الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة بنكيران بين منطق الاحتكام الى الوثيقة الدستورية و التسويات السياسية

جلال الفرتي

2013 / 6 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


منذ اقرار الدستور الجديد الذي جاء كخطوة استباقية للتطورات التي كانت يعرفها السياق العربي و الاقليمي ، و المتمثل في بروز حركات اجتماعية عفوية حاملة لواء تحقيق العدالة الاجتماعية و الحرية ، قبل ان تتحول الى حركات راديكالية تنادي الجدري و إسقاط بعض الانظمة ، اثير التساؤل عما اذا كان هذا الاجراء الوقائي التي نهجه النظام السياسي المغربي قادرا ان يجعل من الوثيقة الدستورية بالمغرب، آلية للانتقال من بنية سياسية تقليدية إلى بنية سياسية مؤسسة لمقومات الدولة الحديثة؟ ومؤطرة لعلاقة الدولة بالمجتمع، بعيدا عن الآليات التقليدية للمخزن ومعبرة في صيرورتها عن ارادة التغيير المعلنة من قبل النظام السياسي ؟ .
اظافة الى ذلك و في خضم الاحداث المتسارعة التي كان يعرفها المحيط العربي ، وضع الدستور الجديد من قبل العديد من الملاحظين و المراقبين للشان السياسي المغربي تحت المجهر ، و عما اذا كانت الحركات الاحتجاجية و تحديدا حركة 20 فبرابر قادرة على الدفع في اتجاه تفعيل بنوذ هذا الدستور ، رغم رفضها لمضمونه و كذا القطع مع منطق الدساتير السابقة و التي لم تكن سوى إطار قانوني خاضع باستمرار لتسويات سياسية ظرفية، خاضعة لميزان القوى، هدفها تكريس مراقبة الدولة للمجتمع بآليات حديثة؟
ان البطء الذي ميز اداء الحكومة التي يقودها حزب العدالة و التنمية في اخراج العديد من النصوص و المراسيم من اجل تفعيل بنود الدستور الاستباقي و ان كان يفسر في جزء كبير منه الى وجود قوى سياسية لازالت متوجسة من تجربة حكومية بقيادة ذات مرجعية دينية ، وعدم مراكمة هذه الاخيرة لتجربة متكاملة في تسيير الشان العام ، فان العديد من القضايا التي اثيرت سواء على الصعيد التقني للدستور و التي لا تستدعي مواقف سياسية راديكالية لخلخة النسق السياسي اثبتت ان الاحتكام الى الوثيقة الدستورية لا زال محكوما بمنطق التسويات السياسية .
وفي هذا السياق لابد من طرح السؤال حول طبيعة ودور الوثيقة الدستورية في تأطير مجموع العلاقات السياسية؛ خصوصا أمام غياب تقاليد مؤسسة للأعراف الديمقراطية والدستورية/البرلمانية ، إذ يبدو أن هناك آليات وقنوات أخرى غير دستورية تحدد مجالات الاشتغال السياسي، بمعنى آخر فان المشروعية السياسية التي يحاول حزب العدالة و التنمية الدفاع عنها امام خصومه السياسيين ، غير مطابقة للشرعية الدستورية / القانونية؟
و بالتالي فمحاولة البعض التاسيس لعقد اجتماعي متخيل من خلال اقرار الدستور الجديد فيه دعوة ضمنية لاعادة قراءة النظام السياسي المغربي في شكله القانوني والمؤسساتي، من خلال اختزا ل الظواهر السياسية والاجتماعية كظواهر قانونية، وكأن القانون هو الذي يحدد مجال السياسة، فمثل هذا التصور الأخير هو الذي جعل البعض يعتبر هذا الدستور كغيره من الدساتير السابقة كثورة شكلت قطيعة مع الماضي السياسي والاجتماعي المغربي في حين أنها شكلت في الواقع استمرارا لذلك الماضي باعتماد تقنية الدستور الذي يجسد البيعة المقدسة بين الملك والشعب» وكمجرد وسيلة لخدمة السياسة الملكية
وقد سبق للسوسيولوجيا القانونية ان حاولت رصد هذه المفارقة بين القانون والواقع، والتي يمكن تفسيرها سواء على مستوى التطبيق الفعلي للنصوص القانونية التي تبدو متقدمة على المجتمع ، أو على مستوى وجود بنيات سياسية تقليدية لازالت تشتغل ضد منطق فكرة الدستور . فالدستور المغربي في مختلف مراحله عكس مجالا واسعا للصراع حول السلطة، حيث كانت الوثيقة الدستورية إطارا بامتياز للتوفيق بين مجموعة من المتناقضات. فإذا كان مفهوم الدستورانية كتعبير عن مجموعة من الضوابط والآليات القانونية المحددة للعمل السياسي لا يمكن فصله عن بروز الطبقة البورجوازية الحاملة لمشروع ليبرالي للمجتمع. فإنها في المغرب ظلت خاضعة لسلسلة من التسويات والتوافقات دون أن تعكس تطورا على مستوى الفكرة الدستورية، إذ غالبا ما ثم الحسم في قضايا جوهرية خارج نطاق الشرعية الدستورية.
فالممارسة الفعلية للسلطة بالمغرب أثبتت أن البنيات الحداثية (أحزاب، نقابات، برلمان)تبقى بنيات فرعية وتابعة لبنيات تقليدية أكثر فعالية وأكثر تأثيرا وبالتالي فالصراع في المغرب، كان يتم في مجال المشروعية، بينما كانت قواعد الشرعية خاضعة لمجالات الظرفية السياسية ولميزان القوى، فهذه الأخيرة أي الشرعية وضعت على مقاس المشروعية، ذلك أن الانتقال من مفاهيم السلطان والمخزن إلى ملك وحكومة اكتسى طابعا سيميائيا في غياب تحول عميق في البنيات السياسية والاجتماعية .

جلال الفرتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قيادي بحماس: لن نقبل بهدنة لا تحقق هذا المطلب


.. انتهاء جولة المفاوضات في القاهرة السبت من دون تقدم




.. مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية تطالب بوقف حرب غزة ودعما للطل


.. فيضانات مدمرة اجتاحت جنوبي البرازيل وخلفت عشرات القتلى




.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف