الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف بين الإتباع والإبداع

سمر يزبك

2005 / 4 / 26
الادب والفن


يغلب على الثقافة العربية صفة الإسترابة في الحداثة، لأنها تُؤْثر الحنين إلى الماضي بدل الحلم بالمستقبل، وما تزال قائمة على مجتمع بطريركي في عناصره. وتردّ هذه الثقافة المجتمع إلى تراتبات مختلفة، مثل الأكثر ثروة، والأكثر سطوة، والمرأة الأدنى من الرجل، والشيخ الكبير الأكثر عقلاً من الشاب المندفع نحو الأمام، والشيخ الموجود في الماضي ويحصد المستقبل، والشاب الذي صار للمستقبل ويعيش تحت سطوة الماضي (الشيخ)...
وهذا هو المبدأ نفسه الذي يضطهد الأقليات، سواء الدينية أو العرقية أو الإبداعية، قياساً بالأغلبية التي لا تقبل المغاير، وترفض الخروج عن الجماعة. والمثقف المدافع عن هذه الثقافة هو المثقف التقليدي، وصار يحيط بنا أينما اتجهنا، وخاصة في السنوات الأخيرة مع تنامي المدّ الأصولي الديني. وهكذا اخذ يلوح أن تنامي صوت التيار السلفي، وإن بدا متفاوت الوضوح من بلد إلى آخر، أقوى وأكثر فاعلية في العالم العربي. إننا نجده في الإعلام المرئي والمسموع، وفي المؤسسات الثقافية، وفي أغلب مظاهر الحياة الاجتماعية.
فكلّ مظهر جديد للتحديث يوصم بالشرّ، ومظاهر المجتمع المدني تحارَبُ بحجة أنها مخربة، تساعد على ذلك الثقافة السائدة، لأنها ثقافة اتباعية تستبدل بالعقل النقل، وتستريب بالتغيير وترفض الاختلاف والتنوع. لذلك كان المثقف التقليدي واحداً من حماتها الجدد، وهو مرتبط بالقديم ارتباط مصالح واتباع، ودفاع عن الثبات الخادم للفكر السلفي، والحجة في ذلك أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار!
لكن مصطلح "المثقف" لا يشمل شريحة من الناس بقدر ما يعني انتماءات مختلفة لعدة شرائح، لأن جماعات المثقفين هي جماعات متعارضة في مدى تعبيرها عن شرائح الطبقات المنتمية إليها، وقد يكون الانتماء انتساباً للوعي الطبقي وليس للوضع الطبقي. فكل طبقة اجتماعية تخلق مجموعة من المثقفين دفاعاً عنها وتأكيداً لوجودها وأهميتها ومصالحها الإقتصادية والسياسية والاجتماعية والإبداعية كما أكد أنطونيو غرامشي.
وعلى هذا الأساس فالمثقف التقليدي يقدّم ضمانات التقدم دفاعاً عن الجماعة المحافظة المنتسب إليها، معتمداً على الموروث الاتباعي السائد وربطه بالمقدس خدمة لمصالحه وإقصاء كل ما هو نقيض له. والمثقف التقليدي مناقض للمثقف المحدث، لأن عداء الأول لقيم الحداثة وقيم المثقف الثاني (الوعي المدني بخاصة) هو وجه آخر لعدائه لقيم التنوع والتسامح وحق الاختلاف وأحلام العدل والتجريب الإبداعي.
والمثقف التقليدي ليس بالضرورة سلفياً أو دينياً، فالتقليد يوازي المحاكاة، وقد تكون هذه المحاكاة في اتباع الجديد أيضاً. لكن ما دام الأصل هو التقليد والاتباع فالنتيجة واحدة، وليس من فارق بين مثقف تقليدي مرجعيته القديم والسلف، ومثقف جديد مرجعيته الجديد، ما دام الفعل هو التقليد. ذلك لأن تقليد الجديد هو وجه آخر لتقليد القديم.
إن المثقف التقليدي، وتوضيحاً لذلك اللَبْس المرتبط بالقديم، هو المثقف المنتسب إلى عقلية الإتباع والنقل وليس التجديد والإبداع، لأن علاقته بالعالم المنتسب إليه هي علاقة محاكاة أولاً وأخيراً، حتى لو انتسب إلى عالم ما بعد الحداثة أو ما بعد الكولونيالية أو ما بعد الماركسية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب