الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القدس في ظل ادارة كلينتون

قصي طارق

2013 / 6 / 2
ملف - القضية الفلسطينية، آفاقها السياسية وسبل حلها


القدس في ظل ادارة كلينتون
تضمنت الحملة الانتخابية التي خاضها الرئيس السابق بل كلينتون اشارات واضحة على ان القدس الموحدة هي العاصمة الابدية لاسرائيل، وانتقد سلفه الرئيس جورج بوش الاب حين ربط ضمانات القروض، بضرورة تجميد الاستيطان الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وبعد وصوله إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الامريكية تركزت تصريحات كلينتون حول ضرورة البت في قضية القدس في مفاوضات الوضع النهائي بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، وفي الوقت نفسه لم تعلن ادارة كلينتون أي موقف ازاء ضرورة وقف الاستيطان الاسرائيلي في مدينة القدس المحتلة، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، في العام 1989 استخدمت الادارات الامريكية بمن فيها كلينتون الفيتو اكثر من مرة، ملغية استصدار قرارات تدين الزحف الاستطياني في الاراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها مدينة القدس.
ولدعم التوجهات الاسرائيلية في مدينة القدس لجعلها عاصمة ابدية لاسرائيل، وافقت ادارة كلينتون على نقل سفارتها من تل ابيب إلى القدس المحتلة، شرط ان لا يكون ذلك قبل العام 1999، وبحيث يرتبط ذلك بمفاوضات الوضع النهائي بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي والاتفاق على مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
كان المسار الفلسطيني قد قطع ثماني جولات في المفاوضات وكانت منظمة التحرير تلعب دور اللاعب الخفي في المفاوضات في الوقت الذي كان فيه وفد منظمة التحرير الفلسطينية المفاوض يطالب الراعي الامريكي بالتدخل كشريك كامل ووسيط نزيه لتسريع عملية السلام، بتنفيذ الوعود والتعهدات، التي قطعتها امريكا على نفسها وعلى "اسرائيل" لدخول الجولة التاسعة للمباحثات بجدية، كان الفريق الامريكي المكلف بمتابعة عملية المفاوضات، يتفق ثنائيا مع "اسرائيل" على اسقاط الوفد الفلسطيني في فخ مزدوج، يفقد فيه مصداقيته امام قيادته من جهة، وامام الشعب في الارض المحتلة من جهة اخرى. فخلال اكثر من ثماني عشر ساعة متواصلة من الاتصالات بين فريق الادارة الامريكية والوفد الاسرائيلي والسفير الامريكي في تل ابيب ورابين شخصيا، تم الاتفاق على دعوة الوفد الفلسطيني إلى اجتماع ثلاثي، يضم الوفدين الفلسطيني والاسرائيلي مع الراعي الامريكي بوصفه الشريك الكامل. لم يكن من الصعب على القيادة الفلسطينية التي تتابع مجريات الامور بتفاصيلها، ان تدرك ان اللقاء الامريكي سيكون مصيدة، تهدف منها امريكا الى وضع الوفد الفلسطيني امام الامر الواقع للاقرار باحد امرين، اما الموافقة على الاعلان في بيان مشترك على ان جولة المفاوضات الجارية احرزت تقدما وانجازا، حيث ان ادارة كلينتون "المضعضعة" بحاجة الى هذا الانجاز. او ان يتحمل مسؤولية، ان فشل الجولة يقع على عاتقه. وكان قرار القيادة المركزي ان على وفدنا عدم المشاركة في هذا الاجتماع الثلاثي المصيدة. وان على وفدنا التمسك بالمطالب والتعهدات والوعود، التي قطعت له قبل وبعد مشاركته في الجولة التاسعة. ومن الطبيعي ان تختلف الاراء في تقويم ما حدث في جو الغموض الذي يحيط به. فقد كان البعض يرى ان المشاركة في اللقاء الثلاثي هو تنفيذ لمطلبنا نحن بالتدخل الامريكي. ولم يمض وقت طويل حتى جاءت الورقة الامريكية، الصفعة في وجه كل من يراهن على بريق امل، ياتي من هذه الادارة الامريكية المنحازة كليا الى جانب "اسرائيل"، مما اكد صحة موقف القيادة.
ان نظرة سريعة الى الورقة الامريكية تعطي الانطباع الاول، بانها صياغة للافكار الاسرائيلية المغلفة ببعض الغموض الامريكي، الذي يوصف عادة في عبارات صموئيل لويس بالغموض البناء. لقد تبنت الورقة كل الافكار الواردة في الورقة الاسرائيلية، والتي لم تتحرك في المضمون قيد انملة عن الموقف الشاميري المعروف، والذي كان جاهزا ومستعدا للاستمرار في التفاوض لمدة عشر سنوات قادمة دون انسحاب من شبر من الاراضي المحتلة. ويمكن من خلال نظرة فاحصة تبين درجة النكوص الامريكي عن مواقفه ومبادئه السابقة، التي اشتملتها مبادرة السلام، والتي هي في الاصل، منحازة "لاسرائيل". تبدو مظاهر النكوص الامريكي في الحقائق التالية:
1- الورقة الامريكية لم تتطرق باي شكل من الاشكال الى ذكر القدس، وهو نفس الموقف في الورقة الاسرائيلية.
2- الورقة الامريكية لم تنكر او تشر الى مبدا الارض مقابل السلام، كما ورد في مبادرتها.
3- ولم تذكر الورقة تعبير الاراضي المحتلة، واستخدمت التعبير الاسرائيلي "المناطق".
4- ولم تعتبر الورقة ان هدف عملية السلام هو تحقيق التطبيق الكامل لقراري مجلس الامن 242 و 338، ومبدا الارض مقابل السلام، وبما يتوافق مع الشرعية الدولية، كما جاء في الورقة الفلسطينية، وانما حورت النص الفلسطيني وغيرته ليصبح (ان الاتفاقية التي يتم التوصل اليها بين الطرفين حول الوضع الدائم، سوف تشكل التنفيذ لقراري مجلس الامن 242 و 338)، وحيث ان "لاسرائيل" تفسيرها الخاص للقرارين، فان تنفيذها لهما يتناسب مع ذلك الموقف.
5- ولم تشر الورقة الى سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية الانتقالية (PISGA) التي تتمتع بالقوة التشريعية والفضائية والتنفيذية، بل ركزت على التعبير الاسرائيلي، ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالية (ISGA) ، وهي في النصين الامريكي الاسرائيلي مرحلة لا تقوم على اساس قراري مجلس الامن 242 و 338، وهي مرتبطة مع المرحلة النهائية في الاطار الزمني فقط، اي استمرار الاحتلال وعدم الاشارة الى الانسحاب الاسرائيلي.
6- بدلا من المطلب الفلسطيني الذي يربط المرحلة الانتقالية بالمرحلة النهائية، والذي يطالب بالانسحاب الاسرائيلي من جميع الاراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس، ووضعها تحت اشراف دولي تشير الى مراقبين دوليين.
7- لم تشر الورقة الامريكية، لو مرة واحدة، الى الشعب الفلسطيني، وهو ما ذكرته المبادرة الامريكية ورسالة الضمانات.
8- اما بالنسبة للمستوطنات والمستوطنين، فقد اثارت الورقة الامريكية وجهة النظر الاسرائيلية، باعتبارها جزءا من الامن العام الذي يجعل مسؤولية امن الاسرائيليين في المناطق، خلال المرحلة الانتقالية، مسؤولية اسرائيلية. وفي مجال الامن تشير الورقة الامريكية لاول مرة لوجهة النظر الفلسطينية حول موضوع الامن، ولكن هذه الاشارة جاءت مبتورة عن سياقها، بحيث تعبر عن حسن النية في مجال تحقيق السلام، وليس حسن النية في مجال الاذعان، كما هي في سياق الورقة الامريكية.
9- اما بالنسبة للوحدة الترابية والتكامل الاقليمي للارض الفلسطينية المحتلة، فقد تبنت الورقة الامريكية المنهج الاسرائيلي في الحديث عن وحدتها شكلا وتقسيمها مضمونا، تحت عناوين ادارة الارض واستخدامها وتخطيطها.( )
مما تقدم تصبح صور النكوص الامريكي اكثر وضوحا، وهو ما يجب ان يدفع الموقف الفلسطيني، وكذلك الموقف العربي الى تعزيز الموقف العربي الموحد في مواجهة الانحياز الامريكي السافر. لقد كانت حصيلة الجولة التاسعة، التي رصفت الطريق اليها بالوعود الكثيرة، مخيبة لامال كل الاطراف العربية. حيث لم يحصل تقدم حقيقي على اي من المسارات، وحيث بدا واضحا ان المسار الفلسطيني هو المؤشر لطبيعة التقدم العام على المسارات. ولقد بدا واضحا ان الازمة الداخلية للحكومة الاسرائيلية، قد لعبت دورا هاما في دفع الادارة الامريكية الى اتخاذ مواقف اكثر انحيازا لها، وذلك لحماية حكومة رابين، التي بدت عاجزة عن الايفاء بوعودها تجاه قضايا المبعدين وحقوق الانسان. وحتى لا تبدو امام التيار الصهيوني الليكودي في موقع الضعيف، فقد عمدت الى تصعيد القبضة الحديدية والانتقام الجماعي من جماهير شعب الانتفاضة. وكما بدا الوضع الامريكي في حالة ضعف امام مشكلة البوسنة والهرسك، التي استنفذت طاقات الوزير الامريكي كريستوفر، فقد جاء الموقف الامريكي في الجولة التاسعة اكثر رضوخا للوبي الصهيوني، الذي يمارس تاثيراته على السياسة الاقتصادية لادارة كلينتون بشكل سافر.
ان التناغم الذي انطلق على السنة الصهيانية، في "إسرائيل" وامريكا على حد سواء، تركز على ان موقف القيادة الفلسطينية المركزية في تونس، وخاصة الاخ ابو عمار، الذي يرفض ما يسمى وثيقة "جسر هوة الخلافات الامريكية"، وتركز هجوم رابين في صحيفة "عل همشمار" على منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، وحملها مسؤولية فشل المحادثات السلام، بسبب وضعها العراقيل امام الوفد الفلسطيني.
لم تكن نهاية الجولة التاسعة اكثر ماساوية على الوضع التفاوضي من نهاية الجولة الثامنة، والتي تمت مقاطعة جلستها الاخيرة، بسبب عملية الابعاد لاكثر من اربعمائة مواطن فلسطيني الى مرج الزهور.
اما الجولة التاسعة فقد انتهت بدون اتفاق واضح على موعد استئناف المفاوضات، ولكن الموقف الامريكي المتغطرس، استمر في اعتبار الجولة التاسعة مستمرة، وانها الجولة الاخيرة، التي ستتواصل وتتواصل ويتحول العدد الى جلساتها، وليس الى عدد الجولات القادمة، على الرغم من اعلان الموقف العربي والفلسطيني الرفض لهذه الصيغة. ان الاستمرار في (ملاحقة العيار لباب الدار)، تتنافى مع الحديث النبوي الشريف (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين). ولكي نكسب الجسد الفلسطيني المناعة من تاثير السم الامريكي والاسرائيلي مستقبلا، كان لا بد من اعادة تقييم شامل. ولقد كان موقف القيادة الذي رفض الاذعان والالتحاق بالاجتماع الثلاثي، الذي دعا له الامريكان، لعرض ورقتهم على الوفدين الفلسطيني والاسرائيلي، مصدر اعتزاز وكرامة لاعضاء الوفد. وكان رفض القيادة الفلسطينية لمضمون الورقة الامريكية وشكلها، والتي لم تكن سوى صياغة للافكار الاسرائيلية، النقطة المضيئة في الجولة التاسعة، على حد تعبير اعضاء الوفد الفلسطيني.( )
وقد جاء التوصل الى اتفاق اوسلو بين م.ت.ف والحكومة الاسرائيلية بعيدا عن الوساطة الامريكية التي كان يقودها في واشنطن دينس روس ومارتن انديك. وقد اشتملت اتفاقية اوسلو على نصوص تفرض النقاش والحوار والمفاوضات حول القدس. حيث تم تحديد مرحلتين خلال خمس سنوات، المرحلة الاولى الانتقالية ثم المرحلة النهائية وتشمل الدخول في المفاوضات حول الوضع النهائي بما لا يتجاوز بداية العام الثالث. وقد نصت اتفاقية اوسلو على اعتبار القدس احد قضايا الوضع النهائي. كما تمت الاشارة اليها في الملحق الاول المتعلق بالانتخابات حيث تضمن ما يلي: (فلسطينيو القدس الذين يعيشون هناك لهم الحق في المشاركة في عملية الانتخابات حسب الاتفاقية بين الطرفين)( ). كما وان الرسائل الجانبية المساندة للاتفاق تضمنت رسالة كان المفروض ان تبقى سرية ولا تنشر الا باتفاق الطرفين، وتحت ضغط المعارضة الاسرائيلية في الكنيست اضطر بيريز إلى الاعتراف بالوثيقة التي كانت رسالة موجهة من بيريز الى هولست تتضمن الموقف من القدس وتنص كما يلي: (اود ان اؤكد ان المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية والمصالح الفلسطينية بالقدس الشرقية هي ذات اهمية قصوى ويجب ان تصان. وبناء عليه فان جميع المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية والتي تشمل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والتربية والثقافة والاماكن المقدسة المسيحية والاسلامية تشكل عملا اساسيا بالنسبة للشعب الفلسطيني. ومن نافل القول الاشارة بأننا لن نعطل هذه النشاطات ولكن على العكس فان تنفيذ هذه المهمة الهامة يجب تشجيعه).
بعد تولي جورج بوش الابن سدة الرئاسة في الولايات المتحدة ، كانت الانتفاضة الفلسطينية التي انطلقت شرارتها الأولى في ساحات الأقصى الشريف ، قد اندلعت قبل أشهر ، وكان من المقدمات التي هيأت لشرارة الانتفاضة ، الضغوط الأمريكية والاسرائيلية على المفاوض الفلسطيني في مفاوضات كامب ديفيد الثانية التي استمرت لأسابيع ، حيث رفض الوفد الفلسطيني التنازل عن القدس الشرقية ، واعتبار بعض توسعاتها عاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة في الضفة وقطاع غزة ، وتبعاً لاشتداد وطأة المجازر الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني والانتفاضة ، والخسائر الاسرائيلية من جراء المقاومة المسلحة والضرب في العمق الاسرائيلي ، اضطرت إدارة بوش الابن لإرسال مبعوثها إلى منطقة الشرق الأوسط من أجل الضغط على الطرف الفلسطيني لإخضاعه وقبوله بالشروط الاسرائيلية ، والانقضاض على الانتفاضة . وقد ركزت إدارة بوش الابن على الجانب الأمني ، عبر إرسال رئيس جهاز المخابرات الأمريكية (CIA) إلى المنطقة ، لإقامة اتفاقات أمنية إسرائيلية فلسطينية ، وتأجيل التفاوض السياسي بعد إجهاض الانتفاضة وفرض الأمر الواقع الاسرائيلي ، وهذا ما يؤكد أن إدارة بوش الجديدة ، تابعت نفس سياسات الإدارات الأمريكية إزاء القدس وتوجتها بتوقيعه على قرار الكونغرس الأمريكي باعتبار القدس الموحدة بشقيها ، العاصمة الأبدية لدولة اسرائيل .
قد كان لدور اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة بالغ الأثر على هذا الصعيد بغياب أي ملامح للوبي عربي وإسلامي بمقدوره أن يمارس حتى أي قدر من الضغوط خصوصاً على الكونغرس بشقيه الشيوخ والنواب .
في خطوة جديدة من خطواتها الداعمة للحكومة الاسرائيلية ، وقع الرئيس الأمريكي "جورج بوش" ، يوم الاثنين الموافق 30/9/2002 ، على قانون العلاقات الخارجية رقم (H.R.1646) والذي قدمه الكونغرس الأمريكي يوم الخميس الموافق 26/9/2002 ، وتضمن بنداً يعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل ، إضافة إلى تضمنه موازنة وزارة الخارجية ، التي خصصت منها مائة مليون دولار كمنحة إضافية لإسرائيل لشراء أسلحة .
وفي محاولة منه لإرضاء العالم العربي والاسلامي ، ذكر الرئيس بوش أن البند (214) المتعلق بالقدس في قانون العلاقات الخارجية الجديد يتعارض بطريقة غير مقبولة مع سلطات الرئيس الدستورية بشأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة والإشراف على الشق التنفيذي منه، وقال أن هذا البند يشكل تدخلاً في السلطة الدستورية التي يتمتع بها الرئيس لصياغة موقف الولايات المتحدة ، والتحدث باسم الأمة في مجال السياسة الخارجية وتحديد الشروط التي بموجبها الاعتراف بالدولة الأجنبية . إن موقفنا المتعلق بالقدس مرتبط بمسألة الوضع الدائم الذي يجب أن يحدد بتسوية سلمية تفاوضية. ولكن رغم ذلك قام بالتوقيع على القانون .
