الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وتريات الحب والحرب : رواية الفصل 2

حبيب هنا

2013 / 6 / 5
الادب والفن


-2-
قبل شهر، توجه أخوها الكبير نبيل إلى الأراضي الحجازية لأداء مناسك الحج ، وبعد عودته أخذ يروي للأهل والأصدقاء القيمة الروحية لهذه الفريضة ، القيمة التي لا ينتقص من حسناتها شيء بالتقادم ، فتارة يتحدث عن الكم الهائل من مختلف الأصقاع الذين جاءوا للغرض نفسه ، وروح التسامح التي تملأ الأجواء في صفاء ومحبة مخلصة تقرباً للإله وابتعاداً عن المعاصي والجدال والغيبة والنميمة التي من شأنها إفساد طقوس العبادة وهدر الوقت والمال دون الرجوع إلى الديار كما ولدته أمه .
يقف متأملا الحدث بعيدا عن الأحكام المسبقة ، يكتشف ما لم يكتشفه الآخرون ويسأل في سره : هل كل هؤلاء البشر ارتكبوا المعاصي وجاءوا إلى هنا من أجل التكفير عنها ؟ غير أنه يجيب نفسه ، لم يكن جميعهم يبكي ندما ، وربما بعض الذين بكوا من بين هذه الأعداد الهائلة التي شاهدها في الطواف والسعي والصلاة في المسجد الحرام ليس لذات الأسباب ..
يكتشف الجبال السوداء الصماء التي تنتصب في وجه عوامل التعرية منذ آلاف السنين ما زالت واقفة تتحدى الرياح والتصحر وتبث رعبها في وجه كل من يحاول الاقتراب منها بهدف التسلق والمغامرة . تبث لهيب حرارتها التي تقتل التفكير بالاقتراب منها ، ولولا هذه الحكمة الإلهية التي جعلت من تلك البلاد مزارا للعبادة بغية أداء فريضة الحج التي تعيد الإنسان إلى يوم ولدته أمه إذا تقيد بالشروط الواجبة لما فكر أحد في الوصول إليها مهما كانت الحوافز ..
يكتشف أن قلة الذين يلتفتون لهذه الحالة التأملية التي تجعل العقل يعمل بكامل طاقته من أجل الوصول إلى قناعات غير قابلة للشك ، قناعات تؤكد بعض المسلمات وتنفي بعضها الأخر ولا تقبل بالأحكام الجاهزة الموروثة عبر التداول والأحداث على مر تعاقب الأجيال ، فمنها الصائب ، ومنها المضاف إليه أو المنقوص منه بقصد أو بدونه ؟
يكتشف أن لا شفيع لغير العقل والتجربة في الوصول إلى القناعات وإصدار الأحكام التي تخص صاحبها ومن حقه البحث عن كافة الوسائل من أجل بلوغ المعرفة والاقتناع بها بعيداً عن الانجرار وراء الكم الهائل من الذين يؤولون الأمور حسب أهوائهم ورغباتهم ومصالحهم الخاصة التي سرعان ما تفضح .
يكتشف أن الوعاظ والأئمة الذين يأمرون بالشيء يمارسون غير ما أمروا به ، وما يأمرون به لا يستجاب له من الجميع ، ليؤكدون على نحو خاص ، استحالة أن يكون البشر على نفس النسق والتفكير وطرق الاستجابة لها والرد عليها ، لا سيما أن البعض كان من خلال الوعظ والأمر يحاول فرض سطوته مستغلاً الدين وبساطة الناس حتى يتمتعوا بأكبر قدر من الاستمرارية والتواصل في ممارسة هذا الدور لأهداف شخصية بعيدة عن الدين بمعناه الجامع .
ويتذكر في خلوة مع الذات كم كان حريصاً على ألا يتدخل في شؤون أحد حتى لا يفسد ما عزم الأمر عليه ، وكلما لاحظ سلوكاً غير مألوف ويوتر الأعصاب ابتعد عن المكان حتى لا يجد نفسه قد تدخل على نحو ما فيقع ضحية أخطاء الآخرين ويضرب في الصميم نيته الخالصة لأداء مناسك الحج على أكمل وجه وبما لا يبعده عن وجهها الصحيح الأكمل الذي لا يدع مجالا للشك بنقائها وعدم تلوثها بالجدال المنهي عنه .
حاول أن يكون وحيدا في كثير من الأحيان ، لا لشيء بقدر ما هو ابتعاد عن أي شبهة قد تؤدي إلى إفساد عمله ، كالحديث عن شخص ما فينزلق اللسان إلى النميمة دون قصد . سار كثيراً في الشوارع التي تقود إلى أماكن العبادة دون رفقة داعياً للتقرب إلى الله معظم الوقت ، ولم يساوره شك على الإطلاق بعدم قبول حجيجه أو دعائه . كان على يقين أن الفرصة لا تأتي مرتين وعليه أن يستفيد منها الآن ولا يضيعها كما أهدر في السابق فرصاً كثيرة لم تكن على نفس القدر من الأهمية والمكانة ، علّ وعسى أن يظفر بها بنية خالصة فيضحى من الفائزين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب


.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز




.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم