الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا بين مفترسين

رياض خليل

2013 / 6 / 1
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



ماذا يريد الغرب من سوريا :
انتاب الحماس الأوروبيين والأمريكان ،وانفتحت شهيتهم للتدخل العسكري المباشر والفوري ، تحت وطأة المفاجأة ( اشتعال فتيل الثورة السورية ) . لكن شهيتهم كان دونها مفترسون دوليون (روسيا والصين وإيران ) ، كشروا عن أنيابهم ، ورفعوا عقيرتهم بالتحدي ، وكبحوا جماح الخصوم ، الذين أحسوا أن دون أطماعهم مصاعب وتحديات غير محسوبة النتائج ، وأن التدخل والاقتراب من الفريسة ليس سهلا ، ولن يكون بلاثمن . ومن هنا بات التدخل العسكري المباشر للغرب هدفا بعيد المنال ، إن لم يكن مستحيلا ... وأدركوا أن السيناريو الليبي لن يتكرر .
ربما كان هذا واردا في البدايات ، لولا " الفيتو" الروسي الصيني المتكرر على أي شكل من أشكال التدخل ، بل حتى على مجرد الإدانة ، ما عطل مجلس الأمن ، ومنعه من إداء دوره تجاه مايجري في سوريا ، من " هولو كوست " يفوق كل تصور .
" الهولوكوست السوري " ؟
مع مرور الزمن ، تبلد الضمير الأوروبي الأمريكي ،وخبت جذوة حماسه ، فلجأ إلى الغرف المغلقة ، وكواليس السياسة ، ليعيد النظر في المسألة السورية المعقدة ، و تبين أن مصالحه تكمن في مكان آخر ، ما يفسر التلطى خلف الاعتراض الروسي المتطرف ، ثم وراء شكوك وأوهام تلقفها من النظام الأسدي ، حول وجود الجماعات المسلحة المتطرفة ، مع أنها مبالغ بها ، ومطعون في مصداقيتها ، وطور سياسة تضليلية ، لتبرير تقاعسه ، وتراخيه ، وتهربه من الاستحقاقات القانونية والسياسية الدولية ، التي توجب عليه ، على أقل تقدير ، الالتزام بتطبيق القانون الدولي ، وحمايته من الانتهاك السافر ، من قبل عصابة تدعي أنها حكومة وطنية وشرعية في سوريا . وهنا أؤكد أن الامتناع عن تطبيق القانون هو جريمة بحد ذاته بالمفهوم العام ، ولكن هل ثمة جهة قادرة على محاسبة عرابي الأمم المتحدة ؟ وهم الخصم والحكم ؟ ! وهاهو الشعب السوري يتعرض ل" هولو كوست " لانظير له ، ولايحرك المجتمع الدولي ساكنا . مع أنه يقيم الدنيا ولايقعدها إذا ماأنكر أحدهم " الهولوكست " الذي ارتكبته النازية في المانيا ضد اليهود . ما يعري حقيقة المواقف الغربية الأمريكية ، وازدواجية معاييرها ، ويسقط أقنعتها الكاذبة ، وعجزها عن إخفاء نواياها ، ومناوراتها التي هي أبعد ماتكون عن احترام القانون والحريات وحقوق الإنسان . وتبرهن على خيانة الغرب والأمريكان لقيم وثقافة الديمقراطية وسلوكياتها على صعيد النظرية والتطبيق في آن واحد .
ثمة ماهو أهم من الأخلاق ، تحكيم الضمير ، وتطبيق القانون :
كيف نفهم ونفسر المواقف الأوروبية الأمريكية التي تثير الشك والريبة ، وتقامر في مصداقيتها وسمعتها الأخلاقية والسياسية ؟ بل وبمصالحها الحالية والمستقبلية في سوريا ؟ وهل ثمة ماهو أهم من تحكيم الضمير ؟
أكثر من عصفور بحجر واحد :
في الواقع يريد الأوروبيون والأمريكيون أن يصطادو أكثر من عصفور بحجر واحد ، كما سنرى في السياق اللاحق ، وهذا يتطلب إطالة أمد الصراع في سوريا .. وعلى سوريا .. وبالتالي يتطلب المحافظة على ميزان القوى العسكري خصوصا مابين جيش الأسد والجيش الحر . . من أجل تأخير وتأجيل النصر قدر المستطاع ، لتحقيق أهداف عدة في آن واحد ، لم لا ؟! مادام الأمر ممكنا والفرص متاحة ؟
الاصطياد في الماء العكر :
مامن شك أن السياسة الدولية كانت وماتزال نواعا من إدارة الأعمال والمقاولات والتنافس غير الشريف في السوق الديبلوماسية البيضاء والسوداء . ومن هذه الخلفية يمكننا فهم وتفسير المواقف الأوروبية الامركية المتقلبة ، ولغتها الديبلوماسية المطاطية . وكل المؤتمرات الدولية التي انعقدت ، والتي ستنعقد ، هي أقرب ماتكون للناقصات والمزايدات والمقاولات والمساومات الضارية حول المسألة السورية ، وهدفها تمديد اللعبة ( الدموية ) ، من أجل إغراق المنطقة بجحيم تناقضاتها ، وشل قدرتها على أخذ زمام المبادرة ، والتحول إلى لاعب . في عصر كثر فيه اللاعبون ، وازدحمت الحلبة بهم . ولابد من استبعاد ماأمكن من المتنافسين في البورصة الدولية . ومنها إيران وشعوب المنطقة كلها . والتي بات شغلها الشاغل خوض الصراعات ضد بعضها الى مالانهاية ، مايوفر فرصة دائمة للهيمنة والتحكم الدولي بالمنطقة وسياساتها .
عدو مامن صداقته بد :
بالتأكيد لاتوجد ثقة متبادلة بين القطبين : الأوروبي الأمريكي من جهة ، والروسي الصيني من جهة ثانية . والعلاقة بينهما أساسا تتصف بأنها " جدلية" ، تجسد مبدأ " وحدة وصراع الأعداء " وبالعربي : " شر لابد منه " ، أو كما يقول شطر شعري :" عدو مامن صداقته بد " ، وهو موقف متبادل .
المصالح تلعب دورا أساسيا في تعاملهما ، إن من الناحية الثنائية البينية ، أو من حيث الموقف من طرف ثالث : ( بلد ما )
الكنز الروسي الصيني أولوية غربية :
أوروبا لايمكنها الاستغناء عن النفط والغاز الروسي ، ولاعن حجم التجارة معها ، ومع الصين ، بالتالي لايمكن للغرب التفريط بالحجم الهائل لمصالحهم مع الروس والصينيين من النواحي كافة ، وخصوصا من الناحية الاقتصادية . ولايمكن لما يجري في سوريا أن يشكل عقبة أو سببا في التضحية بالمصالح المذكورة ، لأنها تمس الأمن الاقتصادي الغربي – الأمريكي ، وبنسبة لايمكنهم تحمل تبعاتها ، مقابل موقف أخلاقي أو غير أخلاقي من القضية السورية . ومع هذا لن يغادروا الحلبة بسهولة وبلاثمن ، وهي فرصتهم للعب من فوق ومن تحت الطاولة ، وهذا مايفسر مواقفهم التي تصنف تحت مبدأ :
أضعف الإيمان :
لايسع الأوروبيين المغامرة بالكثير ، مادامت النتائج غير مضمونة . وبهذا يضيق هامش المناورة بالنسبة لهم ، وينحصر بالمجال الديبلوماسي عموما ، وبالدرجة الثانية بمجال الدعم المالي واللوجيستي والإغاثي والإعلامي .. وهو أضعف الإيمان ، وأقل تكلفة يمكنهم دفعها مقابل اصطيادهم لأكثر من عصفور بحجر واحد ،كما أسلفت ، وفي مقدمتها ، استدراج واستنزاف الجبهة الدولية المعادية لهم سرا وعلنا عبر توريطهم في صراع سوري – إقليمي مزمن ومكلف على أكثر من جبهة وصعيد ، مايتطلب عدم تمكينها من النصر ، مايعني في الجهة المقابلة ، المحافظة على قوى الثورة ، والحيلولة دون هزيمتها ، لأنها أتاحت وتتيح لهم لعب دور أكبر مماكان عليه الحال قبل الثورة ، ولهذا لايمكنهم السماح بهزيمة المعارضة السورية ، وبنفس الوقت لايرغبون بانتصارها السريع ، عبر تدخل مباشر إو غير مباشر . ماقد يعني تفويت الفرصة على اللاعبين ، من خلال إنهاء اللعبة .
مائدة من السماء .. على طبق من ذهب :
من حسن حظ الأوروبيين والأمريكيين أنهم لايزالون الأقل تضررا ممايجري في سوريا ، وأنهم الأقل مساهمة في دفع فاتورة الصراع السوري – الإقليمي . فهنالك من انبرى بحماس منقطع النظير للدفع والتدخل بكل الأساليب الممكنة لصالح كل طرف من طرفي الصراع السوري المرير . وهذا مايريح الأوروبين والأمريكيين نسبيا ، لأنه يعفيهم من تحمل حصة ثقيلة . فقد شاءت الأحوال أن يتصدى لمحور الشر الطائفي الإرهابي ، أهل المنطقة ، عبر دعمهم السخي للثورة السورية ضد تسلط ذلك المحور الممتد من طهران إلى بيروت مرورا ببغداد فدمشق . هذا المحور الذي اتخذ التشيع السياسي منهجا للسيطرة والنفوذ والإرهاب في المنطقة والإقليم الشرق أوسطي عموما . والذي لايسعه الخروج من عباءته العنصرية الاستبدادية ، تحت أي صيغة سياسية تحد من احتكاره للسلطة الشمولية المطلقة ، ولأن أي خطوة في هذا الاتجاه تؤدي إلى انهيار بنيته تباعا . وهذا مايفسر طوباوية أي حلول سياسية سلمية مطروحة .
حرب استنزاف بالوكالة :
هي إذن حرب استنزاف للجبهة الدولية المنحازة للنظام : روسيا والصين وإيران ، وهذه الأخيرة هي الأهم ، ومركز الثقل في الصراع الدائر . إيران : عرابة الطائفية السياسية ، وحاميتها في دول الجوار المشرقية العربية .
مرغم أخاك .....
الثورة السورية ، ومن ورائها الدول العربية الداعمة ، وجدوا أنفسهم مرغمين على مواجهة المحور الشيعي المتسيس . ويؤدون مهمة تصب في مصلحة الأوروبيين والأمريكان ، ويوفرون عليهم الفاتورة المحتملة لو أنهم اضطروا للقيام بذات المهمة بأنفسهم ، ومايدفعونه الآن لايعادل مجرد إكرامية لرفع العتب ، وذر الرماد بالعيون ، وحتى لو حدث أن اضطروا للتدخل ، فلن يحققوا عشر مايقوم به الثوار في سوريا ضد حماقات إيران وحزب الله ، العدوان اللذان لايؤتمن جانبهما ، ولايركن لنواياهما .
ورقة للمساومة :
الثورة السورية ومن خلال جيشها الحر ، يخوض حرب استنزاف ضارية ضد جيش الأسد ، وضد ميليشيات حزب الله ، ومن ورائهما إيران .. وروسيا . وهي حرب استنزاف مركبة وشاملة ، وخاصة من النواحي العسكرية والاقتصادية والسياسية . وهذا مايضع في أيدي الغرب أوراقا رابحة للمساومة والضغط ، على الخصوم التقليديين وحلفائهم من بلدان المحور الإيراني – الشيعي – السياسي .
من يدفع الفاتورة ؟
إن حسم الصراع يعني للأوروبيين والأمريكان إيقاف النزيف الإيراني ومعه حزب الله ، عسكريا واقتصاديا ، ولأن الخسائر الفادحة التي تلحقها الثورةالسورية بالحلف الشيعي ، أكبر بكثير مما تلحقه العقوبات الاقتصادية الأطلسية به ، إذن لامصلحة لهم بالحسم قبل أن تحقق الحرب مايريدونه من كسر شوكة إيران وعصابات حزب الله ، وجيش الأسد . ومن دون أن يخسروا الكثير . وهذا مايحصل ، حيث تدفع بعض البلدان الخليجية التكلفة للثورة السورية ، مايبقيها مستمرة ، ومؤثرة ، وموجعة للخصم الإيراني الروسي السوري . وهذا مايفسر تلكؤ الغرب بتقديم المزيد من الدعم ، وخصوصا العسكري منه ، وأعني الدعم العسكري القادر على إحداث تغيير جذري في ميزان القوى العسكري لصالح الجيش الحر . لأن النتيجة ستكون الحسم القريب والسريع ، وبالتالي انتفاء مبرر الاستمرار في تحطيم حزب الله ومن ورائه إيران وروسيا وهزيمتهم في الميدان عسكريا وسياسيا .
تدجين المعارضة :
إطالة أمد الصراع هو فرصة كافية ، لابتزاز المعارضة السورية ، وصولا لترويض قوى الثورة والمعارضة والجيش الحر ، وتدجينها ، لضمان بقائها طوع بنان المصالح الأوروبية الأمريكية ، وإبقائها تحت السيطرة ، في سوريا الغذ .
وختاما أقول : إن هذا التحليل للمشهد ، ليس قاطعا ونهائيا ، وربما تبرز معطيات مختلفة تؤدي إلى تدخل عسكري مباشر وغير مباشر في المستقبل المنظور .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين وصحفيين بمخيم داعم لغزة


.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش




.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش


.. كلمة نائب رئيس جمعية المحامين عدنان أبل في الحلقة النقاشية -




.. كلمة عضو مشروع الشباب الإصلاحي فيصل البريدي في الحلقة النقاش