وكان الكونغرس الأمريكي قد سن تشريعاً في عام 1995 يقضي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس في موعد أقصاه نهاية عام 1999 ، إلا أن الرئيس الأمريكي"بل كلينتون" دأب على تمديد هذه الفترة لمدة ستة شهور كلما انتهت .
ويخالف البند (214) من قانون العلاقات الخارجية المتعلق بالقدس قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 ، حيث أن قرار تقسيم فلسطين الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 وضع مدينة القدس تحت الوصاية الدولية . إلا أن اسرائيل وضعت يدها على مدينة القدس الغربية في حرب 1948 ، وخضع الجزء الشرقي منها لسيادة المملكة الأردنية الهاشمية التي أصبحت الضفة الغربية لنهر الأردن جزءاً منها أعقاب مؤتمر أريحا عام 1951 ، والذي قضى بإلحاق الضفة الغربية بالمملكة ، وفي عام 1967 احتلت اسرائيل الجزء الشرقي من المدينة . وفي شهر آب(اغسطس) عام 1967 شرعت سلطات الاحتلال الاسرائيلي في تطبيق قوانينها على القدس الشرقية . وفي عام 1982 اقر الكنيست الاسرائيلي ضمها رسمياً إلى اسرائيل ، رغم مخالفة ذلك للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية .
وكان مجلس الأمن الدولي قد أصدر في عام 1979 القرار رقم (446) الذي أكد فيه على أن مدينة القدس الشرقية أراض محتلة خاضعة لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 ، والتي وقعت عليها اسرائيل.
بتوقيع الرئيس الأمريكي على مشروع القرار يصبح المشروع قانوناً سارياً يحكم الموازنة المالية لوزارة الخارجية الأمريكية لعام 2003 ، وينص القانون على تسميته بقانون التفويض المالي لعام 2003 للعلاقات الخارجية ، ويتناول فصلان ، الأول : تفويض الصرف لميزانية وزارة الخارجية لعام 2003 ، والثاني : تخصيصات الدعم الأمني .
تتناول الفقرة رقم (214) من المادة (2) من القانون سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ، بشأن القدس ، باعتبارها عاصمة لاسرائيل ، وتنص هذه الفقرة على : أن الكونغرس يحافظ على التزامه بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس ، ويحث الرئيس وفقاً للقانون الذي تم إقراره عام 1995 ، القانون العام رقم (104-45) كي يبدأ فوراً باتخاذ الاجراءات اللازمة بنقل مقر السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس ، ويحظر هذا القانون استخدام الاعتمادات المرخصة ، بموجبه لاعمال القنصلية الأمريكية في القدس ما لم تكن تحت إشراف مباشر لسفير الولايات المتحدة في اسرائيل ، كما يحظر صرف أية موارد مالية لأغراض نشر مطبوعات تتطرق إلى ذكر الدول المختلفة وعواصمها ، ما لم تذكر القدس عاصمة اسرائيل.
ومباشره ، بعد أن وقع "جورج بوش الابن" على القانون أصدر بياناً موضحاً فيه ، موقفه إزاء الفقرة (214) من القانون بخصوص القدس ، مشيراً إلى أن سياسة الولايات المتحدة تجاه القدس لم تتغير ، وإن هذا القانون يعتبر تدخلاً من السلطة التشريعية في صلاحيات الرئيس وحقه في تحديد السياسة الخارجية إزاء الاعتراف بالدول الأجنبية.
أما وزارة الخارجية الأمريكية ، فاكتفت بتصريح المتحدث باسمها "ريتشارد باوتشر" قبيل توقيع الرئيس على القانون ، حيث قال : " إن سياسة الولايات المتحدة تجاه القدس لن تتغير ، وأضاف " لقد عبرت وزارة الخارجية الأمريكية ، بوضوح ، وانتظام أنها تعارض فحوى هذا القانون ، وقد تم التوضيح لأعضاء الكونغرس ، أن تشريع مثل هذا القانون يعرقل قدرة الرئيس للدفع باتجاه طريق مفاوضات السلام.
ولكن هذه التصريحات لا تعدو عن كونها ذرٍ للرماد في العيون ، وهذا ما جاء في صحيفة "واشنطن بوست" في عددها الصادر في 28/4/2002 ، حينما قالت الصحيفة "بأنه خلافاً للأعراف السابقة حيث كان يحضر وزير وزير الخارجية بنفسه إلى الكونغرس الأمريكي ، لمناقشة مثل هذه الأمور ، وفرض رأي الوزارة ، بشأن الموافقة أو عدمها ، إلا أن هذه المرة كان غياب وزير الخارجية أو حتى نائبة عن مناقشات القانون في الكونغرس ملفتاً للنظر . وتجدر الإشارة إلى أنه كان بإمكان الرئيس الأمريكي أن يستخدم حقه في نقض القانون لكنه لم يفعل ، وإن قرر عدم التزامه به ، وأكد أن موقف الادارة لم يتغير بشأن القدس ، وأنه يعتبر هذا القانون ارشادياً . إلا أن بعض مساعدي أعضاء الكونغرس يؤكدون أن وزارة الخارجية ستضع نفسها عرضة للدعاوى القانونية إذا ما تجاهلت هذا القانون ولكن المراقبون يعتبرون هذا القانون بمثابة نقله نوعية باتجاه تنفيذ قرار الكونغرس الأمريكي رقم 104-45 لعام 1995 الذي ينص على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس باعتبارها عاصمة لإسرائيل . خاصة وأن الإدارة بشكل عام لم تبذل أي جهد لوقف القانون أو تعطيله . ويربط البعض هذا الموقف للإدارة بالانتخابات النصفية للكونغرس التي ستجري يوم 5/11 في محاولة منها لكسب أصوات اليهود في الولايات المتحدة ، فضلاً عن سعيها للحصول على موافقة أعضاء الكونغرس منح الرئيس السلطات المطلوبة للتعامل مع قضية العراق.
ولا يذهب التشريع الجديد الذي أقر لأكثر من حث الإدارة على البدء فوراً في إجراءات نقل السفارة إلى القدس ، لكنه يتضمن ثلاثة بنود إجبارية من شأنها تغيير الموقف الأمريكي من القدس .
أولها : إن الإدارة لا يمكنها الإنفاق على القنصلية الأمريكية في القدس ما لم تخضع لإشراف السفير الأمريكي لدى اسرائيل ، ويتلقى القنصل العام للولايات المتحدة في القدس تعليماته حالياً من وزارة الخارجية مباشرة .
وثانيها : أن أي مستند تصدره الحكومة الأمريكية يتضمن أسماء الدول وعواصمها يجب أن ينص على أن القدس هي عاصمة اسرائيل .
وثالثها : فإنه يصبح من حق الرعايا الأمريكيين المولودين في القدس أن يصروا على أن يذكر في الوثائق الرسمية الأمريكية مثل جوازات السفر وشهادات الميلاد والجنسية أن محل الميلاد هو اسرائيل.
لم تأت موافقة الرئيس الأمريكي على القرار بغتة ، ودونما حسابات سياسية ، كما يعتقد البعض ، فموافقة الرئيس الأمريكي ، وكما يقول الدكتور برهان غليون ، رئيس مركز دراسات الشرق المعاصر ، في جامعة السوريون ، جاءت بفعل التقاء ثلاثة عوامل أساسية ، وهي :
1. الاتجاه المتزايد لمطابقة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط مع السياسة الاسرائيلية :
سارعت الادارة الأمريكية الجديدة ، إلى إرضاء اللوبي اليهودي ، في الولايات المتحدة الأمريكية ، من خلال تقديم أوجه الدعم المادي والمعنوي لاسرائيل ، ولعل أحد أهم أوجه الدعم المادي ، الذي قدمته إدارة جورج بوش الابن هو ، مطابقة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط مع السياسة الاسرائيلية لدرجة لم تعد هناك إمكانية للتفريق بين مطالب واشنطن ومطالب تل أبيب من العرب والفلسطينيين وقد تفاقم هذا التطابق كما لم يحصل في أي وقت مضى مع وصول اليمين الأمريكي واليمين الإسرائيلي القومي والشوفيني إلى السلطة وتعاظم الاعتقاد في وسطهما بفاعلية اللجوء المكثف إلى القوة لحل الخلافات الدولية وتحقيق ما يسمى بالمصالح القومية المقصود بها تأكيد التفرد بالهيمنة والتفوق ووضع اليد عندما يكون ذلك على موارد الآخرين وحقوقهم الأساسية.

2. تزايد نفوذ اللوبي المؤيد لاسرائيل في الكونغرس :
لم يقتصر نفوذ اللوبي المؤيد لاسرائيل ، في التأثير على سياسات الادارة الأمريكية ، بل امتد هذا النفوذ إلى السيطرة على المؤسسات التشريعية ، في الولايات المتحدة الأمريكية ، وعلى رأسها الكونغرس الأمريكي ، ولم تأت هذه السيطرة بفضل ما ينفقه من اموال لشراء أصوات الشيوخ والنواب ، والحصول على تأييدهم فحسب ، ولكن أكثر من ذلك ، بفضل ما يبذله من جهود سياسية وإعلامية ، عديدة ، وما يقوم به من تعبئة مستمرة ودائمة لصالح اسرائيل ، وما ينجح في تعميقه من المواقف والتحليلات والمعلومات المضللة ، التي لا علاقة لها بالواقع الشرق أوسطي من قريب أو بعيد.

3. عجز الدبلوماسية العربية :
ينبع عجز الدبلوماسية العربية ، من ضعف الشعور بالمسؤولية ، الذي أدى إلى ما يشبه الشلل ، في نشاط الدبلوماسية العربية على الساحة الدولية والأمريكية بشكل خاص وهو ما جعل الساحة خالية تماماً أمام اللوبي الاسرائيلي لتضليل الرأي العام الأمريكي والعالمي وتمرير الدعاية الصهيونية عليه ويبدو هذا التقصير الدبلوماسي العربي أكثر إيلاماً عندما نعرف أن معركة القدس ليست جديدة ولا جاءت مفاجأة ولكنها مفتوحة منذ سنوات إن لم نقل منذ عقود ولا يكاد اللوبي الاسرائيلي في واشنطن يترك فرصة من دون أن يعود إليها ويحاول المستحيل لتأكيد سيطرة اسرائيل الكاملة عليها .
لقد بقيت الدبلوماسية العربية مكبلة خلال السنين الطويلة الماضية ولم تحاول لحظة واحدة تجاوز تشتتها وضياع رؤيتها وانقسامها من أجل التفاهم حول استراتيجية طويلة المدى للتأثير على الكونغرس والرأي العام الأمريكيين ، وكل ما قامت به هو رد فعل وقتي ولفظي على الهجومات الدبلوماسية القوية والمركز للوبي الاسرائيلي في الكونغرس وخارجه من الأروقة الأمريكية والدولية ، والحال أن ردود الفعل لا تدوم سوى أيام أو أقل قبل أن تعود الأمور إلى مجراها إن ما حصل منذ بداية هجوم اللوبي الاسرائيلي في الكونغرس لفرض الاعتراف بتهويد القدس على الادارة الأمريكية يبرهن على أن الدبلوماسية العربية الكثيرة العدد والعدة معاً تفتقر إلى العمل المنهجي والمنظم وطويل النفس ولا تعيش إلا في اللحظة الراهنة أو الآنية وهي تبدو كأنها تعتقد أن مجرد تأجيل الموضوع يعتبر حلاً له أو كسباً كافياً ، بانتظار أن تطرح المسألة من جديد بعد فترة قد تطول أو تقصر.
وعليه فإن محاولة الدفاع عن الحقوق العربية ، وتحديداً الحقوق السياسية ، كقضية القدس لن يتأتى من خلال بيانات الشجب والاستنكار ، التي أصبحت وسيلة سهلة من قبل الحكومات العربية لاسترضاء الرأي العام العربي ، فالدفاع عن قضية القدس يتطلب عملاً منهجاً ومخططاً ، وتتوفر له الإمكانات البشرية ، والمادية على حد سواء ، وتصبح لعبة المصالح في المنطقة العربية ، هي حجر الأساس ، في مواجهة السياسات الأمريكية ، التي تخص قضية القدس ، فبمقدار ما تنحاز فيه الإدارة الأمريكية لإسرائيل ، ينبغي أن تتأثر مصالح أمريكا سلباً في المنطقة ، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية.( )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توسع الاحتجاجات الجامعية في أنحاء العالم


.. إجراءات اتخذتها جامعات غربية بعد حرب إسرائيل على غزة




.. استشهاد فلسطينيين أحدهما طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزلا شر


.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع




.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر