الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصحافي والسلطة!

جواد البشيتي

2013 / 6 / 5
الصحافة والاعلام


جواد البشيتي
مَنْ هو "الصحافي"؟
إنَّه الآن سؤالٌ أردني؛ وإنِّي لأتمنى أنْ نجيب عنه قبل أنْ يُجاب عن سؤال "مَنْ هو اليهودي؟".
"رسمياً"، عُرِّف "الصحافي (الأردني)" على أنَّه "عضو النقابة (أيْ نقابة الصحافيين)"؛ فأتى هذا التعريف أُكله إذْ أُخْرِج كثيرٌ، وكثيرٌ جدَّاً، من الصحافيين من "المِلَّة"؛ فإذا أبى هؤلاء واستكبروا، وزاولوا المهنة، اسْتَحقُّوا أنْ يُعاملوا على أنَّهم "مارقون"؛ وإنَّه لـ "مروق" لو تعلمون عظيم!
فيلسوف "ذكيٌّ"، رأى "شجرة تفاح"، فلمَّا أَمْعَن النَّظر فيها، "اكتشف" أنَّها "شجرة"؛ فلَمَّا شَحَذَ ذهنه، اسْتَنْتَج أنَّ كلَّ الشَّجَر تفاح؛ فإذا كانت كلُّ شجرة تفاح شجرة، فَلِمَ لا يَسْتَنْتِج من ذلك أنَّ كلَّ الشَّجَر يجب أنْ يكون تفاحاً؟!
السَّاهرون على "حرِّيَّة الصحافة"، أو "الصحافة الحُرَّة"، عندنا، والذين لم يكُفُّوا عن سعيهم لخَلْقها من "العدم"، أيْ من "عدم وجود الصحافي الحر"، ظلُّوا متشبِّثين بـ "إشكالية" هذا "التعريف"؛ ولو كانت لهم "مصلحة" في التصالُح مع "المنطق المنطقي"، لقالوا: إنَّ كل عضو في "النقابة" صحافيٌّ؛ لكن هذا لا يعني أنَّ كل صحافي يجب أنْ يكون عضواً في "النقابة".
وها هُم الآن يلبسون لبوس "القانون (وما أدراك ما القانون)"، ويُخاطِبون "المارقين" قائلين: لا وجود لـ "مشكلة"؛ أَصْلِحوا أَمْركم بـ "القانون"، واسْتَوْفوا "الشروط القانونية"، وما أيسرها؛ انْضَمُّوا إلى "النقابة"؛ فإذا أَسْبَغَت عليكم هذه "النِّعْمة"، وأصبحتم أعضاء، فانتشروا في "أرض المهنة"؛ فإنَّ أسوأ امتهان لهذه المهنة هو أنْ يزاولها أُناسٌ ليسوا من "أهلها"؛ لأنَّهم ليسوا أعضاء في "النقابة".
ولو عملوا بهذه "النصيحة القانونية الذهبية" لرأيناهم يحتفلون بـ "الفوز العظيم" كما احتفل الشعب المصري، في عهد السادت، بـ "تحرير" سيناء؛ فقد نزلوا إلى الشوراع يهتفون: النَّصْر، النَّصْر؛ ها قد عادت سيناء، وذهبت مصر!
"القانون" الذي يَتْلون "آياته" على مسامع "المارقين"، لا يتذكَّرونه، ويظل نسياً منسيا، لو امتهن "الصحافي غير الشرعي (أو غير القانوني)" مهنة الصحافة (وكُلُّكم تَعْلَمون أسماءها الحُسْنى عندنا) بما يرضي الحكومة، فزَمَّر لها وطَبَّل، وسبَّح بحمدها، ومجَّد رجالها الذين لهم آفاق تَسَع كل شيء ولا يَسَعْها شيء، وأقام الدليل لهم على أنَّهم قَوْم من العباقرة، ونَسَب إليهم "اختراع الحَرْف"، و"اكتشاف العالَم الجديد"، ونظرية "النسبية"؛ أمَّا لو زوالها بما يُغْضِب الحكومة، ويكشف عوارها بأوجهه كافَّة، ونَبَّش عن مستور رجالها، وحرَّض على الإشراك بها، فعندئذٍ، وعندئذٍ فحسب، تتذكَّر "القانون"، وتُذكِّر به "الصحافيين غير الشرعيين (أو غير القانونيين)"؛ فهي تَفْهَم "دولة القانون" على أنَّها الدولة التي تراعيه ما راعى مصالح وأهواء القابضين على زمامها.
إنَّ لدينا أربع سلطات: الأولى "تنفيذية"، الثانية "تشريعية"، الثالثة "قضائية"، والرابعة "صحافية".
أمَّا المواطِن الذي له عين تُبْصِر، وأُذن تسمع، فلا يرى، ولا يسمع، إلاَّ كل ما يجعله أكثر اقتناعاً بأنَّ السلطات الأربع ما هي إلاَّ "الواحد إذْ تعدَّد"؛ فإنَّ لـ "السلطة التنفيذية" عندنا أربعة وجوه؛ إنَّكم ترونها تصول وتجول في البرلمان، وفي القضاء، وفي الصحافة "الحُرَّة"، أيْ الصحافة "الحُرَّة من الحُرِّيَّة".
انْسوا "المال"، وأهميته للصحافة؛ ولتتذكَّروا فحسب "المعلومات"، وأهميتها لكل صحيفة؛ فلا صحافة بلا معلومات؛ والمعلومات عند الحكومة؛ والحكومة تبيع "المعلومات" بيعاً؛ وقانونها في "البيع" و"الشراء" معروف، واضِحٌ، جليٌّ، لكل صحافي ذي خبرة في "السوق"، وهو: اشْتَرِ "المعلومات" بـ "التعليمات". خُذْ أيُّها الصحافي (الشرعي، القانوني) ما شِئْتَ من "المعلومات"؛ لكنْ ادْفَع ثَمَنها بـ "الامتثال للتعليمات"؛ فلا شيء مجَّاناً، أو لوجه الله تعالى.
لقد مللنا النُّواب الحكوميين، والقضاة الحكوميين، والصحافيين والكُتَّاب الحكوميين، والذين مهما اختلفوا وتباينوا يَظلُّون مشتركين جميعاً في صفة "انعدام الكفاءة"؛ فالنائب الحكومي عديم الكفاءة نيابياً، والقاضي الحكومي عديم الكفاءة قضائياً، والصحافي الحكومي عديم الكفاءة صحافياً؛ فهل لكم أنْ تأتوني بالتفسير والتعليل لهذه الظاهرة التي طالما أدهشتني وحيَّرتني؟!
ويدهشني ويُحيِّرني، أيضاً، وأكثر، أنَّ أحداً من أمثال ماركوس شيشيرون (الفيلسوف والكاتب الروماني) أو من أمثال الأديب ابن المقفع (مترجم "كليلة ودمنة") لم يَظْهَر بَعْد عندنا (على كثرة من ننعم به من حرية!). لكن، ما أكثرهم أمثال مارك أنطوني وزوجته فولفيا (ودبُّوس شَعْرِها الشهير) وأمثال الخليفة العباسي المنصور، وواليه على البصرة سفيان ابن معاوية.
ابن المقفع مات ميتةً يتمنَّاها (لبشاعتها) المتسلِّط المستبدٍّ لكل خصمٍ له حالمٍ بالحرية أبداً؛ ومع ذلك، مات وهو ينشد: إذا ما مات مثلي مات شخص يموت بموته خلقٌ كثير، وأنتَ تموتُ وحدكَ ليس يدري بموتكَ لا الصغير زلا الكبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مسجدا يؤوي نازحين في دير البلح وس


.. مقتل وإصابة طلاب بحادثة انقلاب حافلة في كولومبيا




.. رحلات الإجلاء تتواصل.. سلوفاكيا تعيد رعاياها من لبنان


.. ما الذي قدمته إيران إلى لبنان منذ بدء الهجوم الإسرائيلي؟




.. فرنسا.. مظاهرات في باريس تنديدا باستهداف المدنيين في لبنان و