الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خوف الفاشية من الثقافة

فريدة النقاش

2013 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


كنت علي امتداد السنين من المتابعين لإيناس عبدالدايم كعازفة ودون أن أعرف الكثير عن عملها العلمي كأستاذة في أكاديمية الفنون إلي أن أطلق وزير الثقافة الجديد علاء عبدالعزيز غارته الهمجية أو بالأحري عاصفته الترابية علي مؤسسات وزارة الثقافة، وكان أن التقيت بإيناس عبدالدايم في إحدي مسيرات المثقفين ثم استمعت إليها في أكثر من برنامج حواري وهي تتحدث عن الثقافة والفن ووجدت نفسي أمام قامة ثقافية كبيرة جمعت بين المعرفة والموقف الأخلاقي المتماسك وروعة الفن والأداء الفذ النابع من القلب.

تساءلت كثيرا كيف يجرؤ هذا الوزير علي أن يتخذ مثل هذا القرار ضد «إيناس» وزملائها من المثقفين والفنانين، وفكرت كثيرا في السياق الذي يعمل فيه هذا الوزير والذي جاءوا به إلي موقعه ليشغل مكانا كان قد شغله من قبل ثروت عكاشة وبدرالدين أبوغازي.. وعدد آخر من كبار مثقفي مصر ومبدعيها.

ولم يكتف الوزير بقراراته ذات الطابع الإجرامي الانتقامي من الثقافة والمثقفين، بل وأخذ يطلق التصريحات تلو الأخري التي كشف فيها عن هشاشة بنائه الثقافي وسطحية معارفه واستقوائه الفج بمن أتوابه إلي هذا المكان، وذلك هو بيت القصيد.

وكنت قد ترددت كثيرا حال صعود الإخوان إلي السلطة في استخدام مصطلح الفاشية الدينية، وكان الامتناع استجابة للقول الشائع حتي في أوساط بعض السياسيين الذين يعرفون السجل الأسود لجماعة الإخوان من أننا لابد أن نمنحهم الفرصة ولا نستعجل الحكم عليهم قبل أن نختبر ممارساتهم.

وكان الإخوان هم الذين لم يستثمروا الفرصة التي منحها لهم المصريون ليقدموا التصورات والبرامج والخطط ويطلبوا توافق الشعب حولها، بل إنهم سارعوا في نهم ممقوت للسلطة والتسلط فأطلقوا مشروعهم لتمكين الجماعة والذي تحول إلي كارثة قومية وهو في ميدان الثقافة كارثة مضاعفة إذ يتحكم في مؤسسات الثقافة ومنابعها أكثر من وزير من التعليم بشقيه إلي الإعلام ثم الثقافة، حيث يتولي وزير التعليم أخونة المناهج ويفوض المحافظين لفصل البنات عن الصبيان في المدارس المختلطة تعبيرا عن هوس جنسي وكبوت، وهو الفصل الذي كان قد حدث في إيران أيضا باسم الدين وأدي إلي تدهور تعليم البنات بينما يعمل وزير الإعلام بمنطق الشرطة ويحول يوميا إعلاميين إلي المستشار القانوني للتحقيق فيزرع الخوف في قلوبهم ويشل قدراتهم الإبداعية.

وآخر ما حدث في هذا السياق هو أن قرر «عمرو عبدالخالق» رئيس إذاعة الشباب والرياضة تحويل الإذاعية «انتصار الغريب» مقدمة برنامج «إنسان بدرجة فنان» للشئون القانونية بسبب قول الشاعرة ضحي جابر ضيفتها إن مصر كانت في حاجة إلي رئيس أفضل من مرسي خاصة أنه يمارس نوعا من «العك» السياسي وأنه ليس رئيسا لمصر كما يدعي.

هذا وقدم محامو الإخوان والإسلاميين الآخرين أو من ينافقونهم ما يزيد علي ستمائة بلاغ وقضايا حسبة ضد صحفيين وفنانين وكتاب مستهدفين إنهاكهم أو تخويفهم، وقضية إلهام شاهين شاهد حي علي الجريمة.

وتشعر الجماعة بأن ثقافة مصر بمؤسساتها ومثقفيها ومنتجاتها الغنية هي أكبر كثيرا منها بعد أن كانت هي قد اختزلت الثقافة في النص الديني حتي دون تأويل أو معرفة بالمناهج الحديثة في قراءة النصوص القديمة، وتولدت لدي مثقفيها – وهذا تعبير مجازي – نوع من الضغينة المبنية علي الغيرة والمنافسة المهينة غير المتكافئة بسبب فقر ثقافة رجال السلطة ونسائها في مواجهة الغني والتنوع في الحياة الثقافية المدنية التي هي علمانية بطبيعتها لأنها تنهض علي التقدم المتواصل في كل من العلم والفلسفة والتقنية وعلاقة الإنسان المتجددة بالطبيعة وبالآخرين بما يخلقه كل هذا من انفتاح غير مسبوق لآفاق الإبداع والتنوع ومن ثم التواصل الإنساني علي أسس من القيم التي توافقت عليها البشرية كلها بتعدد أجناسها ودياناتها ومواطنها وعلي رأسها قيم المساواة والعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة الإنسانية التي بلورتها ثورة 25 يناير، والآن أستطيع أن أصف الحكم القائم بالفاشية الدينية وأنا مستريحة الضمير.

وكانت الفاشية تاريخيا حركة سياسية عنصرية طبقية ورجعية رأت في السود واليهود والنساء والعرب أجناسا دنيا تجوز إبادتها، وخاصمت الثقافة حين قمعت روح النقد ولدي انتشارها هاجر آلاف المثقفين من ألمانيا إلي أوروبا وأمريكا وكانت في سياق إذلالها للمثقفين تبيع لوحات كبار المبدعين بأبخس الأسعار وتحرق كتبهم بل وتقتلهم.

وقد تعلمت الفاشية الدينية التي تحكمنا كل هذه الدروس لكن الزمن تغير ولم تعد رياح العالم تأتي بما تشتهي سفنهم ولم يعد من السهل إرواء تعطشهم المعلن للانتقام من المثقفين الذين بمجرد وجودهم في حياتنا يكشفون الخواء الروحي والمعنوي الشامل للجماعة في الفكر والممارسة، وينبهون شعبهم إلي النفق المظلم الذي يقودنا إليه حكم المرشد، وسيكون النصر حليفه الشعب ومثقفيه مهما طال الزمن فهذا هو ما تعلمه لنا حركة التاريخ الذي يرجع إلي الوراء حينا ثم يعود للتقدم.. ولكن عبر نضال طويل للقوي الحية في المجتمع، والقوي الحية في مجتمعنا كثيرة وبصيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجهز لنا أكلة أوزبكية المنتو الكذاب مع


.. غزة : هل تتوفر ضمانات الهدنة • فرانس 24 / FRANCE 24




.. انهيار جبلي في منطقة رامبان في إقليم كشمير بالهند #سوشال_سكا


.. الصين تصعّد.. ميزانية عسكرية خيالية بوجه أميركا| #التاسعة




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الدفاع المدني بغزة: أكثر من 10 آلا