الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن «العشاء السرى» ومصير جبهة الإنقاذ

هاني عياد

2013 / 6 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


عمرو موسى يلتقى خيرت الشاطر برعاية أيمن نور وفى ضيافته. أين هى المشكلة؟ وما سبب كل هذا الصخب والضجيج؟ ألا يكفى أن يعترف عمرو موسى شخصيا أن اللقاء كان مخططا له أن يجرى سرا، وأنه يعرف من الذى سرب الخبر، وسوف يكون له معه موقف؟
أعترف أننى لم أجد سببا واحدا لكل هذا اللغط الذى أثاره ذلك اللقاء السرى، فمن حق من يشاء أن يلتقى بمن يشاء، سرا أو علنا، تماما مثلما من حق أى شخص أن يتمثل دور «الخاطبة» التى أظنها قد انقرضت من المجتمع، ويسعى لتجميع راسين فى الحلال على مخدة، أو فى السر على العشاء، هذا شأن خاص، ليس لنا أن نتدخل فيه.
لكن من حق الناس، بالمقابل، أن تضع يدها الآن –الآن على الأقل!!- على أحد أهم أسباب مرض شلل الأطفال الذى تعانى منه جبهة الإنقاذ، وجعلها متخبطة لا تقوى على السير، ولا تعرف ما إذا كانت تسعى إلى«إنقاذ» الوطن أم «إنقاذ» الجماعة الخارجة على القانون، حتى أصبحت خارج حسابات الشارع الثائر المتمرد.
وظنى أن الذين أدهشهم ذلك اللقاء السرى بين عمرو موسى وزير خارجية مبارك الأسبق، وخيرت الشاطر الرجل الثانى فى الجماعة الحاكمة، والموصوف بأنه الحاكم الفعلى للبلاد، هم أنفسهم جزء من أزمة جبهة تتخذ من «الإنقاذ» اسما لها، بينما تضم فى صفوفها من لا يتفقون فيما بينهم على معنى ومضمون «الإنقاذ»؟ إنقاذ مَن؟ ومِن مَن؟ وفى السياق خذ عندك: 11 مليون مواطن –حتى ساعة كتابة هذه السطور- يوقعون على استمارات تمرد، طالبين سحب الثقة من الدكتور مرسى والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، بينما الأستاذ سامح عاشور القيادى بجبهة «الإنقاذ» مازال يتحدث عن شروط «الجبهة» لخوض الانتخابات البرلمانية!!
ليست لدى أية مشكلة مع أى شخص يتخذ ما يراه مناسبا له من مواقف، وليس من حقى أصلا أن أتدخل فى الخيارات السياسية لشخص ما او جماعة ما، لكن المشكلة تنشأ، وتتبلور حتى تصبح قضية وطنية، عندما نجد أنفسنا أمام حالة من التجميع القسرى لأشخاص وجماعات، يتصدون لقيادة وطن، أو هكذا يدعون، لكنهم سرعان ما يتفرقون ويتشتتون فى مواجهة سؤال: ماذا نريد؟ فتسمع عشرات الإجابات المختلفة إلى حد التناقض، ثم يعتقدون أو يتوهمون أنهم قادرون على إخفاء تناقضاتهم حفاظا على «الوحدة»، ولا أحد يعرف وحدة من؟ ولماذا؟ وكأن لسان حالهم يقول إنهم يقتفون أثر المثل الشعبى الشهير «الكترة تغلب الشجاعة» دون أن يدركوا أن الأمثلة الشعبية لا تحكم –دائما- مسار الثورات، فضلا عن أن هذا المثل تحديدا لا ينطبق –بالمطلق- على حالنا الراهن، ليس فقط لأن الجماعة الحاكمة لا تتحلى بأية سمات لها علاقة بمفهوم ومعنى الشجاعة، لكن أيضا لأن «الكثرة» المقصودة هنا يفترض فيها -بالضرورة- أن تكون متفقة على سؤال: ماذا نريد؟ حتى وإن تباينت وجهات النظر بينها حول كيفية تحقيق هذا الذى نريده، بينما الأخوة فى جبهة «الإنقاذ» لا يتفقون حتى الآن على ما يريدونه. بل إن السيد عمرو موسى نفسه يوقع على استمارة تمرد ثم يضع القلم فى جيبه ويستقل سيارته متجها إلى منزل الدكتور أيمن نور للعشاء مع المهندس خيرت الشاطر، فلا تعود تعرف ما إذا كان الرجل لا يعرف ماذا يريد أم أنه يناور ويلعب سياسة، لكنك تصبح متيقنا أنه وإن كان سياسيا بارعا إلا أنه لا مكان له فى جبهة تدعى أنها تستهدف إنقاذ الوطن، الذى لا يحتمل –بالضرورة- مناورات ولعب سياسة.
ولئن كان السيد خيرت الشاطر قد أصيب بحالة من الفزع الأقرب إلى الهستيريا وهو يتخيل ما يمكن أن يحدث من سيناريوهات يوم 30 يونيو، فالمؤكد عندى أنه ذهب إلى العنوان الخطأ وفى التوقيت الخطأ، فلا السيد عمرو موسى ولا غيره من رموز وقادة جبهة الإنقاذ –لا أستثنى منهم أحدا- قادر على وقف حركة الشارع أو تغيير مساراتها، بل العكس هو الصحيح تماما، حيث شوارع مصر وميادينها سوف تجرف كل من يقف فى طريقها، من «إخوان» الشاطر أو «جماعة» الإنقاذ، ربما يكون الشاطر معذورا إذا اعتقد أن جبهة الإنقاذ هى من منح الغطاء السياسى لحركة تمرد، لكن ما هو عذر السيد عمرو موسى وهو يدرك تماما أن الجبهة استمدت بعض حياة من تأييدها للحركة وليس العكس؟
كان على جبهة الإنقاذ أن تستوعب معانى ودلالات أن تجتمع إرادة الملايين على «رفض» محمد مرسى، بينما لا يجد هؤلاء من يلتفون حوله ويجمعون عليه، فالناس تجتمع على أهداف محددة وواضحة وتلتف حول من يحقق مطالبها، لكنها تتلفت حولها فلا تجد سوى «جبهة» مرتبكة متخبطة، لا تعرف ماذا تريد ولا ماذا تفعل، وظنى أن «العشاء السرى» هو اللحظة الفاصلة، ولعلها الفرصة الأخيرة، فى مسار الجبهة، إما أن تنحاز انحيازا «واضحا» و«عمليا» إلى الشعب ومطالبه، وتنفض عن كاهلها كل عواجيز الفرح والمحاربين القدماء وأصحاب الدكاكين وكل من يسعى إلى تحسين شروط التفاوض ويبحث عن قطعة أكبر فى كعكة مؤسسات دولة الإخوان، وإما أن تبقى فى حالة التأرجح والمراوغة و«لعب السياسة»، فتحكم بنفسها على نفسها بالإعدام، فليس ثمة فوارق حقيقية بين من يلتقون على مائدة أيمن نور للعشاء، ومن يلتفون على طاولة عمر سليمان للتفاوض، والذين منحوا مبارك بالأمس القريب «غطاء ديمقراطيا» مقابل عدد من مقاعد البرلمان، بوسعهم أن يمنحوا الجماعة اليوم «غطاء شرعيا» مقابل نفس الثمن، مع ملاحظة أنه مثلما فشل «الغطاء الديمقراطى» فى إنقاذ مبارك، فإن «الغطاء الشرعى» لن يفلح أيضا فى إنقاذ الإخوان.
ولمن يريد أن يستوعب الدرس، قبل أن نستعيد صرخة الفنان محمد صبحى «أنتهى الدرس يا غبى»، نقول إن الانحياز «الواضح» يعنى أن تعلن الجبهة –الآن الآن وليس غدا- أن هدفها هو إسقاط دولة المرشد وتابعه، والانحياز «العملى» هو أن نجد قادة ورموز الجبهة فى مقدمة صفوف المتظاهرين فى الشوارع يوم 30 يونيو، لا يعودون إلى منازلهم، أكرر «لا يعودون إلى منازلهم»، إلا بعد تحقيق مطلب الملايين التى رفعت كارت «تمرد» فى مواجهة دولة الجماعة، وإلا فليبقوا حيث هم الآن، والشعب «القائد والعلم» قادر على إفراز قياداته المؤهلة للتعامل مع متطلبات المرحلة.
طريقان لا ثالث بينهما، إما الشعب أو الإخوان، ولم يعد ثمة متسع بينهما لمزيد من المراوغة والمناورة والرقص على الحبال، وعلى كل أن يتحمل مسئولية اختياراته أمام الشعب والتاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن