الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا خلاص إلاَّ ب -لا المُثَلَّثَة-!

جواد البشيتي

2013 / 5 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


ما أكثر عدد القوى التي أخرجها "الربيع العربي" إلى الوجود، أو خرجت إليه فيه، لا منه؛ لقد خرجت شعوبنا من الأجداث سراعاً، وكأنَّ القيامة قامت. وفي بعضٍ من التعليل والتفسير، أقول إنَّ شعوبنا، بقضِّها وقضيضها، وبكل ميولها ونزعاتها المتناقضة، وبكل الدوافع والغايات الحقيقية، لا الزائفة، لها، ولمكوِّناتها، كانت في سجن كبير، حُطِّمَت وفُتِحَت أبوابه، بغتةً، وهرَب السجَّانون، وبعضهم، لا كلهم، من أبناء جلدتنا؛ وهذا الخروج، والذي كان لبعضه معنى "النزول إلى الشارع"، يُعْزى إلى "التاريخ" سببه الأعظم؛ لكنَّ هذا السبب (التاريخي) خالطه شيء من "اللعبة الدولية والإقليمية"؛ فـ "اللاعبون الكبار" قالوها ولو ضِمْناً: دَعوهم يُكسِّرون قيودهم؛ دَعوا ألسنتهم وأياديهم تتفلَّت من قيود وقبضات الحُكَّام والمعادلات الدولية والإقليمية، لِنَرى "النتيجة النهائية (الواقعية العملية)" لكلِّ ما نعموا به، أو انتزعوه، من حرية القول والفعل. وثمَّة من يرى في هذا "الواقع (الشعبي) الجديد" كلُّ معاني "الفوضى الخلاَّقة"، أو كثيرٌ منها.
قُلْتُ ما أكثر عدد القوى التي خرجت، وتخرج، من الظلام إلى النور؛ لكن ثمَّة "قوَّة"، على أهميتها وضرورتها، واشتداد الحاجة التاريخية إليها، لم تَظْهَر (إلى الوجود) بَعْد؛ "قوَّة سياسية وفكرية منظَّمة"، لها من الثقل الشعبي ما يسمح لها بـ "القيادة"، وتتَّحِد فيها (في فكرها، وبرنامجها، وشعارها، ورجالها) اتِّحاداً لا انفصام فيه "الديمقراطية (بكل قيمها ومبادئها العالمية الكونية)"، و"العلمانية"، و"مبادئ الدولة المدنية (ودولة المواطَنَة)"، و"قوَّة الإلتزام القومي (العربي)"، الذي منه تختفي "الشوفينية"، ويرتفع فيه منسوب العداء لإسرائيل، ولسائر أعداءنا القوميين، فيتأكَّد، قولاً وفعلاً، أنَّ "الالتزام الديمقراطي (العلماني)" و"الالتزم القومي (الذي تَشْغُل معاني المقاومة للعدوِّ الإسرائيلي حيِّزه الأعظم)" لا ينفصلان، وإلاَّ انفصلنا جميعاً عن الالتزامين معاً.
وفي سورية على وجه الخصوص كان ينبغي لهما أنْ يتَّحِدا؛ لكنَّهما انفصلا؛ فانفصلنا جميعاً عن الالتزامين معاً؛ فـ "الالتزام الديمقراطي" يَضْعُف ويتضاءل؛ أمَّا "الالتزام القومي (وبالمعنى الذي شرحنا)" فيوشك أنْ ينضب ويتلاشى حتى في كلامنا القومي الذي طالما ثرثرنا فيه.
إنَّ "لا المُثَلَّثَة" لم نسمعها؛ فإنَّ أحداً من أطراف الصراع السوري، أو من أطراف الصراع في سورية، لم نسمعه يقول (في جملة واحدة): لا لبشار الأسد، لا لإسرائيل، لا للغرب الإمبريالي وفي مقدَّمه الولايات المتحدة.
"لا المُثَلَّثَة" تلك لم نسمعها؛ مع أنَّ "الثلاثة"، أي بشار، وإسرائيل، والغرب الإمبريالي، هُمْ (في الواقع الموضوعي) ثلاثة أوجه لعدوِّ واحد لشعوبنا وأُمَّتنا.
إذا كنتَ مقاوِماً للعدو الإسرائيلي، وأردت أنْ تُطلِّق هذه المقاوَمة ثلاثاً، فما عليكَ إلاَّ أنْ تَقِف مع بشار الأسد (في حربه على الشعب السوري وثورته العظيمة). وإذا كنتَ ديمقراطياً، معادياً للحكم الأسدي الاستبدادي، وأردت أنْ تُطلِّق هذه الديمقراطية ثلاثاً، فما عليكَ إلاَّ أنْ تبدي ميلاً إلى التصالح (قولاً، أو فعلاً) مع عدونا القومي (والذي كان قَبْل انضمام إيران إليه يشمل إسرائيل والغرب الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة).
"حزب الله" مِنْ قَبْل، أبدى بطولة في قتاله العدوِّ الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية، أثارت إعجابنا جميعاً؛ لكنَّ هذه البطولة، وعلى أهميتها، لا تَصْلُح لجعله برصيد (من الحُبِّ الشعبي العربي له) غير قابل للنفاد.
إنَّنا لا نُحمِّله أكثر مِمَّا يُحَمِّلُ الله خلقه؛ والله لا يُحَمِّل نفساً إلاَّ وسعها؛ ولم يكن في وسع هذا الحزب أنْ يخرج من جلده؛ فلمَّا بدأت الثورة الشعبية الديمقراطية السلمية للشعب السوري، اعتصم بحبل الصَّمت؛ ولَّما أكره بشار (بالحديد والنار) شعبه على حَمْل ما تيسَّر له من سلاح للدفاع عن حقِّه في الحرية، وعن كرامته، اعتصم "الحزب" بـ "حَبْل إيران"، التي تريد للشيعة العرب (في العراق ولبنان على وجه الخصوص) ولأقربائهم أنْ يكونوا الموطئ لقدمها الإمبراطورية في أرضنا العربية، فوَقَفَ سِرَّاً مع بشار، ثمَّ وقَفَ معه علانيةً، وانضم إلى حربه على الشعب السوري وثورته، مُشَيْطِناً الثورة السورية إذْ صوَّرها على أنَّها جَمْعٌ من التكفيريين والذين باعوا أنفسهم لإسرائيل والولايات المتحدة، ومُمجِّداً بشار إذْ صوَّره على أنَّه القلعة في مقاومة العدو الإسرائيلي، والتي إنْ سقطت (لا سمح الله) قَرَأْنا "الفاتحة" على روح المقاوَمة العربية لهذا العدو، وفي سورية ولبنان وفلسطين على وجه الخصوص.
لو أمكن أنْ يتصرَّف "حزب الله" بما يجعله يأتي بمعجزة "الخروج من جلده"، لرأيناه يذهب ببعضٍ من مقاتليه وسلاحه إلى سورية لنصرة الثورة السورية، ولمساعدتها في إطاحة حكم بشار الأسد، ولرأيناه، في الوقت نفسه، يُمارِس المقاوَمة للعدو الإسرائيلي بما يَشْحَن "الربيع العربي (الديمقراطي)" بـ "روحٍ قومية"؛ فـ "الأُمَّة" تريد حرية لن تحصل عليها إلاَّ إذا انتزعتها انتزاعاً من "الحاكم بأمره"، ومن أسياده من أعدائنا القوميين، ولا أستثني منهم، بهذا المعنى، إسرائيل.
ولَمَّا غابت "لا المُثُلَّثَة" حَضَر الثلاثة الكبار إقليمياً: إسرائيل وإيران وتركيا. ووَيْلٌ للعرب إذا ما تصارع هؤلاء، وإذا ما تفاهموا. ووَيْلٌ لـ "الربيع العربي" إذا ما ظلَّت غائبة عنه، وفيه، "لا المُثَلَّثَة"؛ فإنَّ في استمرار غيابها ما يُنْذِر بغياب شمس العرب، وبظهور كواكب وأقمار وكويكبات من طوائف، كلٌّ في فلكٍ يسبحون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مسجدا يؤوي نازحين في دير البلح وس


.. مقتل وإصابة طلاب بحادثة انقلاب حافلة في كولومبيا




.. رحلات الإجلاء تتواصل.. سلوفاكيا تعيد رعاياها من لبنان


.. ما الذي قدمته إيران إلى لبنان منذ بدء الهجوم الإسرائيلي؟




.. فرنسا.. مظاهرات في باريس تنديدا باستهداف المدنيين في لبنان و