الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر هِبَة النِّيل لا هِبَة أثيوبيا!

جواد البشيتي

2013 / 6 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


"مصر هِبَة النيل". هذا قول قديم؛ أمَّا معناه الجلي الواضح فهو أنَّ وجود مصر من وجود النيل؛ وفي حضارتها القديمة، على وجه الخصوص، نَقِف على الأهمية التاريخية العظمى للنيل؛ فمياهه لم تكن للشرب، أو للزراعة بصفة كونها أساس الحضارة، فحسب، بل كانت الدَّافِع الأقوى إلى التأسيس لسلطة مصرية مركزية، هيمن عليها رجال الدين لانفرادهم بمعارف صالحة مفيدة لتنظيم الرَّيِّ، وخزن المياه، وتوزيعها للاستهلاك البشري والزراعي والعمراني؛ فالنيل هو الذي أسَّس لحضارة مصر (الوثنية) بكل أوجهها، وجعل لها دولة بإقليم كبير واسع، وسلطة مركزية قوية؛ وجعلها، من ثمَّ، في مكانة حسدها عليها، على وجه الخصوص، بنو إسرائيل، الذين كانوا، في زمن بناء أهرامات خوفو وخفرع ومنقرع ومعبد الكرنك..، قبائل رُحَّل، يعيشون في الخيام مع مواشيهم، وينتقلون معها من مكان إلى آخر طلباً للكلأ والمرعى؛ فلمَّا استبدَّ بهم الشعور بالدُّونية الحضارية، وبالعجز عن أنْ يبتنوا لهم حضارة وثنية كحضارة المصريين، تَضُمُّ معبداً كمعبد الكرنك، وتماثيل كتماثيلهم، أتوا بما يستطيعه عجزهم الحضاري، ألا وهو "التناخ"، يَحْملونه معهم في حلِّهم وترحالهم؛ ثمَّ قاموا بما يشبه "تزوير النَّقْد"، إذْ استولدوا من معنى "مصر هِبَة النيل" عبارة "فلسطين هِبَة الرَّب لهم"؛ وها هو ممثِّلهم في القرن الحادي والعشرين ليبرمان يهدِّد بتدمير السَّد العالي لإغراق مصر؛ أمَّا حليفهم الأثيوبي فيتوفَّر الآن، وبالتعاون الوثيق معهم، على إضافة عبارة "والنيل هِبَة أثيوبيا"إلى عبارة "مصر هِبَة النيل"؛ ولسوف يُتَرْجِم، عمَّا قريب، العبارة المُضافة بعملٍ، يريد أنْ يُثْبِت به أنَّ "مصر (نفسها) هِبَة أثيوبيا".
إنَّ الجغرافيا تستبدُّ الآن بمصر، بحاضرها ومستقبلها؛ فالنيل (الذي مصر هِبَته) يرفده نهران هما: "النيل الأبيض"، الذي تنبع معظم مياهه من بحيرة فيكتوريا، التي تتقاسَم حدودها أوغندا وتنزانيا وكينيا، و"النيل الأزرق"، الذي تنبع مياهه من بحيرة تانا في أثيوبيا؛ وهو الرافد الأهم للنيل؛ فإنَّ نحو 85 في المئة من المياه المغذِّية للنيل يأتي من "النيل الأزرق". وهذان النهران، أو الرافدان، يلتقيان بالقرب من العاصمة السودانية الخرطوم؛ ثمَّ يصب النيل في البحر المتوسط، فيذهب جزء كبير من مياهه هدراً؛ وكان هذا الجزء (المهدور) أكبر قبل بناء السَّد العالي.
حصَّة مصر من مياه النيل 84 مليار متر مكعب، وعجزها المائي 22 مليار متر مكعب؛ أمَّا أثيوبيا فحصتها 130 مليار متر مكعب، تُضاف إليها مياه 12 حوضاً. وحُصَّتا مصر والسودان من مياه النيل (84 مليار متر مكعب) تعدلان أقل من 5 في المئة مِمَّا يسقط من أمطار على دول المنبع.
من بحيرة (فيكتوريا) تقع في أراضٍ غير عربية، هي أراضي أوغندا وتنزانيا وكينيا، ينبع معظم مياه النيل الأبيض الذي يرفد النيل. ومن بحيرة (تانا) تقع في أرضٍ أخرى غير عربية هي أثيوبيا، ينبع النيل الأزرق الذي منه يأتي نحو 85 في المئة من المياه المغذِّية للنيل.
أثيوبيا الآن، ولبناء "سد النهضة"، المولِّد للكهرباء مستقبلاً، شرعت تُحوِّل مجرى النيل الأزرق؛ والسِّعة التخزينية لهذا السَّد 74 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ حصَّة مصر (التي عجزها المائي الآن 22 مليار متر مكعب) ستتضاءل، كما سيتتضاءل إنتاج السِّد العالي من الطاقة الكهربائية.
وبناء "سد النهضة"، الذي لا ريب في إضراره بالأمن المائي لمصر، وبأمنها القومي والإستراتيجي، لا يمكن إدارجه إلاَّ في سياق سعي إستراتيجي لإضعاف مصر، ولإعلاء بنيان "إسرائيل العظمى"؛ فيد إسرائيل، التي ستُحْكِم قبضتها على كهرباء السَّد، إنتاجاً وتوزيعاً، في بناء هذا السَّد مرئية لكل من له عينان تُبصران.
هذا السَّد، وبما يتمتَّع به من أهمية كهربائية وزراعية ومائية، وبما يتسبَّب به من إضعاف لمكانة مصر الإستراتيجية، سيكون نقطة انطلاق لمزيدٍ من النفوذ الإسرائيلي في القارة الإفريقية التي أهملها العرب بما جعلها تطلب مزيداً من هذا النفوذ.
وإنَّه لَمِنَ الوهم القاتل لصاحبه، وهو العرب، أنْ يُنْظَر إلى الصِّلة الإستراتيجية المتنامية بين إسرائيل وأثيوبيا على أنَّها أمْرٌ عابر مؤقَّت؛ فأثيوبيا لديها من المصالح والأهداف الإقليمية ما يشدِّد لديها الميْل إلى تحالف إستراتيجي دائم مع إسرائيل، التي لن أتفاجأ بتأسيسها لوجود عسكري في أثيوبيا، وحَوْل "سدِّ النهضة" على وجه الخصوص، يدرأ عن أثيوبيا وسدها هذا مخاطر عسكرية خارجية، مَصْدَرها المتضرِّر الأكبر من بناء هذا السَّد، وهو مصر.
هذا السَّد، وبسعته التخزينية الهائلة هذه، يجب ألاَّ يُبْنى؛ لأنَّ ضربه بعد اكتمال بنائه سيكون له تأثير كارثيٌّ على السودان ومصر؛ وينبغي لمصر ألاَّ تَثِق بمزاعم أثيوبيا؛ فالسَّد بنفسه يُنبئ مصر بمخاطره (الواقعية) عليها.
إنَّ درهم وقاية خير من قنطار علاج؛ وهذا إنَّما يعني أنْ تبلغ مصر إلى أثيوبيا، وإلى كل من يعنيه الأمر، أنَّ شروع أثيوبيا في بناء هذا السَّد يُعَدُّ، بحدِّ ذاته، عدواناً على مصر لا بدَّ لها من مواجهته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تزامنا مع الذكرى السنوية الأولى لحرب غزة... مظاهرات بعدة مدن


.. كيف تصل إسرائيل إلى قيادات حزب الله؟




.. قصف إسرائيلي يستهدف بلدة نيحا في بعلبك ما خلف دمارا كبيرا


.. تهدف للفصل بين المقاومة وحاضنتها.. ما عقيدة الضاحية التي تنف




.. 8 شهداء وإصابة آخرين بقصف إسرائيلي على بلدة جباليا شمال قطاع