الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين -الربيع العربي- من -السلطة القضائية-؟!

جواد البشيتي

2013 / 6 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


إذا ما استثنينا الفوضويين و"البلانكيين"، فإنَّ أحداً لا ينادي بإلغاء "السلطة"، أيْ سلطة، أو سلطات، "الدولة"، أو إحدى "السلطات الثلاث"؛ لكنَّ مدار الجدل والخلاف، في هذا الأمر، هو دائماً "الشرعية"؛ فأنتَ لا تَقِف ضدَّ مبدأ السلطة، أو ضدَّ السلطة بحدِّ ذاتها، وإنَّما (إذا ما كنتَ صادِقاً في إيمانكَ بالشعب مَصْدَراً للسلطات جميعاً) ضدَّ افتقادها "الشرعية"، أو افتقارها إليها. ولقد تواضَعْنا جميعاً على أنْ لا شرعية لأيِّ سلطة لا تتأتى بـ "الانتخاب (الحر)"، ومن "صندوق الاقتراع (الشَّفاف)".
وأحسبُ أنَّ قاعدة "لكل قاعدة استثناء" لا تُسوِّغ أبداً استثناء "السلطة القضائية" من هذه القاعدة؛ وإلاَّ أصبح "القضاء"، في مفهومه، يشبه كثيراً عقيدة "القضاء والقدر"؛ وهي عقيدةُ من يرى أَنَّ الأعمال الإنسانية، وما يترتب عليها من سعادة أو شقاء ، وكذلك الأحداث الكونية ، تسير وَفْقَ نظام أزلي ثابت.
إنَّني لا أريد أنْ أُجادِل (قانونياً أو سياسياً) في أمْر الأحكام (الأخيرة) التي أصْدَرَتْها المحكمة الدستورية العليا في مصر في شأن مجلس الشوري (وقانون انتخابه) والجمعية الدستورية ودستورها وانتخاب مجلس النوَّاب المقبل (بعد حلِّ مجلس النواب المُنْتَخَب لِمَا اعترى انتخابه من عوار دستوري على ما زُعِم).
أعْرِف أنَّ "القضاء"، أيْ عمل القاضي، هو "مهنة"، أيْ عِلْم واختصاص، كالطِّب والهندسة، يُوْلَد من الرَّحْم الأكاديمي للجامعات (وإنْ كان مجتمعنا يشقُّ على كثيرٍ من أبنائه، ومن بعض قضاته على وجه الخصوص، تمييز الجامعة من الجامع).
وأعْرِف، ثانياً، أنَّ للقضاة، كغيرهم من ذوي المِهَن والاخصاصات الأخرى، الحق في أنْ يؤسِّسوا لهم نقابة أو جمعية أو هيئة أو منظَّمة..، وفي أنْ ينتظموا فيها؛ فإنَّ لهم من الحقوق والمصالح والمطالب ما يستأهل أنْ يدافعوا وينافحوا ويُحاموا عنها.
وأعْرِف، ثالثاً، أنَّ القضاة (والجنود أيضاً) لهم آراء ووجهات نظر سياسية، يَمِيلون (سياسياً) إلى.. أو عن.. أو على..؛ وأنَّ "المهنية" و"التَّجَرُّد" و"الموضوعية" و"الحيادية".. هي في العالَم الواقعي للسياسة كالعنقاء والغول والخلِّ الوفي، ولا يُثَرْثِر في الكلام عنها، وعن أهمية التزامها والاستمساك بها، إلاَّ كلُّ من كان لها، في فعله وعمله، خصماً عنيداً؛ فَكُفُّوا عن الخداع؛ فإنَّ احداً، في زماننا هذا، لا يَقْدِر أنْ يخدع أحداً!
وأعْرِف، رابعاً، أنَّ ثلاثية "الرَّاشي والمرتشي والرَّائش" لها من السَّطوة ما يَجْعَل الغَلَبَة لـ "النَّفْس الأمَّارة بالسوء"، فلا نرى من الناس (إذا ما اسْتَثْنينا القابضين على الجمر، وهُمْ فئة ضئيلة متضائلة) إلاَّ مَنْ فَسَد، أو مَنْ يَنْتَظِر.
وأعْرِف، خامساً، أنَّ لكل سلطة مستبدِّة، اغتصب أربابها وأصحابها السلطة اغتصاباً مِمَّن يحقُّ لهم حيازتها، مصلحة متناقضة في موقفها من "القضاء"، وفي صلتها به؛ فهي تُحْكِم قبضتها عليه، وعلى رجاله، تارةً بالعصا، وطوراً بالجَزَرَة، متوفِّرةً، في الوقت نفسه، على تصويره على أنَّه "السَّماء"، وعلى تصوير رجاله على أنَّهم "أبناء السَّماء"؛ فهي تُنْطِق لسانه بما ينفعها، ولا يضرها؛ ثمَّ تقول "إنّه القضاء وقد كان له القول الفصل؛ وإنَّها العدالة وقد تجسَّدت".
لكن ما لا أعرفه، وما حان لنا جميعاً أنْ نعرفه، إنَّما هو "الشَّرعية"؛ فَمِنْ أين تستمدُّ السلطة القضائية (وينبغي لها أنْ تستمد) شرعيتها؟
بما لا يتنافى، ولا يتعارَض، مع كَوْن "القضاء" سلطة مستمدَّة، بجانبها، أو بُعْدِها، المهني، من "العِلْم"، وينبغي لممارسها أنْ يكون من ذوي الاختصاص في عِلْم القانون، أقول لا شرعية لهذه السلطة إذا لم تُنْتَخَب، وإذا لم تَخْرُج من رَحْم "صندوق الاقتراع"، كما تُنْتَخب، وكما تَخْرُج، السلطة التشريعية (والسلطة التنفيذية) في نُظُم الحكم الديمقراطية؛ فالشعب، وبصفة كونه مَصْدَر السلطات جميعاً في الدولة، يَنْتَخِب قضاته، وسلطته القضائية؛ ولا إعلاء لشأن قضاءٍ يأبى أنْ تَعْلو عليه إرادة الشعب الحُرَّة.
"الدستور" أوَّلاً؛ لأنَّه جُمْلَة النُّصوص القانونية الأساسية التي بها تُرْجِمَت إرادة الشعب (بصرف النَّظر عَمَّا يخالطها من إرادة طبقية). وعلى "السلطة التشريعية" أنْ تسنَّ القوانين بما يُوافِق الدستور، نصَّاً وروحاً. وعلى "السلطة القضائية" أنْ تَحْكُم وتُقرِّر بما يجعل القوانين والتشريعات كافَّة متوافِقة منسجمة مع "الدستور"، وبما يُسوِّي ويحل كل نزاعٍ بما يُوافِق "الدستور"، والقوانين والتشريعات المتوافِقَة معه.
نريد "العدالة"؛ وإنَّ أحداً من العقلاء لا يَقِف ضدَّ "العدالة"؛ لكن عن أيِّ "عدالة" يتحدَّثون؟
"العدالة العامَّة" هي كمثل "المرأة العامَّة"، أو "الإنسان العام"، أو "المدينة العامة"؛ فلا وجود في "الواقع" إلاَّ لزينب وليلى.. من النساء، ولزيد وعمرو وفاطمة.. من البشر، وللقاهرة ولندن والقصير.. من المدن.
"العدالة" ليست بـ "حُكْمٍ" يُوافِق "نَصَّاً"، أو يُجْعَل بلعبة التفسير والتأويل موافِقاً هذا "النَّص"؛ بَلْ هي "حُكْمٌ" يُوافِق "نَصَّاً"، يُوافِق "إرادة الشعب (ومصالحه)"؛ فإذا ضُرِبَ صفحاً عن "موافَقَة الحُكْم لإرادة الشعب (التي تعلو ولا يُعْلى عليها)"، بُرِّئَت ساحة مبارك (وشركائه في الجريمة) واتُّهِمَ الشعب نفسه بما بُرِّئ منه مبارك، وحُكِمَ على الشعب بـ "الاعتذار إلى جلاَّده عن ثورته عليه"؛ أليست هذه المهزلة القضائية هي ما تمخَّض، ويتمخَّض، عنه "الذِّهْن القانوني الحصيف" للمحكمة الدستورية العليا في مصر؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مسجدا يؤوي نازحين في دير البلح وس


.. مقتل وإصابة طلاب بحادثة انقلاب حافلة في كولومبيا




.. رحلات الإجلاء تتواصل.. سلوفاكيا تعيد رعاياها من لبنان


.. ما الذي قدمته إيران إلى لبنان منذ بدء الهجوم الإسرائيلي؟




.. فرنسا.. مظاهرات في باريس تنديدا باستهداف المدنيين في لبنان و