الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من غرائب هذا القرن: قصة السوريين مع الانتصار

ربيع الحسن

2013 / 6 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


خلال الأزمة السورية المشتعلة منذ أكثر من سنتين سمعنا الكثير من المصطلحات ومنها على سبيل المثال:الثوار – الشبيحة- المؤامرة- الثورة- النظام الأسدي- قوات الأسد- الجيش "الحر"- المرصد السوري لحقوق الإنسان..الخ والتي أصبحت معروفة ومملة من خلال الترويج لها في الإعلام بكافة وسائله فاختلف حولها السوريون وتقاتلوا وقطعوا وذبحوا بعضهم بعضا ودمروا بلدهم وسمحوا لكل دول العالم بالتدخل في شؤونهم على خلفية هذه المصطلحات .
ولعل المصطلح الوحيد الذي يتفق على ترديده الكثير من السوريين ويسعون لا بل يؤكدون على تحقيقه مصطلح الانتصار. هكذا بكل بساطة ورغم كل هذه المجازر بحق البشر والحجر والهواء في سورية هناك من يصر على تحقق الانتصار في يوم ما.
فثوار الثورة الوهابية ومن يؤيدهم تحدثوا عن الانتصار منذ بداية ثورتهم والذي يتمثل في إسقاط الرئيس السوري ولأنهم ثوار تحت الطلب صدقوا كلام العثماني الجديد- الصديق الحبيب سابقا أرودغان في أن الانتصار سيكون خلال أسابيع من بداية الثورة وزاد يقينهم بهذا الانتصار الموعود بعد كلام ساركوزي وأوباما وأمير قطر وغيرهم,
وعلى الرغم من أن أغلب الثوار على الأرض في البداية كانوا يقيمون الصلوات الخمس كي لا يسقط الرئيس من أجل استمرار مصدر الرزق الجديد وبالعملة الصعبة ناهيك عن الرضا المعنوي الكبير الذي نالوه باعتبارهم ثوار أحرار شرفاء أبرياء يواجهون الرصاص الحي والدبابات بالصدور العارية. لكنهم مع هذا كانوا يصدحون على الفضائيات بالحديث عن الانتصار الموعود وظل هذا الانتصار بعيد المنال حتى انتهى دورهم وقبضوا مستحقاتهم وخرجوا أو تم تسهيل خروجهم من البلد ليتنعموا بما جنوه من أموال لعيش حياة رغيدة هادئة مشبعة برحلات الترفيه والسياحة بعد عمل ثوري مضني استمر عدة شهور.
جاءت بعدها دول الخليج بإشراف أمريكا وتركيا وبالتنسيق مع الدول الغربية على عقد اتفاقية تقوم على نقل كل المتطرفين في كل دول العالم إلى سورية للقتال في سبيل تحقيق الانتصار، ولكن الانتصار من وجهة نظر هؤلاء المتطرفين هو الفوز بالحوريات في الجنة الموعودة عبر الجهاد في سورية فأوعزت أمريكا لمشايخ النفط بأن يعلنوا بأن سورية هي باب الجنة المفتوح على مصراعيه والحوريات على أحر من الجمر تنتظر المؤمنين المجاهدين بفارغ الصبر الذين سوف يكافئون هذه المرة أضعاف ما قدم للمجاهدين السابقين لكونهم الآن سيحاربون من هم أخطر من اليهود والنصارى. وفعلا تقاطرت قوافل المؤمنين والمؤمنات إلى سورية بعد أن يئسوا من حوريات ام بي سي وغيرها من القنوات العربية الفضائية التي تقدم لهم حوريات ليسوا في المتناول "وتقطعهم في منتصف الطريق". فضربت هذه الدول عصفورين بحجر واحد فهي من جهة تخلصت من هؤلاء ومن جهة أخرى دمرت سورية وأعادتها عشرات السنين للوراء كما قسمت شعبها المقسم أكثر وأكثر.
كما قلل هذا العمل من إحراج هذه الدول التي تحدثت عن الانتصار القريب والذي لم يتحقق وأصبح الحديث عن هؤلاء الجهاديين الذين لديهم انتصار خاص بهم لايتعلق بكل هذه الانتصارات التافهة التي يحكى عنها في الإعلام أو في أوساط المعارضين السوريين المنضوين تحت لواء الإتلاف السوري السارق أو تحت لواء هيئة التنسيق ومرجعها رامي عبد الرحمن الذي يعمل بعد الظهر في مهنة حقوق الإنسان . فالانتصار بالنسبة لهؤلاء هو الموت فقط في سبيل تخليص بلاد المسلمين من رجس الروافض بأنواعهم وأجناسهم وتقديمهم كأضاحي في سبيل الفوز بحورياتهم. فوجدوا من يستقبلهم على أرضه من السوريين الكرماء الذين وصل حد الكرم ببعضهم أن يمنحوهم زوجاتهم وأخواتهم "وكل شيء بيرخص في سبيل تحقيق الانتصار".
ومن عواقب فتح باب الجنة على مصراعيه في سورية وإظهار الجهاديين على أنهم أبطال شرفاء، تشكل رأي عام "جهادي" بكل معنى الكلمة في العالم الإسلامي يشجع ويحرض ويشارك الجهاديين أعمالهم وممارساتهم وكله في سبيل تحقيق الانتصار الموعود فنسيت الشعوب العربية كل هزائمها الأخلاقية والتاريخية والثقافية والاقتصادية والنفسية وتمسكت بتحقيق الانتصار الذي سوف يعوض عن كل هذه النكسات ألا وهو قتال الروافض والفوز بالجنة الحورية وعلى أهون سبب كتفجير سيارة أو حزام ناسف مثلا.
وفي الطرف الأخر أيضا كان مصطلح الانتصار يتم تدوله منذ البدايات . وأيضا مر هذا الانتصار الموعود بمراحل عديدة بدءا من التنبؤ بالانتصار على المؤامرة منذ الأسابيع الأولى للأزمة على لسان البعض من المحللين اللبنانيين باعتبار أننا في بداية الأزمة لم يكن لدينا محللين سوريين في مجال السياسة كوننا لم نكن أصلا بحاجة إليهم قبل الأزمة فكان الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في أبهى صوره فماذا عسى أن يفعل المحلل في هكذا وضع غير تحليل ربما الإنجازات والتقدم والتطور الحاصل قبل الأزمة، وبعد أن تأخر هذا الانتصار الموعود تم التنقيب عن بعض المحللين الذين قاموا بملىء الفراغ الذي حصل بسبب عدم تحقق الانتصار الموعود.
وبدؤوا أيضا بالحديث عن الانتصار ولكن بحبكة أفضل من المرحلة الأولى فقسموا الانتصار إلى انتصار استراتيجي وانتصار تكتيكي ، فالانتصار الاستراتيجي يتمثل في كشف خيوط المؤامرة ومعرفة المتآمرين وتحديد أهدافهم والعمل على زيادة الوعي عند الناس لهذه القضية (وهذا اعتراف بأنهم كانوا يعلمون بأن الثقة بين السلطة والناس ضعيفة جدا لذا تطلب الموضوع عدة شهور للكشف عن خيوط المؤامرة) وهذا الانتصار الاستراتيجي من وجهة نظرهم قد تحقق خلال الأشهر الستة الأولى من الأزمة.
أما الانتصار التكتيكي فهو بنظرهم بسيط جدا يتمثل في المعارك الطاحنة التي ذهب ضحيتها آلاف الشهداء من خيرة أبناء هذا البلد وفي كل الأراضي السورية فالمعارك التي يخوضها الجيش في كل المناطق على صعوبتها وشدتها ويحقق فيها تقدما على أعداء الإنسانية هي انتصارات تكتيكية لإرساء وتثبيت الانتصار الاستراتيجي ومضى علينا سنة ونصف ونحن نحقق هذه الانتصارات التكتيكية والتي هي فقط كما قلنا تكريس وإثبات للانتصار الاستراتيجي.
لكن السؤال الجوهري هل الوطن فعلا انتصر يعني سورية هل انتصرت ؟؟؟ ربما يمكن الإجابة على هذا السؤال بعد أن نسأل الأسئلة التالية:
هل قتل أكثر من مئة ألف سوري انتصار؟ هل إنهاك الجيش وتدميره انتصار ؟ هل انتشار ثقافة الذبح والتقطيع والحرق انتصار؟ هل تعليم الأطفال دروس فك وتركيب السلاح الخفيف وربما المتوسط وكيفية استخدامه قبل تعليمهم جدول الضرب انتصار؟ هل تفشي الطائفية والحقد والقتل على الهوية انتصار؟ هل انتشار آلاف الفتاوى التي تحرض على سفك دم الأقليات في سورية انتصار؟ هل انتشار ثقافة الوهابية ومحاولة إصباغها على كل من يتبعون مذهب أهل السنة انتصار؟ هل عندما يصبح باستطاعة أي رئيس دولة في العالم مهما كان حجم ودور وموقع دولته أن يتحدث باسم الشعب السوري انتصار؟ هل تدمير مصانع الأدوية والمدن الصناعية انتصار؟ هل حرق الأراضي وتدمير الجسور وآبار النفط انتصار؟هل تشريد السوريين وتهجيرهم انتصار؟ هل اشتراك بعض السوريين مع إسرائيل بالعدوان على سورية والتهليل له انتصار؟ هل قتل رجال الدين الإسلامي والمسيحي وخطفهم انتصار؟ هل تدمير الحضارة السورية وسرقة الآثار انتصار؟ هل تدمير المكتبات التاريخية والأماكن السياحية انتصار؟ هل استخدام المدارس مكانا للقتل والتعذيب والتقطيع انتصار؟ هل استقبال كل مقاتلي العالم على أرضنا ليقاتلوا معنا ضد أبناء بلدنا انتصار؟ هل اعتبار شخص واحد هو كل المشكلة أو هو كل الحل انتصار؟ هل الاتجاه نحو التقسيم انتصار؟؟؟ ....
ربما إذا أجبنا على هذه الأسئلة سنعلم جميعا أي كان موقفنا سواء كنا مؤيدين أو معارضين أو محايدين أن الوطن يسير بعكس طريق الانتصار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24