الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرؤية الأمريكية للشرق الأوسط

على حسن السعدنى

2013 / 5 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


أن تداعيات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 قد أدت إلى ترتيبات خطيرة ذات تأثير مباشر على الخريطة السياسية والمناخ الإقليمي في الشرق الأوسط ، ومنذ ذلك الوقت وأن ازداد يقينا بأن هناك دراسات تجري وتحليلات تتم وأفكار تتوالى من أجل تشكيل رؤية جديدة لهذه المنطقة المهمة من العالم ، ولعلي لا أضيف جديدا عندما أقرر أن هناك من يرتب لنا ويخطط لمنطقتنا ويرسم صورة المستقبل القريب والبعيد أمامنا، بينما نقف نحن موقف المراقب الذي يكتفي بردود الفعل وتكرار الحديث عن المؤامرة الكبرى وأنني أظن – وليس كل ظن اثما – ان دوائر صنع القرار الغربي عموماً الأمريكي خصوصا وبتنسيق مع الدولة العبرية تعكف على وضع تصورات مختلفة للشرق الأوسط في ظل "سيناريوهات" متعددة أخذا في الاعتبار الملفات الثلاثة المطروحة على الساحة .
وهي الحرب ضد الأرهاب، ومسألة العراق ، ثم النزاع الاسرائيلي الفلسطيني، ولعلنا لا نختلف في أن " واشنطن" توظف العلاقة بين الملفات الثلاثة لخدمة حساباتها العلوية ومصالحها الدولية والأقليمية ، وهي مستعدة في كل المراحل ان تقوم بعمليات مقايضة بين هذه الملفات وتحريك أحدها خدمة للآخر وأن كانت اولوياتها تمضي من حيث الأهمية وفقاً للترتيب الذي ذكرناه.
.. ان كل الشواهد توحي بأن الرؤية الأمريكية للمنطقة قد اكتملت ولكن الخطة طويلة المدى تحتاج إلى عدد من السنوات ان كان العمل بها قد بدا يدخل مرحلة التنفيذ ، ولقد كنت اعتقد ولفترة قريبة ان الولايات المتحدة الأمريكية بخلاف بريطانيا وفرنسا لا تملك الرؤية السليمة لفهم المزاج العام للشرق الأوسط وشمال افريقيا ، لأنها مهما قيل حديثه العهد بالمنطقة ولم تنتفح شهيتها لها إلا سعياً وراء النفط أو وراثة للوجود البريطاني الفرنسي فيها ، وهو ما أعلنته " واشنطن " صراحة في منتصف الخمسينات عندما بدأت تتحدث عن " نظرية الفراغ" بعد رحيل القوات البريطانية والفرنسية ، عندما ظهر مبدأ "ايزنهاور " الذي يعبر عن محاولة أمريكية لربط المنطقة بسياستها والرغبة في ادخالها ضمن دائرة الاحلاف الموالية، ويهمني هنا ان اسجل ثلاث ملاحظات مبدئية:-
الأولى : ان الولايات المتحدة الامريكية لم تتفاعل مع الشرق الأوسط باسلوب "نظرية الاقتراب من الظاهرة" كما درسنا في العلوم السلوكية:
كذلك فإنها اكتفت دائما بالرصد البعيد للمنطقة مع استقبال تدفق مستمر للمعلومات منها ، بينما كان الاسلوب البريطاني مختلفا حيث قام على الاهتمام بظاهرة الرأي العام واحتواء الأنظمة والتعايش مع الجماعات وتفهم العقلية السائدة ، بحيث تصبح القرارات في النهاية مرتبطة بالواقع متفهمة للروح الوطنية في كل قطر من الشرق الأوسط .
الثانية : إن الأمريكيين لم يعرفوا عبر تاريخهم الطويل ظاهرة "الاستشراق" ولم يتذوقوا بعمر ثقافات المنطقة واكتفوا بالدراسات المستحدثة والتحليلات الجزئية للسياسات والمواقف بينما يلعب الجانب الثقافي – حالياً وربما أكثر من أي وقت مضى – دوراً مهما في وضع الشعوب داخل إطارها الصحيح امام القوى الكبرى فالفرنسيون على سبيل المثال حكموا الشعوب التي احتلوا ارضها من خلال سياسة الاستيعاب او الاندماج الثقافي حتى انهم عندما رحلوا عن تلك الدول تركوا وراءهم رابطة ثقافية لا تنتهي ، ولكن الأمر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية يدبو مختلفا فهي ترى إن القوة عامل حاسم يعفيها من المجاملات أو المواءمات ويجعلها قادرة دائماً على تنفيذ قرراتها بغض النظر عن ردود الفعل ، ولعل ذلك أحد الاسباب الرئيسية في انخفاض شعبية سياساتها الخارجية في بعض المناطق خلال العقود الأخيرة.
الثالثة: أن الذي يدعو للقلق هو أن الرؤية الأمريكية للشرق الأوسط تجري صياغتها في ظروف استثنائية محكومة بعقدة الإرهاب الدولي ، لذلك فهي لا تفكر نبكامل لياقتها السياسية أو وفقا لتوجهاتها التقليدية وهو أمر سوف ينعكس بالضرورة على المنطقة ، كما أن العقل الأمريكي مشغول بفكرة الثار خصوصاًَ عندما يكشف يوما بعد الآخر ان " تنظيم القاعدة" أكبر مما كان أن يتصور ، وأن الارهاب في حالة كمون أشبه بالبيات الشتوي، ولكنه قد لا يلبث طويلا حتى يعاود نشاطه في ظل ظروف محمومة واحتقان دولي لا يخفى على أحد .
لقد أردت من هذه الملاحظات الثلاث أن أؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية اليوم ليست هي تماما التي كنا نعرفها من قبل ، كما أن شواغل اهتمامها قد تعددت ، كذلك فإن مصالحها تشابكت ، وهنا يتقضينا الأمر أن نبحث في الخطوط العريضة التي نتصور أنها موضع اهتمام امريكي في السنوات المقبلة ويمكن ان نجملها في محاور خمسة هي:
أولاً : محور سياسي يقوم على إدانة صامتة لمعظم النظم السياسية في المنطقة العربية وهو يحملها مسئولية ما وصل إليه الإرهاب في السنوات الأخيرة ، ولابد أن اعترف بأن الحيرة تتملكني كثيرا عندما أحاول الإجابة على سؤال مؤداه هل "واشنطن" جادة حقا في السعي نحو توسيع دائرة المشاركة السياسية وتأصيل الديمقراطية في النظم العربية المعاصرة؟
أولاً : محور سياسي يقوم على إدانة صامتة لمعظم النظم السياسية في المنطقة العربية وهيو يحملها مسئولية ما وصل إليه الإرهاب في السنوات الأخيرة ولابد أن أعترف بأن الحيرة تتملكني كثيراً عندما أحاول الاجابة على سؤال مؤداه هل "واشنطن" جادة حقا في السعي نحو توسيع دائرة المشاركة السياسية وتأصيل الديمقراطية في النظم العربية المعاصرة.
إنني أحسب ان المسافة بين الشعوب و" واشنطن" أكبر من المسافة بين الحكام والسياسايت الأمريكية، كما أن امريكا قد دعمت من قبل أنظمة غير ديمقراطية مادامت مصالحها مرعية وسياستها نافذة، لذلك فإن الحديث عن إصلاح نظم الحكم في بعض الدول العربية قد يكون حقا يراد به باطل ، كما أنه قد يأتي على حساب الديمقراطية ذاتها خصوصاً أن الانتخابات الحرة سوف تأتي في المرحلة الحالية بعناصر فقد لا تكون مواتية لتصورات "واشنطن" حيال المنطقة ، لذلك فإنني أزعم أن الجانب السياسي من الرؤية الامريكية للمنطقة محكوم بالمصالح العليا " لواشنطن" وليس بسلامة النظم المطلوبة او استقرار الدول المعنية.
ثانياً: وهذا المحور يقوم على العامل الثقافي ، فالمطلوب هو شرق اوسط مختلف يوقم على قيم بديلة وأفكار جديدة فالولايات المتحدة الأمريكية ليست سعيدة باللغة الفكرية السائدة واللهجة الاعلامية المتداولة ، لذلك فإن المناخ العام في المنطقة اصبح امراً يعني "واشنطن" لأن مصالحها مرتبطة بنوعية الثقافة المسيطرة" في وقت يتزاد فيه الحديث عن العلاقة بين القوميات والصدام بين الحضارات ، كما أن الجميع يدرك الآن أن الرأي العام ظاهرة تعتمد على المناخ الثقافي ومكوناته بدءاًَ من خطبة الجمعة ، مرروا بعمل مسرحي مشهور ، وصولاً إلى الخطاب الإعلامي المتداول .
ثالثا: محور يتصل بالتعليم ، وهو أخطر المحاور على الإطلاق في رأيي لأن الذي يتحكم في التعليم والذي يغير في فلسفة العملية التربوية يبدو كمن يتحكم من عند المنبع ، وهذه حقيقة لا تغيب عن صانع القرار العصري، لذلك لم يكن غريب أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت بالفعل تتحدث عن المناهج الدراسية وجوهر الرسالة التعليمية ، وترى أن فيها يحض على كراهية غير المسلمين ورفض الوجود الاسرائيلي وعداء الولايات المتحدة الأمريكية، وهنا تكمن المخاطر الحقيقية إذ أن العبث بالنظم التعليمية يعهني التدخل مباشرة في تشكيل العقلية العربية وتقديم مكونات جديدة للشخصية القومية في جميع جوانبها.
رابعاً: محور يدرس البدائل المتاحة ويناقش الاحتمالات الممكنة للأدوار المختلفة التي تعني السياسة الأمريكية في المنطقة وأظن أن " المسألة العراقية" يمكن أن تكون بندا في هذا المحور لأن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى حالياً إلى حلفاء كاملين وليس إلى أصدقاء مؤقتين ، كما أن "واشنطن" ما زالت تحت انطباع يرى أن حتى أكثر الدول العربية حماساً للسياسات الأمريكية وتجاوباً معها لا تفي بالمتطلبات الأمريكية بالكامل ولا تمثل الصورة المثلى للنظم المطلوبة كما تريدها "واشنطن" خصوصا عبد الحادي عشر من سبتمبر 2001 ولا شك في أن القدرة العربية على تنقية الأجواء وتحسين الصورة لا تصب في خانة تحقيق الأهداف الأمريكية المطلوبة من خلال هذا المحور .
خامساً: وهذا المحور نعني به الموقف الغربي من الإسلام ، حيث نلاحظ أن الأغلب الأعم من غير المسلمين ينظرون في الشهور الأخيرة إلى تلك الديانة السماوية الكبرى بشئ من التحفظ الذي يبلغ درجة القلق احياناً، وواقع الامر وحتى نكون موضوعيين ، بما يكفي فإنني أقرر أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست ضد الجانب الروحي للإسلام فهي قد ترحب بشعوب متدينة وتبارك بناء المساجد وممارسة الشعائر ولكنها تريد اسلاماً دينياً خالصاً لا يعرف السياسة ولا يدعو إلى الجهاد ولا يحرض على مقاومة الاحتلال.
وهذا المحور في الرؤية الأمريكية ربما يكون أخطرها على الإطلاق لأنه يرتبط بالملفات الثلاثة الرئيسية لسياسات واشنطن في الشرق الأوسط، ونحن لا نختلف مع غيرنا في احترام وسطية الإسلام كما نعتز بالاصوات الغربية العادلة التي تشيد بروح التسامح فيه والاعتدال في شريعته، ولكننا نقلق كثيرا من بعض التصريحات الغربية غير المسئولة التي تعادي الاسلام، وكذلك بعض الكتابات المناوئة لفهمنا تجاه واحد من الأديان الثلاثة لأبناء "ابراهيم" فضلا عن اننا أن محاولة التدخل في صياغة الروح الدينية هي أمر شائك وعملية معقدة فضلا عن انها مرفوضة شكلا وموضوعاً.
هذا هو طرحنا العام لرؤية امريكية لا تزال في مرحلة المخاض تتوجه بها "واشنطن " نحو منطقة الشرق الأوسط ولا يتصور البعض ان إصرار " واشنطن على تغيير " عرفات" من خلال الانتخابات هو مطلب استثنائي مادامت الدولة الفسلطينية لم تقم بعد ، ولكن الأمر في ظني يتجاوز ذلك ويتجه نحو إيجاد سابقة تسمح لواشنطن بالتدخل في تحديد الحكام واختيار قادة الشعوب تحت دعوى الديمقراطية ، ثم التدخل في الشأن الداخلي بعد ذلك بدعوى ضرورة الإصلاح ومع ذلك كله فإنني اعتقد مخلصا ان فرصة الدولة العربية في تحقيق فلسفة التغيير الذاتي وإعادة ترتيب البيت سوف تعفينا جميعاً من مشكلات قادمة وتدخلات غير مقبولة ، وحسنا فعلت بعض الدول العربية بالسعي نحو الإصلاح الداخلي الذي يجب أن نقوم به بدلا من أن ينوب عنها سواها ،فلقد رأت "جمهورية اليمن" أن تتولى هي مهمة تنقية أرضايها من عناصر مشتبه فيه وفلول تنظيمات متطرفة، كما أن " المملكة العربية السعودية" بادرت من جانبها بدمج الهيئة المعنية بتعليم البنات لكي يكون جزءاً لا يتجزأ من وزارة المعارف العمومية مضيا على طريق التحديث الذي تسعى إليه المنطقة العربية ، ولست أعني بذلك أن مهمتنا هي الاستجابة للمطالب المنتظرة ، ولكن ما أريد قوله هو ضرورة ان تكون لدينا روح المبادرة ومنطق المبادءة ، وتقديم الأفكار الجديدة، وطرح الرؤى العصرية ، والسعي الجاد نحو تحديث النظم ورفع مستوى معيشة الشعوب ومقاومة الفساد والاتجاه نحو الإصلاح السياسي والدستوري المواكب للإصلاح الاقتصادي .. إنها ملاحكات تلح على و على غيري من المنشغلين بكل ما يحدده الآخر لنا وما يريده غيرنا لمستقبلنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب