الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل تستدرجنا للحرب في أفريقيا

مهدي بندق

2013 / 5 / 29
مواضيع وابحاث سياسية



في عام 1680 أساء رجال الديوان المصري معاملة جماعة من التجار الأحباش، فبعث تاكيلا هايمونت ملك الحبشة ( أثيوبيا الآن ) رسالة تهديد إلى عبد الرحمن باشا والي مصر آنذاك يقول فيها : إن النيل هو سلاحي في معاقبتكم ، فقد وضع الله ينابيع هذا النهر العظيم وبحيراته في أيدينا ، وبهذا يمكننا إنزال الأذى بكم وقت نشاء !
والحق أن تلك الرسالة لم تكن أكثر من تهديد أجوف ، فلم تكن الحبشة في ذلك الوقت تملك من الوسائل ما يسمح لها بتغيير مسار النيل أو وضع سدود تحول دون وصوله كاملاً إلى مصبه شمال الديار المصرية . ومن ثم فقد تجاهل الوالي ( العثماني ) القائم على شئون البلاد تلك الرسالة ولم يرد عليها.
كان لابد من مرور قرون كي تصبح أثيوبيا قادرة على تنفيذ وعيدها بامتلاكها في الوقت الحاضر لتكنولوجيا بناء السدود الضخمة توليداً للكهرباء ، وما كان ذلك ليتم إلا بعد حصولها على الخبرة والأموال اللازمة من دولة حديثة العهد بمنطقة الشرق الأوسط وبالقارة السمراء هي إسرائيل ! فلماذا إسرائيل تحديداً ؟
مَردُّ ذلك أن إسرائيل بسعيها للسيطرة على مقدّرات المنطقة لم تكتف بابتلاع الأرض الفلسطينية أو باحتلال ما تيسر من الأراضي العربية الأخرى، بل أخذت تخطط للهيمنة على مصائر جيرانها( وعلى رأسها مصر ) في كل مناحي الحياة، وما كان لها – بهذه النزعة الإمبريالية الإقليمية – إلا أن تتذكر ذلك التهديد الحبشي القديم ، كي تبعثه حياً بواسطة الأحباش الجدد ، ليس بالأقوال بل بالأفعال . ومن هنا راحت تشجع أثيوبيا على إنشاء مشروعات على النيل الأزرق وبحيرة تانا ونهر السوباط ، وهي تعلم جيداً أن ذلك مخالف لبروتوكول 1891 والذي أعطي لبريطانيا ومصر حق الاعتراض على كل ما من شأنه التأثير على إيراد المياه المتدفقة نحو الشمال .
كانت مصر قد استنامت إلى مبدأ " تشرشل " القائل بأن حوض نهر النيل يعد وحدة هيدروليكية واحدة يجب أن تدار من القاهرة ، فراح الممسكون بهذا الملف يطمئنون أنفسهم باستحالة تنفيذ أثيوبيا لسدود كبرى تؤثر على إستراتيجية النهر في تدفقه الطبيعي من الجنوب إلى الشمال، مؤكدين أنها لو فعلت لغرقت مدنها وقراها. وهكذا ظلت مصر تعالج الموقف بنفس أسلوب الوالي أحمد باشا " العثمانللي " بحسبان الأمر لا يعدو مجرد "تهويش" من جانب النظام الأثيوبي يعلق به في رقبة مصر عجزه إزاء الحركات الانفصالية داخل أثيوبيا ونشاط ثوار إقليم أوجادين المسلوخ من الصومال لصالح الأحباش.
ومع ذلك نجحت إسرائيل في الوقيعة بين مصر وأثيوبيا خاصة حين سمحت الأخيرة للفلاشا ( اليهود الأحباش ) بالهجرة إلى إسرائيل من باب رد الجميل، إضافة إلى إيغار صدر الرئيس الأثيوبي الراحل زيناوي لاستدراج مصر المحروسة للحرب بعبارات " هتلرية " بذيئة ، وربما بسبب هاجس احتمال تأييد مصر للثوار، طفق زيناوى يصيح بأن مصر لا يمكنها أن تكسب حربًا مع إثيوبيا على مياه نهر النيل، وإنه لا يخشى أن يغزو المصريون إثيوبيا، فلم يعش أحد ممن حاولوا ذلك قبلاً ليحكى نتيجة فعلته ! ... إلى آخر تلك العبارات الملتهبة التي تذكّر بعبارة الملك تاكيلا هايمونت عام 1686 .
بهذا شهدت الفترة السابقة لثورة 25 يناير أزمات دبلوماسية متكررة بين القاهرة وأديس أبابا بسبب مبادرة دول حوض النيل NBI التي تهدف إلى تحجيم حصة مصر والسودان من مياه النيل جراء مشروعات بناء السدود في أثيوبيا وأوغندة ورواندا ، لكن بعد ثورة يناير هدأت الأزمة قليلا خاصة بعد زيارة الوفد الشعبي المصري لإثيوبيا ولقائه زيناوي، وهى الزيارة التي أعقبتها زيارة قام بها زيناوي نفسه للقاهرة ، وكانت بالمناسبة زيارة ً لم تهش لها إسرائيل بطبيعة الحال .
وحتى الأمس القريب كان لنا أن نغمغم : لعل الأزمة مع أثيوبيا وإن كانت قد بردت وحتى قبل وفاة الرئيس زيناوي إلا أن النار ما زالت تحت الرماد . وكنا نهمس : إنه وعلى خلاف المسار الأثيوبي رأينا الرئيس البوروندي بيير كورونزيزا يبعث إلينا برسالة طمأنة خلاصتها استحالة إضرار بلاده بمصر، وكنا نشقشق : ثمة شواهد على أن تنزانيا تعيد النظر في اتفاقية عنتيبي المتنكرة لحقوق مصر التاريخية في مياه النيل، وكنا نتحاكم قائلين : ليكن كل هذا صحيحاً، لكن حقائق الأمن القومي ينبغي أن تلفت إلى ضرورة استمرار تحرك السياسة المصرية باتجاه تجسير الهوة التي نشأت عن تراخي علاقاتنا بالأخوة الأفارقة منذ اتفاقات كامب ديفيد المشئومة مع إسرائيل. ولكن ماذا سنقول اليوم وقد باغتتنا أثيوبيا بقرار بدء العمل في إنشاء سد النهضة ليس بالقول بل بالفعل محولة مسار النيل الأزرق ، ويا له من فعل .. هو أقرب ما يكون إلى استدراج مصر لإعلان الحرب عليها .

وفي كل ما تقدم من رصد لأحوال العلاقات المصرية الأفريقية – سيما الأثيوبية - لا يمكن للفكر الاستراتيجي أن يتجاهل مستهدفات إسرائيل في جر مصر إلى الحرب ضدا ً على هذا الطرف أو ذاك في قارتنا السمراء ، وهو ما فشلت فيه إسرائيل حتى الآن ، لكنه الفشل الذي لا يوقف صاحبه عن معاودة الكرَّة ، لعل وعسى أن يقدم نظام حكم مصري غير رشيد – وما أكثر هذه الأنظمة في مصر – هرباً من مشاكله الداخلية ، إلى الفرار للأمام بشن حرب مياه في إفريقيا!
نعم يمكن لمصر بضبط النفس إبعاد شبح الحرب ، وليكن أننا سنحتفظ لسنوات قادمة بحصة الـ ,555 مليار متر مكعب كما هي دون أن تنتقص ولو بحيل فنية مبتكرة ؛ ولكن ماذا عندما نجتاز حاجز المائة مليون نسمة ؟! المؤكد أن إسرائيل ستنجح في دفعنا إلى الحرب في إفريقيا ، ما لم نعمل منذ الآن على تطوير الأداء الاقتصادي بعامة والهيدروليكي بوجه خاص ، متجهين إلى مشاريع صنع الخلايا الشمسية استخلاصاً للطاقة لتحلية مياه البحر – كما فعلت المملكة السعودية – فضلا ً عن بناء المفاعل النووية للأغراض السلمية ، وعلى رأسها توفير المياه والكهرباء، فذلك هو الأجدر بالتفكير والتدبر.
فإذا كانت هذه بعض مطالب إسرائيل للإيقاع بمصر فما هو المطلب الآجل الذي تنشده أمريكا – بخلاف المطالب الإستراتيجية التي ذكرناها آنفاً ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت