الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التاريخ يستعرض دروس معركة قادش في القصير

محمد جمول

2013 / 6 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


التاريخ يستعرض
دروس معركة قادش في القصير محمد جمول
ليس هناك من هو أكثر بلاغة من صمت التاريخ الذي هو الأعلى صوتا دائما. ولكن لا يسمعه إلا من أٌوتي قدرا كبيرا من الحس المرهف والحكمة. فمع أنه لا يتوقف عن الكلام بصمت، قلة هم الذين يفهمون ما يقول. إنه صمت شيوخ الحكمة الخالدين الذين لا يمنحون مفاتيح حكمتهم إلا لمن يستحقونها.
التاريخ شيء وما كتبه المؤرخون الثرثارون بأوامر الحكام ورغبات المنتصرين شيء آخر. التاريخ لا يبالي بأنات المظلومين وبكاء الضعفاء ولا يعنيه حق أو باطل. ولذلك يقول كلمته ويمضي، ولا يهمه منتصر أو مهزوم فيسجل ما يراه ويدير ظهره غير عابئ بمن يمضون أمامه. يخط حروفه ويمشي. كل حرف من كلماته يغطي عمر أجيال، وكل كلمة تحكي قصص دهور. وحين تكتمل جملته يكون البشر قد بلغوا مرحلة الإنسانية، أو أكملوا مشوار انحطاطهم إلى ما دون مستوى البهائم.
التاريخ لا يعيد ذاته، لكن يعيد تقديم الفرص والعبر والدروس. وما يجري في مدينة القصير السورية، قرب مدينة حمص،يستدعي التفكير مليا بقوة التاريخ وأهمية دروسه. وللعلم يجب الإشارة إلى أن القصير هي منطقة قادش التي شهدت واحدة من أهم المعارك التي حددت مسار التاريخ في المنطقة قبل آلاف السنوات. فهل ما يجري فيها من معارك منذ أكثر من شهر، بل وأكثر من عامين، سيكون له القدرة على تحديد مسار التاريخ في منطقتنا خلال العقود المقبلة؟

في العام 1286 قبل الميلاد جرت في هذه المنطقة واحدة من أهم المعارك في التاريخ القديم والتي حددت مصير المنطقة وإمبراطوريات العالم الكبيرة آنذاك. ففي تلك الفترة كانت الإمبراطورية البابلية تعيش أواخر فترة مجدها ليحتدم الصراع بين الحثيين الموجودين في شمال سوريا- منطقة الأناضول- والفراعنة القادمين من الجنوب. وهناك على ضفة العاصي قرب مدينة القصير الحالية جرت تلك المعركة الحاسمة التي استمرت ستة عشر عاما انتهت بتوقيع تلك الاتفاقية التي أطلقت يد الحثيين في مناطق بلاد الشام الواقعة إلى الشمال من قادش، بينما سيطر المصريون على المناطق الواقعة إلى الجنوب من هذه المدينة.
والآن تشهد هذه المنطقة معارك ضارية مضى عليها حوالي سنتين بأدوات سورية وغير سورية تدرك أو لا تدرك أن محصلة معاركها ستقرر مَن مِن الدول الكبرى ستكون صاحبة اليد الأعلى في تقرير مصير المنطقة، والحصول على الحصة الأكبر من ثرواتها. فرق مهم بين المعركتين على ما أعتقد هو أن المعركة القديمة كانت واضحة الأهداف، ولم يتم تدمير المنطقة بحجة نشر الديمقراطية والحرية من قبل أعداء الديمقراطية والبشرية. في المعركة القديمة، كان - حسب اعتقادنا _ واضحا أن امبراطوريات تعمل بشكل معلن على إخضاع الدول الأخرى لسيادتها. وكان كل ملك أو إمبراطور يخلد انتصاراته على ما يخلفه وراءه من نصب وكتابات تعلن خضوع ملوك الدول المهزومة وركوعهم عند قدميه.
الآن نحن أمام معركة مختلفة تخاض للأهداف ذاتها ولكن تحت شعارات كاذبة تطرحها دول هي الأكثر عداء لها. وضحيتها سوريون وجدوا أنفسهم أدوات عمل بعضها بدافع الحقد، وبعض بجهل وبعض كان مخدوعا وظن أن أعداء الشعوب يمكن أن تعمل على إنقاذ الشعوب. ووسط ذلك يجد الجيش العربي السوري ذاته مضطرا لمواجهة هؤلاء جميعا كي لا تكون نتائج معركة القصير مطابقة لمعركة قادش التي قسمت سوريا إلى قسمين ووضعتها تحت سيطرة أعدائها.
لقد عمد الغرب الاستعماري، الذي لا يتحمل وجود دولة من مستعمراته القديمة قادرة على التمتع بثرواتها، التي يقال إنها موجوة بكميات أسطورية في سوريا على شكل نفط وغاز، إلى الدفع بكل أدواته إلى داخل سوريا وحشد كل ما يستطيعه من مرتزقة لتدمير سوريا أرضا وشعبا وبنية تحتية. وعندها تذكر هذا الغرب أن الشعب السوري محروم من الديمقراطية والحرية.
من الواضح أن التاريخ تذكر قادش مرة أخرى، ولكن ليس على طريقة تذكر الغرب الاستعماري لسوريا فقرر أن يقول كلمته هذه المرة على لسان الشعب السوري وجيشه الذي سيتمكن هذه المرة من منع القوى المتصارعة من إعادة تقسيم سوريا المقسمة أصلا باتفاقية سايكس- بيكو التي صاغها لصوص الحرية والديمقراطية في فرنسا وبريطانيا قبل مائة عام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة