الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حاجة الشباب إلى مثل جديدة

وصفي أحمد

2013 / 6 / 3
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لم نُشر حتى هذه النقطة إلا إلى الأوضاع الأكثر بروزاً التي رافقت نمو الشيوعية و تطابقت معه . و لكن مؤشرات أخرى أقل ظهوراً كانت قيد الفعل أيضاً . و النقطة التي يمكن البدء بها هي أنه كان هنالك تعطش لا يرتوي إلى المثل . وكانت العناصر المتأثرة مباشرة بهذا التعطش هي عناصر الشباب العراقي طبعاً , و الطلاب خصوصاً . وكانت المثل الاسلامية ( شيعية كانت أم سنية أم صوفية ) التي شكلت لزمن طويل المرسى الذي يلجأ إليه الناس قد اصبحت في حالة من التفكك التدريجي . وكانت هذه المثل , أو على الأقل كما هي مصاغة و مفسرة , لا تتفق مع احتياجات ورغبات و خبرات عدد متزايد باستمرار من العراقيين الواعين اجتماعياً . و المؤكد هنا أن الإسلام ظل محافظاً على واجهته الخارجية المثيرة للإعجاب , ولكنه كان قد فقد في الواقع الكثير من قوته الحياتية . وكانت القوميّة تمر بأزمة وهي في حالة انحسار , ولم تكن تشكل , بأية حال , بديلاً مقبولاً . وكنا قد اشرنا سابقاً إلى بعض نواقصها , ومع ذلك سابقاً إلى بعض نواقصها , ومع ذلك لابد من التشديد على نقطة عامة أو اثنتين . و الواقع أن القومية , سواء كانت عربية جامعة أم متنوعة الخصوصية , تتوجه – كما هو واضح – إلى القلب ولا تقدم للعقل شيئا , فهي تتألف من عواطف و ذكريات و كثير من البلاغة . و كانت اهتماماتها سياسية أساساً : الاستقلال و الوحدة . و كانت تتوجه بقوة نحو ماضٍ جُعل رومانسياً و لا تظهر أكثر من ادراك ضعيف للأوضاع السائدة و حاجات جماهير العراق . و يجب أن نذكر هنا أننا نتحدث عن قومية ما قبل حزب البعث , أي عن قومية لم تكن قد استعارت بعد الاسلحة التنظيمية و النظرية من الترسانة الماركسية . و إذا كانت الأفكار الإصلاحية لجماعة (( الأهالي )) و الوطنيين الديمقراطيين أكثر تطوراً فإنها حملت مع ذلك طابع عدم الاكتمال و الافتقار إلى اساس فلسفي . و اكثر من هذا فقد بدا أن الاحباط الدائم كان مصير هذه الافكار نظراً لنزوع الطبقة الحاكمة إلى احتكار النشاطات السياسية .
وكان هنالك عنصر آخر على علاقة بهذه الأمور هذه : كان الطلاب – و الإنتلجنسيا عموما – منزوعي السلاح ثقافياً . و كانت هذه المشكلة على علاقة , إلى درجة معينة , بطريقة التعليم في المدارس و الكليات التي تميل إلى الحفظ . و هذه لا يمكن أن تفسر إلا من خلال أن الحكومة كانت تخشى التفكير لأنه سيؤدي في نهاية المطاف إلى دراسة الاسباب الكامنة وراء تخلف المجتمع و من ثم العمل على تغير الواقع القائم .
و لا مجال للشك في الحيوية الملازمة للنظرية الماركسية التي كانت ملائمة للواقع العراقي من خلال نقدها الطبقي اللاذع للواقع الطبقي الفج للعراق . ويجب أن نذكر هنا أن التباينات الطبقية العراقية عارية و فظة , و ليس فيها من الصقل أو التدرج الذي يخدم , في مجتمعات آخرى , في تمويه حقيقتها أو التخفيف من انعكاساتها . و يمكن في هذه الحالة تصور مدى تأثير النظرية , وخصوصاً على عقول كانت تعيش على أفكار قديمة , أفكار تفترض أن الفقر و الثراء شيء مكتوب و لا يمكن تغييره في الحياة . و أستذكر عراقي من عائلة دينية أصبح عضواً في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي في الأربعينيات , كما يقول حنا بطاطو خلال مقابلة شخصية معه , كيف أنه قرأ كتاباً ممنوعاً عثر فيه للمرة الأولى , على الفكرة القائلة بأن التمايز بين الأفراد ليس منزلاً من عند الله , بل ناجم عن أسباب إنسانية و تاريخية . و كانت الفكرة بالنسبة إليه (( شيء كالإلهام )) . و لم يكن هنالك في تجربته ما يوحي بالعكس . و كان قد أخذ كمسلمة الآية القرآنية القائلة : (( و الله فضل بعضكم على بعض بالرزق )) .
و تبقى الاشارة إلى اقتران آخر لظروف سهلت انتشار الأفكار الشيوعية , وهو أن الطبقات المتأثرة بهذه الأفكار – الطلاب و العمال غير المهرة و سكان الصرائف و الموظفون المدنيون – لم تكن أعدادهم تتزايد بشكل سريع فحسب , بل كانت تميل إلى التمركز إلى درجة كبيرة بالمعنيين الجغرافي و الوظيفي .
و يبقى عامل مهم سوف يتم التطرق له حول أسباب انتشار الأفكار الشيوعية قبل ثورة تموز ( يوليو ) وهو دور يوسف سلمان يوسف ( فهد ) بهذا الاتجاه .
المعلومات التاريخية مستقاة من كتاب ( العراق ) لمؤلفه حنا بطاطو .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا تقر قانونا لتسهيل طرد مؤيدي الجرائم الإرهابية | الأخ


.. أردوغان لا يستبعد عقد اجتماع مع الأسد: هل اقتربت المصالحة؟




.. قراءة ميدانية.. معارك ضارية وقصف عنيف على حي الشجاعية بمدينة


.. -من الصعب مناقشة كاذب-.. هكذا علق بايدن على -التنحي- | #عاجل




.. -لكمات- بين بايدن وترامب .. والأميركيون في مأزق ! | #التاسعة