الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورية و العقم السياسي

مضر رياض الدبس

2013 / 5 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


سورية و العقم السياسي
"إن امتلكت من الوقت ساعة واحدة لقطع شجرة، فإني سأمضي خمسة و اربعين دقيقة في شحذ فأسي" و الإقتباس عن ابراهام لينكولن. تحمل هذه الصورة معاني دقيقة جداً في السياسي و الإستراتيجي و حتى التكتيكي، حيث تكمن أهمية الفكر و العقل، بالتالي التخطيط و التنظيم، في ممارسة السياسة و في تقويم السلوك السياسي و تحديد الأهداف و الإستراتيجيات. و من البديهي القول: إن الممارسة السياسية و اللعبة السياسية بدون الفكر و التنظيم السياسي العالي تصبح أشبه بجدل عقيم لا يلبث أن ينتج الخسارة تلو الأخرى.
يتولد هذا العقم نتيجة مباشرة و منطقية لغياب العقل، أو لتغييبه الممنهج، و نتيجة للتصحر الفكري، أو للخسارة أمام استراتيجيات الخصم الممنهجة في تصحير الفكر. و إنه لمن السذاجة بمكان الإستهانة بالجانب السياسي و المراهنة، كما الموضة الثورية اليوم، على العسكرة و الإعتماد على السلاح، و كأن الصراع بكريٍّ تغلبيّ، و كأن الحرب قد قامت من أجل الإنتقام لا من اجل إحلال دولة مؤسساتية حضارية تتمحور حول الإنسان و حقه في الحياة الكريمة و الحرية الغير منقوصة التي لا تعيش مع الإستبداد.
للعقم السياسي في المشهد السوري اليوم سببين موضوعيين يظهران بوضوح تام عند فهم سلوك النظام و بالمقابل سلوك المعارضة السياسي، فسلوك النظام يسعى دوماً إلى "تعقيم السياسة" و حالة العقم الراهنة و ممارسة لعبة الوقت تخدمانه استراتيجياً، فيما تبدو المعارضة السياسية السورية و كأنها تُسدي له خدمة كبيرة، من حيث لا تدري، في ممارستها لسياسة عقيمة فتكون كمن يريد أن يقطع شجرة، بدون سقف زمني، بفأس مُثلَّمة لم تعرف شحذاً منذ جيل. لن نناقش كثيراً الجانب المتعلق بالنظام و الذي أصبح واضحاً جداً أنه يمارس السياسة، و حلفائه كذلك، بخبثٍ كبير، و للأسف، فعَّال ينجح دائماً في إنتاج الحالة العقيمة سياسياً، فاسحاً أمامه الوقت للقمع و القتل و ارتكاب أبشع أنواع الجرائم و المجازر و إضعاف الخصم معنوياً، فيما يستنفر أداته التسويقية التي تصوره، أمام مؤيديه من السوريين، نظاماً وطنياً مقاوماً يقاتل الإرهاب و الإرهابيين. هذا نجاح للنظام، في حربه، ومن منظور أهدافه، طالما أن العقم السياسي يَصبُّ في كفته، و لكن ليس في كفة السوريين، و لا في مصلحة الشعب السوري الثائر و طموحاته الكبرى الذي، من المفترض، أنه مُمَثلٌ سياسياً بواسطةِ المعارضة السورية و هيئاتها و مؤسساتها. و هنا نفرق بين السلوك السياسي و الموقف السياسي، فليس في النية التشكيك أو التخوين في مواقف المعارضة ووطنيَّة أبناءها، إنما انتقاد السلوك: كطريقة معينة في التصرف تنبع عن ثقافة و خلفية فكرية و استراتيجية سياسية، فهناك فرق بين السلوك و الموقف فهذا الأخير يتضمن عنصراً إرادياً، أي نتاج التفكير المسبق، في حين أن السلوك يكون غريزياً على الصعيد الشخصي، و في الواقع السياسي يعكس نمط تفكير و منهجية مقاربات المفاهيم و تكوين الخطاب. هنا لا نشككّ أو نطعن في المواقف المعلنة للمعارضة من دعم الحراك الشعبي الثائر و هدف إسقاط الإستبداد و رموزه و بناء سورية موحدة لجميع السوريين...إلخ. إنما ما ننتقده هو الإفتقار للرؤية السياسية الواضحة و عدم وضع الإستراتيجيات السياسية الناتج عن تدني مستوى التنظيم و عدم القدرة على تكوين ثقافة سياسية للمعارضة تنهل منها لتكوين منهجية تفكير سياسي سليم. لنتذكر أننا لا ندخل الحرب من أجل أن نقتل أكبر عدد من الخصم إنما تُخاض الحروب من أجل تحقيق الهدف الإستراتيجي الذي قامت من أجله الحرب، و تحقيق هذا الهدف من عدمه هو معيار الربح و الخسارة و ليس عدد الجنود الذين قتلناهم أو الأليات التي أعطبناها، من هنا لا يمكن إلا أن تملك المعارضة وضوح الرؤية الإستراتيجية: "مجموع الطرق المستخدمة لحرمان الخصم من وسائل المعركة، و إجباره على التخلي عن الصراع" حسب ميشيل فوكو. فالإستراتيجية هي نقيض الإرتجال و التصريحات الفوضوية و السلوك المهزوز، هي جوهر الفكر المنطوي تحت تنظيمٍ حقيقيّ، و تنطلق من الطموحات الكبرى للجماعة و تعكس تطلعات المجتمع الذي تمثله. هذا النوع المُنظم من العمل السياسي لا يفسح مجالاً لغياب العقل القادر على توقع الأشياء و بالتالي لا نقول مثلاً: خدعتنا تلك الدولة أو تلك أو خاب أملنا في المجتمع الدولي الذي رَاهنَّا عليه، بل نتوقع سلوك الدول و المجتمعات و نبني خياراتنا وفق الواقع و المعقول و نمارس فن الممكن. وقعت المعارضة السياسية السورية في سلوك سياسي عقيم، داخلياً و خارجياً، و حصدت و تحصد نتيجة هذا اللافكر، بل و حصد الكثير من الأبرياء نتيجته مواجهة آلة قمع همجية يقودها النظام. نؤمن أن الكثير من المكاسب التي كان يمكن للثورة و المجتمع السوري حصدها قد ضاعت بسبب السلوك السياسي الذي تتبعه المعارضة و للتوضيح نسوق على سبيل المثل لا الحصر كيف كانت مقاربة المعارضة السورية، منذ اندلاع الثورة حتى اليوم، لمفهوم "الأقليات" في سورية، ففي الوقت الذي كان الشارع السوري يهتف منذ البداية "الشعب السوري واحد" و "كلنا وحدة وطنية"، قامت المعارضة السياسية بابتكار مصطلح "تطمين الأقليات" و قامت بتخصيص مقاعد للأقليات على أساس مذهبي و ديني في الهيئات التي تتشكل حديثاً. إن مصطلح "تطمين الأقليات" هو، أولاً، يعترف ضمناً بتقسيم المجتمع إلى أقلية و أغلبية بالمفهوم المذهبي و الديني و ليس بالمعنى السياسي فلا يخرج الفكر المعارض عن فكر النظام الممنهج في زرع هذا التقسيم، و ثانياً يثير المصطلح سؤالاً على الصعيد الفردي: ما الذي يستدعي الطمأنة؟ و ما الخطر الذي منه تُطَمئِنون؟ فبالتالي تُساهم الهواجس، التي تشكلها إجابات هذه الأسئلة، في تعزيز فكرة يعمل عليها النظام، و بشكل ممنهج، مضمونها تحويل المفهوم العام للحدث السياسي من ثورة ضد استبداد و ديكتاتوريَّة إلى حرب ضد متشددين إسلاميين. لمجرد العفوية و الإرتجال في تكوين الخطابات تمَّ تضييع فرصة رائعة لبذور وحدة وطنية ظهرت بشكل تلقائي مع بداية المجتمع الثوري السوري. و لم تترجم سياسياً في حين أنها لو ترجمت لكان بالإمكان تكوين تعددية سياسية حقيقية متناغمة و متضامنة مع المسار الثوري، و لساهمت في محاربة الفكر الطائفي الذي يبني عليه النظام الكثير من استراتيجياته في التعاطي مع الثورة. يساق هذا كمثال على تَصحُر الثقافة السياسية الإستراتيجية عند المعارضة السياسية السورية، الأمر الذي ساهم، و إن كان ليس وحيداً، في تعقيد هذا المشهد السياسي السوري. يقول الجنرال و المؤرخ البروسي كارل فون كلاوزفيتز: "الإستراتيجية هي فن استخدام المعارك لبلوغ الهدف من الحرب" لذلك يجب العودة دائماً و التذكير بهذا الهدف و عدم الإنجرار السياسي خلف هدف الإنتصار العسكري بمفهوم "من قتل أكثر"، و عدم الإنسياق خلف تلك اليوتوبيات الحالمة بأحداث لا يحملها الواقع السياسي، و الأهم هو القناعة أن النصر يمكن أن يأتي بدون معركة: عن طريق معرفة كيفية تنشيط دينامية التطورات المرتبطة بمجرى الأشياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا