الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاهدات بغدادية / 12

اسماعيل شاكر الرفاعي

2013 / 6 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



خطة التنمية الخمسية

مَن يطالع خطة التنمية الوطنية 2010 ــ 2014 ، التي وضعتها وزارة التخطيط على خلفية الاخفاقات والمشاكل التي واجهت اعداد البرامج الاستثمارية السنوية ، يشعر بان جهاز التخطيط في الوزارة على درجة عالية من الكفاءة ، مثلما هو على درجة عالية من الوعي بتفاصيل وجزئيات الواقع الذي يخطط لانتشاله مما يتردى فيه من فقر وتخلف وبطالة ، ومن عجز عن تقديم الخدمات التي يحتاجها المجتمع وتحتاجها عملية التنمية . الخطة صغيرة الحجم يمكن للقارئ ان ينتهي من قراءتها بدقائق ، ولكنها كبيرة في معانيها التحديثية والتطويرية للاقتصاد والمجتمع ، من حيث شموليتها اذ حوت تشخيصاً دقيقاً للتحديات التي يواجهها الاقتصاد والمجتمع .لهذا استطيع القول بانها خطة تنتمي لعالم السياسة وليس لعالم ما قبل السياسة . عالم ما قبل السياسة لا يفكر بمشاكل الداخل ويستنكف من الاقتراب منها : لا تهمه بطالة ولا فقر ولا مدرسة آيلة للسقوط ، ولا يفكر بمستشفيات ولا بأدوية اوببنية تحتية ، او بصناعة وطنية او سواها من المشاكل التي يعج بها الداخل . عالم ما قبل السياسة مشغول { بقضايا وبمهمات } اقليمية وعالمية كبرى ، ويطالب الداخل بالسكوت الى وقت انجازها . خطة وزارة الاقتصاد الخمسية : خطة تنتمي لعالم السياسة الحديث المعني بكيفية تحسين شروط العيش في داخل البلاد لا في خارجها ، ولهذا ركزت الخطة على الداخل للارتقاء بالقطاعات الصناعية والزراعية التي يقود تثوير انتاجيتها الى تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد كلياً على ريع النفط ، ومن اجل خلق امكانية واسعة للقضاء على البطالة بخلق الآلاف من فرص العمل والوظائف . انها خطة طموحة لأنقاذ واقع متردي يغص بالكثير من الشرور الي تسهم بقوة باستمرار ظاهرة الارهاب . قوة الخطة اذن تكمن في تركيزها على حاجات المجتمع العراقي .. جرى قبل ايام تقييم للخطة بالتعاون مع البرنامج الانمائي للامم المتحدة ، فتبين من كلمة وزير التخطيط بأن [ الخطة الخمسية 2010 ــ 2014 لم تحقق اهدافها ] مرّ هذا التصريح الخطير من غير ان تعقب عليه خطب يوم الجمعة ، ولم تتوقف امامه طويلاً الكتل السياسية الحاكمة ، فتلقي الضوء على اهمية التخطيط في حياة الامم الحديثة ، وتناقش اسباب الفشل وتداعياته والتصور السليم الذي يقودنا الى تأصيل مفهوم التخطيط كمقولة من مقولات ثقافتنا . اليست الخطة موضوعة لاجل تحسين شروط حياتنا ؟ فلماذا نلوذ بالصمت حيال فشلها ، ونهرب منها الى مناقشة قضايا بعيدة ونائية تخص الآخرين ولا تخصنا ؟ هذه اللامبالاة حيال خطط النهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والخدمي والثقافي تعكس وعياً ثقافياً رافضاً للتخطيط كمفهوم وكممارسة ، وهذا الرفض يعبر عن موقف من قضية التنمية والتحديث ، ذلك ان الاعتماد على واردات النفط لوحدها ــ كما اثبتت السنوات السابقة ــ لم يستطع القضاء على نسبة البطالة العالية ويقضي على الفقر ، أو يقلل من نسبة الفوارق الطبقية الصارخة . نحن اذن امام خيارين : اما ان ندع النفط { بملابساته الكثيرة المعروفة } يتحكم بشروط حياتنا ، واما ان نصنع نحن وليست واردات النفط لوحدها شروط العيش في الحياة . وما امامنا غير الاخذ بالتخطيط كمنهج علمي يزودنا بالمعرفة العميقة بنقاط ضعفنا وبكيفية تجاوزها . التخطيط يعني اعادة تنظبم المعلومات التي تصلنا وانطلاقاً منها نتخذ القرار من غير عفوية أو ارتجال .. حين يكون المجتمع حاضراً في التخطيط وهو ما تضمنته خطة التنمية الخماسية ، تنجو الدولة من الاستبداد والدكتاتورية ، ومن كارثة التطابق بينها وبين النظام السياسي الذي عملت به العهود السابقة . لقد تطابقت الخطة مع السياسة بمعناها الحديث ، وفشلها لا يعني فشل وزارة الاقتصاد اذ الوزارة غير معنية بتطبيقها ، بل هو فشل مناخ ثقافي عام ما زال يتغذى على ما قبل السياسة : على تصورات ورؤى عن { مهمات كبرى } . لقد مثلت الخطة بحد ذاتها عملية عبور ، من ما قبل السياسة الى السياسة الحديثة وذلك بتركيزها على معالجة الكيفية التي يتم بها تحسين ظروف العيش في الداخل ..

العجز امام غضب الطبيعة

تستقل الطبيعة عن رغباتنا واهوائنا بقوانينها الخاصة التي تتولد عن تفاعلاتها ظواهر مختلفة ، بعضها نافع وبعضها يدخل في باب الكوارث . لم يستسلم العراقي لتحدي الطبيعة الكارثي ، بل استجاب له بطريقة مكنته من السيطرة عليه ، وذلك ببناء السدود وبأبداع شبكات الري ، وباكتشاف دورة الفصول ، وبالتالي باجتراح معجزة اول ثورة زراعية في التاريخ ، نقلت البشرية من طور جمع القوت الى طور انتاجه ، وهذا هو الدرس الذي يمكن استخلاصه من حضارة السومريين . لا يحق لنا الافتخار بتلك الحضارة لمجرد اننا ولدنا على الارض نفسها ، في الوقت الذي نفتقد فيه لزاوية نظر بناة تلك الحضارة التي قامت على الابداع والانتاج . يشعر المرء بالضيق وهو يشاهد ــ من شاشة التلفاز ــ تخلف العراقيين ، في استجابتهم لكوارث الطبيعة ، مقارنة بحركية وابداع اسلافهم السومريين ، فهم يقفون عاجزين أمام فعل أي شئ لسيول الماء التي اجتاحت قراهم وبلداتهم ، وحولت الآلاف من الكيلومترات الزراعية الى بحر متلاطم من المياه ، اغرق الزرع والضرع وكل ما بنوه او صنعوه بايديهم . لكأن هذه المنطقة الممتدة من الكوت الى العمارة لا تنتمي الى وحدة سياسية اكبر منها هي العراق ، بل ان المرء ليشعر بأنّ العراق نفسه يفتقر لأمكانية انقاذها . لا شئ في الصور المتلفزة يشير الى وجود منظمات للاغاثة وللانقاذ السريع ، تستطيع بما تملكه من نظام وتدريب ، وبما في حوزتها من آلات وتجهيزات ، ان تتدارك معاناة سكنة المنطقة المنكوبة وتحافظ على ما يملكون . لا شئ من ذلك ، واكتفت الحكومة بقرارات تعويض المتضررين مالياً ، على طريقة العصور القديمة التي لا تملك غير الاحسان الى المنكوبين ، لا على طريقة العصور الحديثة التي توفر فيها الدول منظمات مهيأة لأن تدرأ عنهم كوارث الطبيعة ، في كل وقت تشعر الحكومة او مجساتها الجوية بان كارثة طبيعية آتية . قبل أشهر غرقت بغداد فماذا فعلنا لكي ندرأ الغرق عنها اذا ما تكرر غضب الطبيعة وارسلت عليها كمية الامطار ذاتها ؟ عوضاً عن ذلك صدقنا باننا اصبحنا في طليعة البلدان العربية من حيث الاستقرار الامني والازدهار الاقتصادي ، فاخترنا ان تكون بغداد عاصمة للثقافة العربية ، وصرفنا المليارات على هذا الوهم ، رغم ان هذه المليارات التي صرفت ، يمكن لها ان تكون رافعة لشوارع بلا مياه آسنة وبلا أكداس من الزبالة . يحدث ذلك لأننا استعدنا العمل بالشكليات والاوهام وسلمنا امور الثقافة ، لا الى اصحابها الحقيقيين من المبدعين ، بل الى جهاز بيروقراطي همه سرقة المال العام باسم الصرف على هذه الظاهرة الثقافية او تلك . يشعر الانسان بغربة حقيقية ويلفه الاحساس بوجوده في عصور مغرقة في القدم حين يرى اخوه العراقي ــ في الصورة التلفازية ــ مشلولاً امام كوارث الطبيعة واهوالها بلا حول وبلا قوة . لم اسمع عراقي واحد ــ من المنطقة المنكوبة ــ يتحدث عن حقه الثابت في ان تكون له منظمات مستعدة لتقديم خدماتها في ايام الكوارث ، بل ركزوا في طلباتهم على طلب العون من الحكومة ، لكأنهم افتقدوا الشعور بأن حقهم كمواطنين يملي على الحكومة ان تعترف بمسؤوليتها عن التقصير في هذا الجانب . لقد دوّخ العراق نفسه ودوخ جيرانه بسلسلة من حروب . فمنذ بداية الثمانينيات ظل يخرج من حرب ليلج بوابة حرب أخرى ، ثم حين لم يجد مجالاً للقتال خارج حدوده الطبيعية ، انكفأ الى الداخل ، لا لكي يتصالح مع نفسه مستفيداً من دروس حروبه الكارثية ، بل لكي يجد له سنداً في حماقة جديدة اسمها الطائفية ، ينطلق منها في حروب اهلية ، تأخذ شكل قتال اهلي تارة ، او تخبوا احياناً لكي تأخذ شكل مهاترات سياسية . وهذه هي النتيجة التي يقود اليها البحث عن مشاكل الحاضر في وصفات جاهزة في الماضي... ما بين طاحونة الحروب الخارجية وبين طاحونة الازمات الداخلية ، سيظل العراقي يعيش محنة عجزه امام الوقوف بوجه الكوارث الطبيعية ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس