الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العكاز الثقافي

ميلاد سليمان

2013 / 5 / 28
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


العكاز الثقافي


التنوير هو أن تفكر بنفسك ولنفسك، ثم تنشر فكرتك للآخرين بكل حريّة، من أجل قبولها أو رفضها، نقدها أو تأييدها، مِمّا يُعطي مصداقيّة لتطويرها وتأصيلها، وبلورتها في شكل أكثر وعيًا ومُلائمة للظرف المعيش. ولكن لأن البعض لم يكتمل نموِّه الفكري، وآثر الإستستلام الإنهزامي، أو يتعب سريعًا عند إستخدام تلك الملَكات الفكريّة الموجودة داخله، أو ربما إعتاد أن يترك مهمّة إعمالها لغيره يوجهه من خلالها، فهو يحتاج غالبًا إلى ما يتكأ عليه، حتى لا يقع، من أجل تأكيد أو نفي فكرة ما، فيلجأ إلى العُكاز الثقافي* كأداة لضرب خصمه بها، بشكل مباشر أو غير مباشر.

يظهر العُكاز في يد أحدهم، حين تجده في مناقشة ما، حين يعجز عن الرد، أو يحاول إعطاء مصداقيّة وقدسيّة لفكرته، حول موضوع ما، يستشهد لك بإقتباس معين، سواء له علاقة بالموضوع، أو ليس له علاقة بالموضوع من الأساس، المهم أن يثبت لك أنه قارئ وعلى وعي واسع الإطلاع، وكأنه يريد أن يُخرسك ويثبت لك أن الموضوع تم إغلاق البحث فيه، وإعمال العقل نوع من الرفاهيّة، والإتباع النقلي هو الأصل مثلا!؟.

قد يكون الإقتباس آيّة قرآنيّة أو حديث شريف أو نص إنجيلي أو قول آبائي، فيُصبغ مُستخدمه على نفسه، وعلى كلماته معه، هالات القداسة والروحانيّة، والزهد والورع. أو قد يقتبس من الأقوال المأثورة للعظماء أو الأمثال الشعبيّة أو حكمة الشعوب الأخرى، ليُعطي بُعد شعبي إنتشاري للمخزون الثقافي للموضوع. أو يتطرق بالحديث إلى معادلات كيميائيّة وقوانين فيزيائيّة ومعادلات هندسيّة، فيتم غالبًا الإقتباس لأسماء كُتب ومراجع وفهارس وحواشي لا حاجة لموضوع النقاش بها من الأساس.

العكاز لا يستخدم مع الموضوعات فحسب، بل مع أسماء وهويّات الأشخاص أيضًا، ليس على سبيل الإعتزاز، بل غالبًا من أجل المُباهاة والمفاخرة، وكأنها شجرة أنساب العرب الجاهليّة!!؟. حاليًا، تجد قطاع عريض من شباب المثقفين الجُدد يُلحقون بأسمائهم أسماء توجهات فكريّة ومذهبيّة وعلميّة، أو أسماء علماء وفلاسفة وشخصيات تاريخيّة، فأصبحنا نرى "مصطفى داوكنز - شيماء العلمانيّة – مينا الشيوعي – صبحي الملحد". وهناك من يُلغي شخصيته نهائيًا ليحل العكاز مكانها، ليعيش غيره في حياته بدلا منه؛ مثل من يطلق على نفسه إسم "العلم نور – الإلحاد حررني – ابن الحلاج – المُعتز بإسلامه – منطق عبد العقل - أمَة الله – خادم الإنجيل". ثم يُلحقون بصورهم صور تدل على نفس التوّجُه، فترى من يضع بدلا من صورته الشخصيّة صورة حيوانه المفضّل، تجربة كيميائيّة، مطرب فرنسي، عالم فيزياء، ممثل صيني.
في النهايّة، نحن لا نحجر على ذوق وإختيار أي شخص، فمن حق كل فرد أن يختار العكُاز المناسب له، ولكن من حقنا أيضًا أن نسير على أرجلنا، ونقف منتصبين بعيدًا عن تلك السواند الزوائد، التي تنسي الناس، مع الوقت، كيفيّة السير المستقيم.

*ملحوظة: ممنوع إستخدام المقال، كعكاز لرفض ونقد فكرة العكاز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: ما مبرّرات تكوين ائتلاف لمناهضة التعذيب؟


.. ليبيا: ما سبب إجلاء 119 طالب لجوء إلى إيطاليا؟ • فرانس 24




.. بريطانيا: ما حقيقة احتمال ترحيل مهاجرين جزائريين إلى رواندا؟


.. تونس: ما سبب توقيف شريفة الرياحي رئيسة جمعية -تونس أرض اللجو




.. هل استخدمت الشرطة الرصاص المطاطي لفض اعتصامات الطلاب الداعمة