
هنا تقع معركة الوعي الثوري. تلك المعركة التاريخية بامتياز.
يجوعون و لا يثورون ، و قد كنا بينهم زمنا قد لا يكون كافيا و قد يكون دهرا بأسره.
يجوعون و يواظبون على تبرير هزيمتهم و قتل سيزيف ، و قتل تكراره حتى...عاشقو القرص المضيء و ليالي شهريار المستبدّ، و حكايا شهرزاد "المنافقة". كأس شاي و وعد بليلة حمراء، و امتطاء آخر و لذة تعبر سريعا، ثم ملل.
إنها أيضا ثقافة.

رضا كارم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي