الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديناصور هو القارىْ الأخير

مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)

2005 / 4 / 28
الادب والفن


تغمدَ اللهُ أرواحَ أجدادنا الديناصورات بوافرِ رحمتهِ ويسَّرَ لها المُقامَ في الآخرةِ . وطلبيَ الرحمةَ لهمْ اليومَ مردّهُ إلى قناعتي المطلقة بأنّ الديناصورات كانت الطبقةُ الأخيرةُ من القرّاءِ على وجه الأرض قبلَ أنْ ينقلبَ عليهم الجهلةُ الذين لا تروقُ لهم الكتبُ والقراءةُ وأنا هنا أنفي فرضيةَ اصطدام نيزكٍ بالأرض ما أدّى إلى انقراضهم .
نبدو اليوم وبعد ملايين السنين أولاداً عاقينَ ومنشقينَ عن سيرةِ السلفِ العظيمِ الديناصورُ عليه رضوانُ اللهِ والطبيعة , ففي حين كانَ هذا الجدُّ الجليلُ ونسلهُ الصالحُ يقضمونَ الكتبَ قضماً قبل ملايين السنين نمضغُ اليومَ نحن أبناءُ سلالتهِ العشبَ فقط جُلَّ وقتنا وما تبقى منه نقضيه في متابعة آخر المنعطفات التاريخية التي يجود بها خصرُ روبي أو هيفا أو نانسي برعاية كوكا كولا .
لماذا وجعُ الرأسِ وتكديرُ صفوِ الحياة إذا كانَ بالإمكان شراءُ العجرميات والخليجيات بدلاً عن الريحانيات والجبرانيات . لماذا تنغيصُ الحياةِ إذا كانَ بالإمكان متابعةُ جسد المطرباتِ بدلاً عن متابعة جسد الكلمات . ولو لحنوا جزءاً من مقدمة ابن خلدون لمُغني البرتقالة أو الرمانة وخرج علينا في فيديو كليب صحبة مهترئاته المكتنزات الكثر لرأيت محور حديث كل جلسة اجتماعية العمران والتمدن ومسائل التقليد بين الغالب والمغلوب .
في مجتمعاتنا الاستهلاكية . بعقلياتها المومياوية المحنطة المقبورة أصبحَ فعلُ القراءةِ منَ الكبائرِ والأمورِ المقرفةِ . أصبحَ فعلُ القراءة نوعاً من عملية تهميشكَ في محيطكَ الاجتماعي المفترض , ولعنةً باهظةَ الكفنِ كفيلة بخلق نوعٍ من القطيعة الشاهقة بينك وبين الكائنات التي تتربص بكل فكرة جميلة لنحرها على مذبح سطحيتها . العقلُ الاستهلاكيُّ التموينيُّ المستحاثاتيُّ العائم اليوم فوق سفوح شجر الروح يُقصّلُ ( نسبة إلى المقصلة ) كلّ إمكان تفاؤلٍ بغدٍ أجمل يفوح من سماواته هديلُ الحمام . وفي أحسن الأحوال ينظر إلى فعل القراءة بمثابته نوعاً من البطر العقلي والتمظهر الاجتماعي الذي بالإمكان الاستغناء عنه .
انحسار القراءة يرتب حالةَ جزرٍ ثقافية , وبالتالي تكاثراً هائلاً للتيارات الأصولية الظلامية والاستبداد السلطوي عبرَ أجهزتهِ الأمنية ما يحول المجتمع أينما كان إلى مجرّد صحراء ربع خالي تكثر فيها الزواحف ويغيب الإنسان . أما طبعة الإنسان الموجودة فتكون نسخة مشوهة بليدة عاجزة وقاصرة .
الذي عمّق غربة المثقف في المجتمع وخلق هذا الفصام لديه وأسكنه في المنفى النفسي الذي يعد أخطر بكثير من المنفى الجغرافي هو تدجين الثقافة وترويضها وتسويق شبه ثقافة نمطية تابعة ذليلة خانعة تعتاش على فتات موائد السلطات .
لا يريد الناس أن يملأوا الفراغات الهائلة في رؤوسهم بحزن القراءة , يستطيعون الرفق بالحيوان ولكنهم قطعاً ليسوا من أنصار الرفق بالكتاب .حتى أصبح الكتاب دريئة لحملات الرجم والقذف ونوعاً من المنكرات يلزم النهي عنه , لخطورته في تجاوز الخطوط والمحددات المنتصبة أمام العقل الإنساني في طرحه الأسئلة الهائلة التي بلا آفاق ولانهايات .
في مجتمعاتنا الصغيرة , الهامشية يتحول التعامل مع الكتاب إلى نوع من الميوعة . حيث يتم اختزال الكتاب إلى مجرد فهرس ورؤوس أقلام هي عبارة عن اسم الكاتب وعنوان الكتاب ودار النشر , ويكفي لتكون مثقفاً أن تورد في حديثك الخلطبيطة اسم الكاتب وعنوان الكتاب فقط , وهذا كفيلٌ بأن يشار إليك في المجتمع الذي تعيش بين ظهرانيه بالبنان .
في مجتمعاتنا الصغيرة , الهامشية ينتشر ثقافويو أوراق المفكرات , وأكثر فئة اجتماعية شراءاً للكتب والمجلات والجرائد هم أصحاب المطاعم .
بعد كل هذا ألا يحقُّ لنا اعتبار الديناصور هو القارىْ الأخير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق


.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا




.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟


.. الفنان الكوميدي بدر صالح: في كل مدينة يوجد قوانين خاصة للسوا




.. تحليلات كوميدية من الفنان بدر صالح لطرق السواقة المختلفة وال