الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النموذج التركي!

أحمد غريب

2013 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


أعرف أن ثمة ارتباك حول ما يعنيه بالضبط تعبير "النموذج التركي"!
طوال سنوات حكم مبارك كان "النموذج التركي" حاضراً في خيال الطبقة الحالمة بالتغيير، كانت فكرة اقتسام بعض صلاحيات الرئاسة مع رئيس وزراء منتخب، وحصر الصلاحيات الرئاسية في مجلس عسكري وقصرها لتكون صلاحيات سيادية ققط تمثل نوعاً من الحلم في أواخر عقد الثمانينات وربما طوال التسعينات.
كان صعود نجم الدين أربكان كرئيس وزراء إسلامي تحت المجلس الرئاسي العسكري التركي نوعاً من الانفراجة فتحت باب الأمل لنموذج للتغيير يهضم مكونات الواقع الذي يشهد صعوداً للإسلاميين دون الوصول إلى هاوية الحكم الديني المتشدد الذي انزلقت إيران إليه.
لكن انقلاب العسكر الأترك على أربكان وعدم قدرته على تطوير الخطاب الديني المتشدد أجّل الاحتمالات، وأعتقد أنه عزّز على نحو ما من فكرة تاجر بها نظام مبارك كثيراً إلى حد الإفراط في الخارج والداخل تلخصت في سؤال: وما البديل؟ لكن صعود أردوغان كوجه معتدل يغلّب البعد الإقتصادي هزّ شبح الخوف من التطرف باسم الدين.
كان عيب "النموذج التركي" حتى ذلك الوقت هو ذلك القلق الناتج عن تنازع سلطتي العسكر والمدنيين والذي شهد دورات إنقلاب عسكري ضد مدنيين علمانيين أكثر من الإسلاميين، لكن تعايش أردوغان ونجاحه المدعوم شعبياً من طبقة وسطى كانت ترى فرصاً كبيرة للتحسن الإقتصادي وضع الرئاسة العسكرية في زاوية ضيقة، حيث لم يعد أمامها سوى الدفاع عن الوجه الحداثي للدولة ممثل في علمانية النظام .
وجد العسكر الأتراك أنفسهم على حافة السقوط بعد انتفاضات تونس ومصر واليمن وسوريا ضد حكام عسكريين كان من المعتقد استمرارهم، فسلّموا السلطة للبرلمان لينتخب رئسياً مدنياً لأول مرة للمجلس الرئاسي الذي ينتجه البرلمان حسب النظام التركي، رغم أن الأغلبية البرلمانية مع الإسلاميين بنسبة تفوق الخمسين بالمئة.
هنا أصبح لتعبير "النموذج التركي" مدلولاً آخر، وربما استخدم البعض تعبير "التجربة التركية" للإشارة للأداء السياسي المعتدل لإسلاميي تركيا وتعايشهم مع العلمانية. والتطور السياسي للسلطة العسكرية وقبولها بالحكم المدني الكامل.
لكن انفجار المظاهرات في تركيا تحت لافتة "مظاهراتنا ليست عن حديقة؛ إنها عن إساءة سلطة الدولة، عن الرقابة على الإعلام، إنها عن الديموقراطية" ورد أردوغان الذي خاطب الغرب بالأساس في تصريحاته الأولى مستخدماً كليشيه "لدينا انتخابات تعقد كل أربع سنوات يدعى إليها الناس ليختاروا السلطة التي تحكمهم، وأنا منتخب"، يشي بأن الأوضاع في تركيا لم تغادر الدرجة التي كانت عليها وقت هيمنة العسكر العليا على نظام الدولة، خاصة مع تواتر صور قمع الشرطة بنفس الطريقة التي كانت، واعتراف أردوغان نفسه بالإفراط في استخدام القوة، وهي صور لا تحظى بالتغطية الإعلامية اللائقة بها في الإعلام التركي الذي تغلب على قطاعات منه ضغوط الطبقة الحاكمة أياً كانت.
مرة أخرى تعود الدولة "النموذج" إلى مربع القلق: إساءة استعمال السلطة والإعلام، وهو نفس ما كانت تفعله سلطة العسكر التركي، ونفس ما تبيحه لنفسها أية سلطة تعتبر أن حصولها على نسبة تفوق الخمسين بالمائة في الانتخابات هو نوع من إطلاق اليد تتمتع به مع أي آخر من مكونات المجتمع مادام ذلك الآخر لا يملك القدرة على تحريك ضغوط دولية.
بالطبع لا تعرف الأنظمة المتطرفة ولا ترضخ للضغوط الدولية، مثل إيران سوريا وما شابه.
اتهام المتظاهرين الأتراك الذين نظموا خلال الأيام الثلاثة الأولى فقط من الاحتجاج 235 مظاهرة، اتهامهم لأردوغان بأنه "ديكتاتور" هو تجسيد لذلك الصراع الثقافي الذي تشهده المنطقة، وهو صراع جوهره حقوقي يتعلق بقيم الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، في مواجهة قمع السلطة سواء بواسطة عنف الشرطة أو قهر السياسات الإقتصادية الرأسمالية للشرائح الضعيفة.
لكن نظراً للخصوصية التي يمثلها الدين في المنطقة، والتي سمحت للتيار السياسي الذي يرتدي عباءة الدين بالوقوف أولاً في خانة المعارضة للحكم السلطوي، لأن الأنظمة التي تشكلت في فترة ما بعد الاستعمار لم تتطابق مع مفهومه التقليدي للهوية، ولأن هذه الأنظمة طرحت بعد انتهاء الاستعمار درجة واقعية من الهوية تناسب مدى استعداد كل مجتمع لتبني توجهات التحديث؛ هذه التركيبة وضعت التيار الديني في خانة المعارضة السياسية للأنظمة بشكل مؤقت، وكبديل لا يختلف إلا من حيث نزعة الهوية، لكنه يحتفظ بكل سمات النظام المستعد للتعاون مع الغرب والذي ينحاز لسياسات الإقتصاد الحر التي تراكم ثروات الأغنياء على حساب الفقراء. لقد انفرد الإسلاميون في تركيا بكل مستويات السلطة وبنسبة تفوق الخمسين بالمائة فكانت النتيجة خطأ في ممارسة الديموقراطية، وظهور شبح التسلط والديكتاتورية.
لقد بدا الربيع العربي خريفاً في مشاهده الأخيرة حتى الآن، ثم جاءت النفحة التركية لتمزق المظلة الهشة لديموقراطية الصناديق التي تسترت بها محاولات تفريغ الجوهر الحقوقي للانتفاضات التي دفعت عملية التطور السياسي؛ الديموقراطية عملية تنظيم لثقافة التعايش والمشاركة لا تقنين لثقافة الاستقواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا