الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمعة المارتون الثقافي في بغداد

طه رشيد

2013 / 6 / 5
الادب والفن


" بغداد لن تسقط " قول ليس فيه لعب على الكلمات، هو قول صحيح غير معتل ! لان بغداد تنهض من بين الركام كالعنقاء ، تنفض عن جسدها المضمخ بالدماء غبار السفلة من حكام متخلفين معاقين ومعوقين لمسيرة المدينة نحو سماوات المجد . كم لفظت من حاكم ومن زمار وطبال له ؟ ابحثوا في مزابلها وستجدون بقايا الحجاج ومن جاء من بعده وعلى شاكلته ـ مَنْ استعجل الورد ليقطفه لا بكفوف من حرير بل بسيف لم يمهله طويلا حتى يلتف على رقبته ـ سواء وضع العمة او الطربوش او السدارة او القبعة، الكل تساقط عند ابواب بغداد، وبقيت هي الجميلة والمقمرة والمشمسة والمتباهية بنهريها الخالدين ، بدجلتها الخفاقة المسرعة سقي البساتين، وبفراتها العذب المتسامي . كيف لهكذا مدينة ان تموت ؟ تحارب ابناؤها العاقون وتقاتلوا مرارا واحتضنتهم مجددا .. لك المجد يا بغداد .
يبتدأ الماراتون الثقافي كل يوم جمعة في شارع المتنبي ، ما ان تطئ قدماك ساحة الميدان قاصدا شارع الرشيد حتى ترى الكتب وقد غطت الارصفة وجزءَ من الشارع ، كتبٌ لكل الاعمار، لكل المشارب، لكل الاتجاهات، لكل الطوائف ولكل الاعراق ، والاهم لكل الحقب السياسية ، من اقصى اليمين الى اقصى اليسار ( اشكد عتيكة !) . ليس هناك رقيب او رقابة. لقد انتهى زمن الممنوعات وبلا رجعة . لقد خرج الوطن المارد من القمقم وهيهات ان يقبل العودة اليه ! لا يهم كيف خرج ..المهم المحصلة النهائية :خرج وكفى .
وحين تترك جامع الحيدر خانة على يسارك، وهو ما زال ينتظر الترميم، تتصدر واجهته خطوط الراحل هاشم الخطاط على موزائييك فيروزي ، تكون قد اقتربت من شارع المتنبي الذي يبدأ بمخازن القرطاسية وكم هائل من التحيات والقبلات التي لا تنتهي . الكتب تسحبك من انفك انّا اتجهت ، الشارع هو رئة بغداد الثقافية بحق، او هو بغداد الثقافة ، بغداد التي استردت عافيتها فهي تكتب وتطبع وتقرأ وتحتج وتتظاهر وتقول ما لا يقال في بلاد اخرى ، انها بغداد الحرية التي لم يمنحنا اياها واحد من ابنائها !
تبتدأ اصبوحة الجمعة بالمرور على "القيصرية" وهي فسحة تحتضنها مكتبات أخرى وتتوسطها مقهى "حافظ"، وهو مقهى شعبي وسط فسحة محصورة بين الكتب والاصدقاء، وتستغل هذه الفسحة في بعض الاحيان لاقامة ندوات تكريم او توقيع كتاب .
مقابل القيصرية يرتفع بيت المدى للثقافة والفنون ، حيث لا بد من المرور به، فبالاضافة لمكتبته العامرة ومكانه المبرد والمريح ، هناك ندوة الجمعة التي تنطلق فيه على الساعة 11 صباحا، وفي كل مرة تتناول هذه الندوة شخصية عراقية وكانت اخرها تكريم الفنان الرائد بدري حسون فريد وبعده جاء رحيل المؤرخ حسين امين واليوم المصادف 26 نيسان 2013 ، الندوة مخصصة للفنان الملحن ذو الصوت الشجي والذي ترك بصماته واضحة على الاغنية العراقية والعربية، الراحل رضا علي .
ولكن قبل هذا عليك المرور بمقهى الشابندر لالقاء التحية على من لم تره منذ اسبوع او ربما ثلاثة عقود ، ولا بد لك ان تسرع لان البيت البغدادي يبدأ نشاطه على العاشرة صباحا فتذهب باتجاه دجلة تاركا خلفك سوق السراي وتدلف في اول باب وستحتار في اي قاعة تدخل : اصبوحة عن المقام العراقي ، مسرح / ندوة فكرية / ووسط ساحة البيت ينتصب مسرحا اعتلته فرقة الجالغي البغدادي . وفي الجمعة الماضية فرقة الزورخانة وهي مؤلفة من الشباب مع عازف طبل وقارئ مقام ..انها بغداد بعينها ، بشبابها تستعيد شبابها.
لا بأس ان تترك البيت البغدادي من بابه الخلفي محتسيا قهوتك او ما طاب لك في المقهى الجديد قبل ان تتمتع بشمس بغداد في الحديقة المطلة على دجلة، ثم انزل الى النهر حيث مركب الشعر وقراءات لشعراء مختلفين ، اليوم كانت قراءات في الشعر الشعبي قدمها مجموعة من الشعراء كانت كلماتهم تلامس الماء فتغدو ندية رغم الشمس التي بدأت تقترب منهم ، يحرسهم داخل المرسى مجموعة فتية من الجنود وانشغل احد الضباط بمتابعة صنارته وهي تغوص في ماء دجلة.
سأتله بعد ان حييته:
أيجوز ان نجمع بين مهنتين ؟
قال : اجل إن كان الجمع لفعل الخير !
وقبل ان تترك الضابط والمستمعين والشعراء لا بد لك من المرور في بناية القشلة الجميلة حيث تتنفس عبق بغداد القديم .. الله، كم انت زاهية يا بغداد ؟
اسرعوا يا شباب، نادى احد الاصدقاء ، كيف لهم ان يسرعوا وبين متر وآخر صديق جديد وصل توا لشارع المتنبي ؟ كيف لهم ان يسرعوا ولا بد ان يختطف احدهم او احدنا من قبل احدى القنوات التلفزيونية التي تملأ الشارع؟ كيف لهؤلاء الشباب ان يسرعوا وقد ابيضت سوالفهم ؟ اسرعوا دخيلكم لان الفيلم في منتدى بيتنا الثقافي في ساحة الاندلس يبدأ على الساعة الواحدة والفيلم في اتحاد الادباء على الساعة الرابعة ، والحفلة الموسيقية في جمعية برج بابل في ابي نؤاس على الساعة الخامسة ومسرحية مناضل داود " زمن المطحنة" تعرض الساعة السابعة على المسرح الوطني .
وهرعنا، الحفلة الموسيفية الشعرية كان ابطالها الشاعر المبدع احمد عبد الحسين والعازف مصطفى زاير والعواد فائق نجل العواد محمد فاضل الشهير بعوده الثلاثي الفتحات ، وتحدث فائق عن عوده الجديد الذي اسماه S والذي سيبقى رمزا لسنوات عديدة . فائق خير خلف لخير سلف .
انقذتنا احدى الصديقات بايصالنا الى المسرح الوطني في الكرادة ..وشاهدنا الزمن الذي كان يطحن فيه الناس من قبل نظام لا يعرف للانسانية معنى ، وقد كشف لنا مناضل داود لمحة قاسية من تلك الايام .
انه بحق ماراتون الجمعة الثقافي ببغداد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
عبد الرضا حمد جاسم ( 2013 / 6 / 6 - 16:19 )
تحية و محبة و سلام واحترام
للغالي ابو سلام
شكرا على هذه الانتقالات السريعه المريحه المفيده
دامت ايامكم ثقافة
رافقتكم السلامة

اخر الافلام

.. نصير شمة يحتفل باليوبيل الفضي لتأسيس بيت العود العربي في الق


.. فنانة شهيرة تتمنى خروج جنازتها من المسرح القومي




.. بايدن عن أدائه الضعيف بالمناظرة: كنت أشعر بالإرهاق من السفر


.. قضية دفع ترامب أموالا لممثلة أفلام إباحية: تأجيل الحكم حتى 1




.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر