الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدخل إلى الديموقراطية التشاركية

عذري مازغ

2013 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة شيء ما يتمخض في بهرجة المعارك السياسية، يحتدم الصراع هنا وهناك، المطالب متعددة وتتجاوز كل الأسقف، المواقف تتبلور بهذا الشكل أو ذاك وفقا لتسارع الأحداث، الوثيرة السريعة للأحداث لم تترك للمرأ متسعا من الوقت، ثورات بدون أفق إيديولوجي وإبهام منقطع النظير، تصبح فيه "الثورة" موديرن جديد، لكن هناك أيضا شيء ما يتمخض بالتأكيد: عالم جديد يتهيأ للولادة، عالم لم تتضح بعد ملامحه الجديدة، وربما لم ينضج بعد أيضا بالشكل الذي سيتخذ فيه مظهره الجديد، لكن هناك أكثر من بادرة تبشر بمجيئه، صراع إيديولوجي محتدم بلغ ذروته في الظروف الأزمية الراهنة.
في شمال إفريقيا وبلدان الشرق الأوسط اتخذ الصراع مظهرا شكليا انزاح فيه المطلب العام للجماهير إلى مطلب شكلاني، بحيث انزاح من كونه يعبر عن التغيير السياسي إلى مطلب ساذج وجد ذروته الأساسية في بناء أو في تمثل الثوب الراشي أوالبالي للديموقراطية التمثيلية، تحول الصراع به من صراع لأجل التغيير إلى صراع حول الشرعية السياسية المعبر عنها في صناديق الإقتراع، أجادت فيه الأحزاب السياسية المتعطشة للبوح البرلماني في أن تنهق ما لم تنهقه في سنوات الرصاص، لقد اكتشفت للوهلة الأولى حلاوة ومتعة التحالفات وصناعة النفوذ السياسي، وكان طبيعي جدا وفقا للتنميقة التمثيلية أن يكون لكل حزب برنامجه وتصوره للحكم وأن يقدمه للجماهير المتعطشة هي الأخرى لتمثل المصرحية الغربية في الديموقراطية، أن تصوت في صندوق العجائب، ثم أيضا وهذا هو الأكثر إمتاعا، أن تتمتع الأحزاب في رسم الخريطة السياسية وفقا للأجندة المعبر عنها من خلال صندوق العجائب، التحالفات الحزبية، التعامل مع الإكراهات المحلية ثم بعد ذلك مع الإكراهات الأخرى (الدولية) وبعد كل هذا، اكتشاف المتعة السياسية بشكل ملموس حيث تصبح السياسة وكما يعرفها كل الدهاقنة العظماء، فنا للممكن، فنا للتعامل مع الشيطان، كلما دعت الضرورة وإن بقي في جانبه العام قد اتخذ شكل الإكراه السياسي المحتوم، لكن في هذا الشكل أو ذاك، بالتحالف أو بغيره تبقى المطالب الشعبية غير هذه الروح المعبر عنها في الإكراهات، لقد كانت الأعزوفة الجميلة لكل الأحزاب هي انها تمارس السياسة حسب الإمكان، ووفق هذه الرؤيا من تضييق الأفق، فالعالم قرية صغيرة، وهي بذلك تمثل مركزا للتأثيرات، وعليه كان الأجمل أن نخضع لهذه التأثيرات، وعليه فإن الأمور في مجملها، القرارات السياسية أقصد، كانت تؤسس وفقا لهذه التأثيرات، فالتأثيرات هذه حلت بلغة ساحرة محل البرامج السياسية ضدا لإرادة الناخب، في التجربة الرائعة، التجربة القصيرة هذه لكل من تونس ومصر، في وقتها القياسي هذا قياسا على التجارب الأوربية العتيقة في الديموقراطية التمثيلية هذه التي طبعت بحق مجمل القرن العشرين، ستكتشف بحدس ما أن انتفاضاتها العارمة لم تحقق شيئا سوى هذه الإمكانية الجميلة في تغيير هرم السلطة، في الظاهر كان هرم السلطة هو العائق، لذلك كان مركز طلب الإنتفاضات، لكن في الجوهر كان العائق شيئا آخر ما لبث يتبلور الآن بعد هذه التجربة القصيرة جدا، ويبدو مرحا جدا أن الأحزاب التي ربحت رهان التصويت في صندوق العجائب، كانت قد حفظت عن ظهر قلب كل ما كان يكبت صوتها أيام زمن الطغاة الديكتاتوريين، هاهم الآن، أقصد الحكام الجدد الذين أتت بهم الأصوات، يعيدون نفس الخطاب الذي سئمت منه الشعوب في الديموقراطيات التمثيلية العتيقة، نفس الأعزوفة، نفس الأسطوانة: العالم قرية... لسنا وحدنا...، التأثرات.. الإكراهات وكل ما جادت به قريحة التاريخ المزبلي حتى الآن... أي كل هذا الذي كان مقنعا وملجما لحراك سياسي يفترض أنه كان عليه أن يقطع مراحل كاملة وصولا إلى العدالة الإجتماعية، لكن على العكس من ذلك، عاشت الشعوب مقابل هذا الحسم التاريخي، او القفز النوعي، عاشت على إقاع هذا الذي أغاطته وتغيطه حتى الآن جديان الفكر الأصولي اللبرالي المتجدد ظاهريا من خلال تجدد صياغة المفاهيم. بينما هو فكر لم يراوح عتبة القرن 18 حتى الآن، عاشت الشعوب طيلة مرحلة كاملة، قرنا كاملا على إقاع أضحوكة البرلمانات ونسيت تمثلها لنفسها بنفسها، وكان طبيعيا أن يكون الأمر قد تبلور بشكل غير مقنع تماما، فالناس غالبا تدفع كل ما يطلب منها، وكان كل هذا الذي يدفع يسير نحو مسار الأسطورة العجيبة الذي أبدعته صياغة جديدة أيضا للفعل السياسي: برامج غير معلنة لها أفضلية الأولويات، فالعادة تفترض أن الناس تزكي برنامجا سياسيا معلنا، وهذا البرنامج يحظى مبدئيا في وعي الجماهير بالأولوية، لكنه غالبا، تحت سقف أعزوفة الإكراهات يصبح برنامجا ثانويا، ولنا في مثل هذه الظروف الكثير من الأمثلة التي تصلح للتعميم الفائض والمقنع، فثلا ليست الديون بشكل من الأشكال اولوية هامة عند الناخبين، فالناخب عادة تهمه مسألة الصحة، التعليم، توفير الشغل ،السكن، الماء، الأعمال الإجتماعية وما إلى ذلك من الأمور التي تؤسس لمدنيته، وعلى هذه الأسس يمنح صوته لممثليه، والأحزاب عادة حين تصل إلى السلطة تأتي بأولويات أخرى، والحقيقة المرة، تأتي بأمر ما يحذق حنكتها التدبيرية: الشيء الجميل الممسرح عند الأحزاب هو أنها تتقن فن تأزيم الأولويات المعلنة في برامجها، تتقن فن الإقناع، وبالتالي فن ممارسة تدبير الملهاة، تصبح للخطابة اولوية في المؤسسات التشريعية، ويصبح الغير معلن في البرامج السياسية أولوية تنفيذية، والخلاصة الطيبة في كل هذا، أن البرلمانات في الأعزوفة الديموقراطية التمثيلية هو مسرح مقنع للسفسطة الثقافية، لفن الخطابة بين اليسار واليمين في أسطورة الديموقراطية التمثيلية.. في تجربة تونس ومصر جدل رائع الآن لا زال لم يمسك بعد خيوطه الوثقى، لا زال هناك لم ينضج بعد مالذي يريده الشعب، ويبدوا واضحا أن الشعوب في هذين البلدين غير مقنعة تماما بالآلية الجديدة للسلطة (الآلية التي من وجهة نظري بالية وغير مجدية أيضا) فالمشكلة ليست في تبدل الأدوار وتداول السلطة، المشكلة هي تحديد الأولويات من منظور الجماهير وليس من منظور الأحزاب، المشكلة في ديموقراطية التداول نفسها وإلا فما الذي ينقص الديموقراطية التركية التي حاول أردوغان تصديرها لمحيطه الشرق أوسطي، المشكلة باتت وجها آخر بدأ يتبلور من الآن فصاعدا، شكل آخر للممارسة السياسية تتجاوز الديموقراطية التمثيلية إلى أشكال أخرى تمس في الصميم النظام الحزبي نفسه سواء كان هذا الحزب بهيكلية يسارية أو يمينية، فهو في المطاف الآخير جزء من نظام تمثيلي بات قزميا ولم يعد مجديا، ولعل ما لم تفصحه بشكل واعي، أو لنقل للدقة ما لم تفصحه بشكل جريء حركات الربيع الإنتفاضي (حتى لا نعطيه ميزة جغرافية) هو هذا الموقف السالب للشباب تجاه أية رائحة حزبية حتى لو كان هذا الحزب يتعاطف أو يحمل كل مطالب هذا الشباب، إن شكل التكتل، وشكل التحرك، شكل اتخاذ القرارات، وطابع التظاهر المتمرد (بحيث كل الإنتفاضات لم تستأذن أية سلطة في التراخيص الخاصة بالتظاهرات، الحرص على الإستقلالية، نبذ الطابع الحزبي، نبذ السياسي كشكل لتقليم نفوذ الحزبي على الحراك، رفض للدولة كشكل سياسي أو كنظام عام) كل هذه الأمور تعطي انطباعا لولادة جديدة تعزز مكانة الأفراد والجماعات، تعزز المشاركة العملية للأفراد والجماعات من خلال أشكال التنظيم الجديدة، الحلقيات الجماعية، المبادرات التطوعية، التواصل الإجتماعي، سواء على مستوى الحضور في التجمعات، أو على مستوى تفعيل التواجد من خلال الفضاءات المفترضة، وهي كلها آليات تنبذ الوساطة وبالتالي تنبذ التمثيل النيابي والتمثيلي وعليه أيضا فالأحزاب السياسية، النقابات وكل ماكان يفترض سابقا أنه مخول له بدور تنظيم وتأطير المجتمع بدا الآن ظاهريا يفتقد هذه الوظيفة السياسية والإجتماعية على الأقل ما لم تغير هذه الأجهزة طريقتها النمطية في التأطير، وهذا عمليا يفترض هيكلة مختلفة تأخذ في الإعتبار هذه التحولات في اتجاه تكريس وتعزيز ديموقراطية تشاركية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المتعة
Almousawi A. S ( 2013 / 6 / 5 - 20:57 )
استاذنا الكريم عذري مازغ
جميل ان يجد المرء من يبلور لة وقائع الامور
في زمن تتسارع فية الاحداث
وتكاثرالولادات الكسيحة
امل كبير ببزوغ فجر يوم جديد
قبل اليأس من ظلال بطئ
طال كالعمر لحدث جد ثقيل
لك الود

اخر الافلام

.. بعد انتخابات -تاريخية-.. لا أغلبية مطلقة في البرلمان الفرنسي


.. احتفالات بالانتصار.. -الجبهة الشعبية الجديدة- تتصدر التشريعي




.. -سأقدم استقالتي-.. كلمة رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال ب


.. سمكة قرش ضخمة تسبح قرب مرتادي شاطىء في تكساس




.. بايدن.. مصيبة أميركا العظمى! والدولة العميقة تتحرك! | #التا